هل يفضي تصاعد التوتر إلى حرب بين تركيا واليونان؟

عاد التوتر بين تركيا واليونان، وذلك بعد أشهر قليلة من التهدئة بينهما، وبلغت حدّته درجة غير مسبوقة من التصعيد، إذ لأول مرّة يصف فيها الرئيس التركي، أردوغان، جزر بحر إيجة، الواقعة تحت السيادة اليونانية، بـ"المحتلة"، وأن بلاده لن تعترف باحتلال اليونان لها، بل وذهب إلى حدّ التلميح لإمكانية قيام تركيا بعمل عسكري لاستعادتها، من خلال مخاطبته اليونان قائلاً: "سنقوم بما يلزم عندما يحين الوقت، يمكننا أن نأتي على حين غرّة ذات ليلة"، فضلاً عن تحذيرها من "مغبّة التمادي في ممارساتها الاستفزازية"، لأنه إذا "تمادت أكثر سيكون ثمن ذلك باهظاً".

وجاءت تصريحات أردوغان خلال مشاركته في احتفالات الذكرى المئوية لـ"عيد النصر" الذي تحييه تركيا في 30 أغسطس/ آب من كل عام. لذلك دعا اليونان أيضاً إلى "عدم نسيان أزمير"، في إشارة إلى انتصار تركيا على اليونان في حرب الاستقلال، وإخراجها من هذه المدينة والساحل الغربي لتركيا في عام 1922.

ولعل الجديد هذه المرّة، ليس فقط زيادة حدّة التصعيد، بل اعتبار جزر واقعة في بحر إيجة محتلة من اليونان، وذلك بعدما ظلت موضع خلاف عقودا عديدة، وجاء التهديد التركي بـ"إعادة بحث السيادة اليونانية عليها"، بعد اتهام تركيا اليونان بعسكرة هذه الجزر، وخصوصا نشر منظومة الصواريخ الروسية الصنع إس 300 فيها، وتحرّشها بطائرات حربية تركية باستخدام هذه المنظومة، التي تُنكر اليونان تفعيلها، فيما تؤكّد تركيا أنها دخلت الخدمة فعلياً في جزيرة كريت.

وانعكس ارتفاع منسوب التوتر مع اليونان في الأوساط السياسية والإعلامية التركية، حيث بدأت تعقد مقارنات ومقارباتٌ مع الحرب الروسية على أوكرانيا، وتقدّم تحليلاتٍ بشأن الغاية من محاولات دفع تركيا إلى حربٍ مع اليونان، بالرغم من تقديرات أن تركيا لن تتّجه إلى شن حرب على اليونان، لكن أصواتا، في الوقت ذاته، رأت ضرورة إعطاء الرد المناسب على تصرّفات "الطفل المدلل الذي تمثله اليونان" لدى الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، معتبرة أن التوجّه التوسّعي الذي أراد حلف الناتو تنفيذه في منطقة شرقي أوروبا، هو الذي دفع روسيا إلى شن الحرب على أوكرانيا، وأن لهذا التوجه تأثيرات مختلفة ومتعدّدة في المحيط الجغرافي الذي تقع تركيا في مركزه، لذلك من الخطأ الفادح اعتبار استفزازات اليونان عملية "إلهاء بسيطة" أو "توتر عابر"، كونها تتطلب اتخاذ خطواتٍ سياسيةٍ متوازنةٍ وحازمة في الوقت نفسه.

توجه أنقرة منذ مدّة اتهامات إلى أثينا بقيامها بتسليح جزر قريبة من الأراضي التركية وعسكرتها

وتوجه أنقرة منذ مدّة اتهامات إلى أثينا بقيامها بتسليح جزر قريبة من الأراضي التركية وعسكرتها، معتبرة ذلك مخالفة صريحة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية الموقعة بين البلدين، والمتعلقة بجزر بحر إيجه، وخاصة اتفاقيتي لوزان 1923 وباريس 1947، اللتين نصتا على ضرورة أن تبقى مدنية، ومنزوعة السلاح، وألا تتحوّل إلى مناطق عسكرية لأي سبب، حيث اعتبر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أن "الحشد العسكري اليوناني في 16 جزيرة ببحر إيجة مخالف للقوانين الدولية"، في حين أن اتفاقية لوزان "أحدثت وضعاً غير عسكري في جزر بحر إيجة، بعد الأخذ بالاعتبار المتطلبات الأمنية لتركيا. واستمرّ هذا الوضع في معاهدة باريس للسلام، عبر الاعتراف الصريح والواضح به، فهذه الاتفاقية أوجدت وضعاً حيادياً لصالح تركيا". لذلك تجادل تركيا بأن اليونان نقضت الاتفاقيات الموقعة عبر تسليحها الجزر، الأمر الذي يدفعها إلى إعادة طرح ملف السيادة اليونانية عليها. وهو أمرٌ ترفضه اليونان، حيث يتحدّث ساستها عن خرق السلطات التركية المتكرّر الاتفاقيات الموقعة عبر خرق تركيا المجالين الجوي والبحري لليونان.

في المقابل، ترفض اليونان الاتهامات التركية، واعتبرت في بيان أصدرته وزارة الخارجية اليونانية أن التصريحات التركية استفزازية وتقوِّض تماسك حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأنها لن تحذو حذو تركيا في "التصريحات المُشينة والتهديدات المتكرّرة يومياً"، وستُطلع حلفاءها وشركاءها "على محتوى التصريحات الاستفزازية خلال الأيام الأخيرة، ليصبح واضحاً من يقوِّض تماسك تحالفنا بشكل خاص في وقت خطير". أما الاتحاد الأوروبي، فلم يجد سوى الانحياز إلى الطرف اليوناني والإعراب عن "قلقه الشديد حيال التصريحات العدائية التركية" بشأن الجزر اليونانية القريبة من تركيا.

توتر العلاقات التركية اليونانية مرشّح لمزيد من التصعيد، بالنظر إلى أن لهذه العلاقات صداها الداخلي

تاريخياً، شكلت مجموعة جزر بحر إيجة، التي أقرت اتفاقيتا لوزان وباريس سيادة اليونان عليها، مصدراً للتوتر بين البلدين، نظراً إلى وضعها الحساس بالنسبة إلى تركيا، كونها أقرب إلى الأراضي التركية، وبعضها لا يبعد سوى بضع كيلومترات عنها، فيما تبعد عن الأراضي اليونانية مئات الكيلومترات. إضافة إلى أن اليونان تطالب بمجال جوي يمتد لمسافة عشرة أميال فوق مياهها الإقليمية التي تمتد لمسافة ستة أميال، الأمر الذي يُفضي إلى حرمان تركيا من الوصول إلى الجرف القارّي في بحر إيجة، ومن حقها في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي فيه، لذلك لا تعترف تركيا بمسافة الأميال الأربعة الإضافية التي تطالب بها اليونان فوق مياهها الإقليمية، وعلى هذا الأساس تشتكي اليونان من اخترق الطائرات التركية مجالها الجوي، فضلاً عن مشكلات تحديد الجرف القاري للبلدين في بحر إيجة، والخلافات حيال التنقيب عن مواد الطاقة في مياه شرقي المتوسط، وحيال قبرص وسوى ذلك.

وتطاول الخلافات بين تركيا واليونان قضايا أخرى عديدة، تضرب عميقاً في التاريخ، وتتجدّد وتتوسع مع بقائها دون حلّ. وقد ساد بعض التفاؤل بعد زيارة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس إسطنبول في 13 مارس/ آذار 2022، واجتماعه مع الرئيس أردوغان، لكنه تبدّد بعد مطالبة ميتسوتاكيس الولايات المتحدة بعدم بيع طائرات إف - 16 لتركيا، واعتبر أردوغان ذلك مناقضاً لما اتفقا عليه في اجتماع إسطنبول.

ويبدو أن توتر العلاقات التركية اليونانية مرشّح لمزيد من التصعيد، بالنظر إلى أن لهذه العلاقات صداها الداخلي بين القوى السياسية في كلا البلدين، وكذلك في الشارعين التركي واليوناني، وترقى إلى مصافّ مسألة داخلية متوارثة تاريخياً عبر الأجيال، وخصوصا أن البلدين يستعدّان لإجراء انتخابات في العام المقبل، لذلك تحاول القوى والأحزاب السياسية فيهما إظهار الحزم والقوة في التعامل مع المسائل الخلافية بين البلدين.

مشاركة الخبر: هل يفضي تصاعد التوتر إلى حرب بين تركيا واليونان؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي