"المراكبى" قصة قصيرة لـ نورا طارق
اعتادت "هبة" على التنزه بشارع المعز لدين الله الفاطمى بالقاهرة، فكانت بين الحين والآخر تحمل كاميرتها الفوتوغرافية الصغيرة التي حصلت عليها هدية من والدها بمناسبة تفوقها في الثانوية العامة، ومنذ ذلك الحين وهى تحرص على أن تحملها عند التنزه مع أصدقائها أو عند زيارة أحد الأماكن الأثرية المميزة لتلتقط بنفسها صور للأماكن التي تركت بداخلها آثر ما.
ولشغف "هبة" بالتاريخ التي درسته بكلية الآداب رغم حصولها على مجموع 98%، وعملت بمجال الإرشاد السياحى بعد تخرجها، ورغم من زيارتها للأماكن السياحية بطبيعة عملها، إلا إنها اعتادت على التنزه بمفردها في الأماكن الأثرية لتشاهدها بعين العاشقة للفن المعمارى القديم وتسرح بخيالها في كل مكان تشاهد وتتخيل كيف كان يعيش الأشخاص في زمن بناء هذا المعمار وكلما سرحت بخيالها كلما تمنت أن تعيش في هذا الزمن.
وذات يوم ذهبت "هبة " لشارع المعز وتحمل كاميرتها الخاصة، وتتجول بالشارع المليء بالمباني التاريخية والمحلات التجارية المتخصصة في صناعة الحلى والملابس التراثية، وأخذت تلتقط بعض الصور، وجلست لتستريح لبعض الوقت وتكمل جولتها، ولكن لفت نظرها إنها جلست أمام منزل أثرى صغير جميل يدعى منزل المراكبى، ومن جمال المعمارى للمبنى قاومت تعبها ودخلت المنزل واستقبلتها لوحة مدون عليها تاريخ المراكبى وهو شاب كان يعيش في العصر الفاطمى وكان معروف بشجاعته وحبه الشديد للخير، ومن حبه للبحر لقبه الناس بـ" المراكبى"، لحرصه على الصيد، وبينما كانت "هبة" تقرأ اللوحة عادت بها للعصر الفاطمى وكأنها آلة زمنية.
ووجدت "هبة" نفسها داخل منزل "المراكبى"، المفترش بالسجاد الملون والديكور الذى كان معروف في هذا العصر، ووجد شاب مقبل عليها وبوجهه علامات دهشة وتعجب وسألها :" انتى مين؟.. وإيه اللى جابك هنا؟.. وإزاى دخلتى بيتى؟".
وبدى على هبة أعراض الخوف والقلق، وقالت للمراكبى:" صدقنى ..أنا مش عارفة أنا إيه اللى جابنى هنا، أنا كنت بقرأ لوحة و.."، ولم تكمل هبة حديثها وقاطعها طرق الباب حيث اجتمع مجموعة من الرجال للتخلص منه وأخذوا يصرخون عليه قائلين" افتح يامراكبى..افتح إحنا مش هنسيبك"، فأخذ المراكبى بيد هبة واصطحابها للغرفة السرية التي بناها بمنزله ولا يعلمها سوى هو.
وعند وصل للغرفة أجلس هبة، وبدأ ينظر إليها وقال لها :" انتى لبسك غريب مش شابهنا انتى مين ومن انهى بلد".
ردت هبة قائلة :" أنا مش عارفة اللى هقوله ده حقيقى ولا أنا بحلم ..بس أكيد أنا بحلم.. أنا مصرية وكنت فى سنة 2022 بتمشى في شارع المعز وشوفت بيتك ودخلته ولقيت لوحة مكتوب عليها معلومات عنك إنك كنت فارس شجاع وبدافع عن الحق وبتنصر المظلوم وكان ليك شأن عظيم.. لكن بصراحة استغربت خوفك وهروبك من الرجالة لدرجة إنك عامل أوضة سرية تستخبى فيها".
وشعر المراكبى بدهشة، وقال لها: "لو كان كلام صحيح وانتى من زمن تانى.. جيتى إزاى؟!.. وبعدين أنا ..أنا مش جبان زى ما بتقولى".
ردت هبة: "أنا مش عارفة جيت إزاى هنا ومش عارفة ده حقيقى ولا حلم.. لكن هروبك ده جبن لازم تواجه ..أنت خايف منهم ليه؟".
شعر المراكبى بالحرج، وقال لها :"أنا مش جبان.. ولا خايف من حد.. أنا مش عارفة أواجهم لأنهم بلطجية وعددهم كبير ودايماً بيدخلوا البيوت يسرقوها وإلا يقتلوا أهلها عشان كده بستخبى منهم وبقفل الباب كويس عشان مايدخلوش يسرقوا حاجة من البيت".
ردت هبة عليه قائلة: " ده جبن.. إنك سايب الحرامية يسرقوك بلغ رجال الأمن وتصدى معاهم للبلطجية وخلص الناس من شرورهم.. صدقنى هتقدر طول ما أنت مؤمن بنفسك وبقدراتك".
آمن المراكبى بنصيحة هبة، وأخذ يعد أسلحته واصطحب هبة للإبلاغ عن البلطجية وألقوا القبض عليهم وعندما علم الشارع بالأمر حملوا رجال الحرس على أعناقهم ووجه الشكر للمراكبى، ومنذ ذلك الحين وقرر أن يتحلى بالشجاعة ويدافع عن الحق بالطرق القانونية، وجلس مع هبة ووجه لها الشكر لمساعدتها له ولأهل الشارع، كما وجهت له هي الأخرى الشكر بأنها عاشت يوم ملئ بالمغامرات، ثم بدأت تتلاشى أمامه والمراكبى في حالة ذهول ثم عادت لتجد نفسها مازالت واقفة أمام اللوحة وعلى وجهها علامات الدهشة هل ما عاشته حقيقة أم خيال؟ لكن في الحالتين حرصت على تدوين تجربتها في كتاب بعنوان "المراكبى".
مشاركة الخبر: "المراكبى" قصة قصيرة لـ نورا طارق على وسائل التواصل من نيوز فور مي