تصعيد "باب المندب" كيف يحاصر أمل اليمنيين بتحسّن معيشي في 2024؟
تصعيد "باب المندب" كيف يحاصر أمل اليمنيين بتحسّن معيشي في 2024؟
غلاء فاحش يُفرغ جيوب اليمنيين مع استفحال التوتر في البحر الأحمر (محمد حويس/فرانس برس)
تستمر الأحداث في المنطقة بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة بالتصاعد المتسارع ملقيةً بتبعات لا تزال في طور التشكل على كثير من الدول المتموضعة جغرافياً في مجال تأثير الجغرافية السياسية نفسها، وليس اليمن بمنأى عن تداعيات وتطورات الأحداث، لا سيما فرض جماعة الحوثي معادلات جديدة عند باب المندب، بما يعيق مرور سفن وناقلات إسرائيلية أو متجهة إلى كيان الاحتلال، إلا أن اليمن يجد نفسه أيضاً محاصراً بوضع صعب للغاية مع تفاقم أزمات البلاد الاقتصادية والمالية والنقدية والتي تفوق قدراتها على التعامل معها بإمكاناتها الذاتية.
وتترافق هذه التطورات المتسارعة مع تزايد الضغوط المالية وارتفاع حدة الأزمة النقدية في ظل استمرار تدهور سعر صرف الريال اليمني وما يثيره ذلك من مخاوف واسعة بالنظر إلى استمرار الانقسام على كافة المستويات في اليمن والتطور الكارثي لتبعاته التي تحتم، وفق خبراء اقتصاد، إيجاد حلول سريعة وعاجلة للتعامل معها والوقوف الجاد والمسؤول أمام تطورات الأحداث بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة.
ويترقب اليمنيون عملية تنفيذ خريطة الطريق التي أعلن عنها المبعوث الأممي في 23 ديسمبر/ كانون الأول ومدى جدية الأطراف المتوافقة عليها في تنفيذها بما يتيح حل الأزمة المالية والاقتصادية وصرف رواتب الموظفين وإعادة تصدير النفط.
المواطن محمد الرماح، يقول لـ"العربي الجديد"، إن على الأطراف المتصارعة النظر إلى وضعية اليمنيين المتدهورة، خصوصاً الموظفين، وتقديم التنازلات وعدم عرقلة الاتفاق بهدف صرف رواتب الموظفين المتوفقة منذ أكثر من ست سنوات.
من جانبه، يؤكد عبد الحميد مسعد، لـ"العربي الجديد"، أن وضعه المعيشي كغيره من اليمنيين وصل إلى الحضيض واستنفد كل البدائل والخيارات المتاحة للعيش، حيث يشكل له هذا التوافق المعلن عنه لحل الأزمة بارقة أمل في صرف الرواتب بالرغم من التجارب السابقة مع بروز مثل هذه التحركات والاتفاقات والتي لا تلبث أن تتحول إلى سراب.
وتوصلت الأطراف اليمنية إلى خريطة طريق لإنهاء الحرب، تتضمن تنفيذ إجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة.
كما تشمل خريطة الطريق، من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة.
يأتي ذلك في الوقت الذي يواجه فيه اليمن عديد التحديات، مثل تقلبات أسعار العملة، وارتفاع التضخم، واشتداد الاضطرابات الاجتماعية وتسببها في تراجع أداء القطاعات الاقتصادية غير النفطية.
كما زادت الضغوط على المالية العامة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، بحسب تقرير صادر في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عن البنك الدولي، الذي أرجع السبب الرئيسي لذلك إلى ركود صادرات النفط، حيث يشير التراجع الواضح في إيرادات الحكومة في النصف الأول من عام 2023 إلى احتمال حدوث انخفاض بنسبة 40% خلال العام، كما تزامن هذا التراجع المتزايد، الناجم في معظمه عن الحصار النفطي، مع انخفاض الإيرادات الجمركية بسبب تحول الواردات عن ميناء عدن.
أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز محمد قحطان يقول في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن انقسام الدولة ومؤسساتها في اليمن ترك آثاراً بالغة على مختلف الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد تعمق الانقسام في الجهاز المالي للدولة وفقدت كل من صنعاء وعدن القدرة على عمل موازنات عامة للدولة، الأمر الذي يصعب معه مواجهة التقلبات الاقتصادية من زاوية العمل بأدوات السياسة المالية.
وأصبحت الدولة بشكل عام في عموم اليمن فاقدة للقدرة المالية للوفاء بالتزاماتها كسلطات حاكمة.
أما بخصوص تأثير حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة، فيقول قحطان: "لا شك بأن تأثيرها في حال التمدد سيكون كارثياً على اليمن، إذ ستتراجع المساعدات الإنسانية أكثر ويمكن أن ترتفع أسعار المشتقات النفطية والسلع الغذائية التي سيكون لها بالغ الأثر على الجانب الغذائي".
بالتالي، من المتوقع أن تزداد أعداد من يحتاجون للمساعدات الإنسانية، إذ يقدر عدد من يعجزون عن تلبية حاجاتهم الغذائية حالياً بأكثر من 18 مليون نسمة، ويمكن أن يرتفع هذا العدد بصورة كبيرة جداً. وكل ذلك، وفق قحطان، يحتم على القوى السياسية اليمنية، سواء القابضين على السلطة في عدن، أو القابضين على السلطة في صنعاء، الإسراع في وضع نهاية للصراع وتحقيق السلام، والتوجه الجاد لمواجهة الانقسام السياسي والاقتصادي لمواجهة الوضع القائم وما هو متوقع حدوثه.
الحكومة اليمنية مدعوّة لتعزيز إيراداتها
وفي سياق التحركات المتفاعلة في اليمن على المستوى الرسمي، استعرض البنك المركزي اليمني في عدن تقارير متعلقة بتطورات الأوضاع الاقتصادية والمالية من خلال استعراض أداء المؤشرات الاقتصادية وموقف الموازين الداخلية والخارجية في ضوء التطورات غير المواتية على الصعيد المحلي والتطورات الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية اليمنية، والتدابير المتاحة للتخفيف من آثارها في إطار تكاملي مع الجهات الحكومية الأخرى.
اللافت في هذا الجانب دعوة البنك المركزي للحكومة اليمنية إلى بذل المزيد من الجهود في تحصيل الموارد العامة وتوريدها إلى البنك المركزي وضبط الإنفاق وإعادة ترتيب الأولويات والتسريع في إصلاح الاختلالات في القطاعات التي تستنزف الكثير من موارد البلاد الشحيحة وإعادة توظيفها بتحسين المستوى المعيشي والخدمي للمواطنين.
وفي مواجهة تراجع الإيرادات ورغبة منها في حماية المالية العامة، أجرت الحكومة اليمنية تخفيضات كبيرة في أوجه الإنفاق، غير أن هذه التدابير، بحسب البنك الدولي، قد تفرض مزيداً من التحديات أمام الحفاظ على الخدمات العامة الأساسية وتعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
قرارات شجاعة مطلوبة للجم تدهور اقتصاد اليمن
الخبير الاقتصادي مطهر العباسي، وهو مسؤول حكومي سابق في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، يشدد في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن المرحلة الراهنة تمثل فرصة مهمة يجب التقاطها من قبل أصحاب الشأن في اليمن لاتخاذ قرارات شجاعة ومسؤولة لإنقاذ ما أمكن من التدهور الحاصل على كافة المستويات، وهو توجه لا ينبغي أن يرتبط بأي أحداث مستجدة لحل مشاكل البلاد الواضحة للعيان والتي تتطلب كحل أولي إنهاء الانقسام وتحييد المؤسسات المالية والنقدية.
وإضافة إلى ضرورة التوافق على رؤية جديدة للتعامل مع الموارد السيادية وإدارة الاحتياطيات المتوفرة من المنح والتمويلات الدولية بهدف استقرار سعر الصرف، يجب التركيز على تمويل الميزانية العامة من مصادر غير تضخمية، وضرورة استعادة وتفعيل الأوعية الإيرادية، وتحصيل الإيرادات الضريبية والجمركية وتوريدها في حساب رسمي حكومي لدى البنك المركزي بهدف تمويل النفقات العامة، فالمرحلة والوضع الراهن يتطلبان عدم التساهل مع تحصيل أو تبديد الموارد العامة.
تأتي هذه التطورات فيما تسارع شركات عالمية كبرى لتغيير مسار تلك البضائع بعيداً عن البحر الأحمر وقناة السويس، بسبب هجمات الحوثيين.
وتنقل "رويترز" عن مصادر في قطاع اللوجستيات قولها إن شركات توريد لمتاجر كبرى شهيرة، مثل "إيكيا" و"هوم ديبوت" و"أمازون"، وشركات تجزئة أخرى حول العالم، تقوم بالشيء نفسه، في وقت تعاني فيه الشركات من تبعات أكبر تعطل لحركة الشحن البحري منذ الفوضى التي أحدثتها جائحة كوفيد-19 في سلاسل الإمداد العالمية.
وتستخدم نحو ثلث بضائع سفن الشحن العالمية هذا الطريق التجاري، ومن المتوقع أن يضيف تحويل مسار السفن حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية ما يصل إلى مليون دولار أخرى للوقود لكل رحلة ذهاباً وإياباً بين آسيا وشمال أوروبا.
مشاركة الخبر: تصعيد "باب المندب" كيف يحاصر أمل اليمنيين بتحسّن معيشي في 2024؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي