دروس الأسد بلعبة الفساد
لا يصح قانون لافوازييه في سورية الأسد، فحفظ الكتلة يسقط كما تسقط كل أبجديات الاقتصاد والفلسفة، ويبقى بشار الأسد برعاية دولية، يتحدى السقوط.
فالنقود التي تدخل جيوب السوريين، ليس شرطاً أن تساوي نفقاتهم، والفارق الهائل بين طرفي المعادلة هو أهم أسرار السوريين وبقائهم على قيد الإنفاق والحياة.
بمعنى تفصيلي رقمي، ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من خمسة أفراد في مناطق سيطرة النظام السوري إلى أكثر من 12 مليون ليرة، مع بداية العام 2024، بعدما كان في نهاية شهر أيلول الماضي نحو 9.5 ملايين ليرة سورية، في وقت لم يتجاوز متوسط الرواتب 200 ألف ليرة.. فمن يشرح هذه المعادلة ويقنع الاقتصادي الفرنسي، أنطوان لافوازييه بأن معادلته خاطئة أو نسبية على أقل تقدير، تصح قبل جبال البيرينيه وتختلّ بعدها.
قصارى القول: كيف يردم السوريون تلك الفجوة، ربما هو السؤال المحيّر لكل من يطلع على أجور السوريين ونفقاتهم، حتى وإن كان يعلم السائل أن نسبة الفقر نافت 90% من السوريين المقيمين بكنف النظام، وتقل قليلاً بالنسبة لسكان المناطق المحررة، شمالي سورية بشرقه وغربه.
أول إجابة تقفز على الذهن بذلك اللغز هي المغتربون، إذ هجرت حرب بشار الأسد على الثورة وحلم السوريين بعيش كريم آدمي، نصف السكان، ما يعني أن تحويلات المغتربين لذويهم والتي تزيد عن 5 ملايين دولار يومياً، هي ما تساعد السوريين على تحمّل نفقات الحياة المتزايدة بعد ارتفاع أسعار زاد عن 200% العام المنصرم وتسد، ولو قليلاً، بعض الفجوة الكبيرة بين الدخل والإنفاق.
بيد أن هذا الاحتمال، وعلى صحته النسبية، لا يطاول جميع السوريين، خاصة من هم بمناطق سيطرة الأسد والتي شهدت أقل نسبة مهاجرين نظراً لتأييدها بشار الأسد ومراهنتها على انتصاره على استجابة القدر وإرادة الشعب على الحياة.
أما الاحتمال الثاني أو السر ببقاء من تبقّى في سورية على قيد الحياة، فهو الفساد وبكل ما تحمله هذه الكلمة المقززة، من معان وأبعاد. إن بدأت من الرشى والإتاوة، لكنها لا تنتهي عند تجارة الممنوعات والمحرمات. فمستوى الجريمة التي تقودها عصابة الحكومة بقاطرة المخدرات التي يقودها إسكوبار سورية بشار الأسد ويتنامى-الفساد- بدعم ورعاية وغض طرف، حافظ ولأعوام، على مركز سورية الأخير عالمياً ضمن قائمة البلدان الأقل فسادًا، وفق تصنيف منظمة "غلوبال ريسك" لعام 2023، المتخصصة في خدمات إدارة المخاطر، متقدمة بالأكثر فساداً، ضمن 169 دولة مصنفة، على اليمن وجنوب السودان والكونغو وكوريا الشمالية.
وزاد الفساد من احتمالية اللاأمل بعودة سورية وربما لعقود، بعد نخره عظام حامل التنمية-الإنسان- الذي وضعه نظام بشار الأسد أمام خيارات جد محدودة، الهجرة والسرقة أو الموت ذلاً وجوعاً.
نهاية القول: تجمّد قانون "قيصر" وسقطت مقولات أن الحصار الاقتصادي هو سبب الفقر وتراجع الناتج والإنتاج في سورية، بعد الذي نراه من محاولات مستمرة لإعادة إنتاج نظام الأسد وزيادة التبادل معه، لتتأكد حقيقة أن سوء الإدارة والفساد هما سبب الانكماش وتردي الاقتصاد وحال السوريين.
إذ ثمة سياسة يعتمدها نظام بشار الأسد، يمكن حصرها بثلاثية غض الطرف والتوريط والموافقة الضمنية، وحدود تلك السياسة واسعة، تبدأ من دع الموظف يسرق حتى يعيش ويكبر ملف إدانته لنستخدمه وقت الحاجة، وتصل نهايتها لنسرق قبل سقوطنا، والتي تطاول أركان نظام الأسد برمته، أولئك الذين يدورون بفلكه أو يديرون أمواله ويعملون لحسابه، والذي، الحد النهائي للفساد، ما عاد مقتصراً على المخدرات ومصادرة حقوق السوريين والإتاوة على التجار، بل وصل إلى تزوير وتزييف عقود رهن وبيع سورية لحماة الكرسي بطهران وموسكو.
وما المبالغ التي طالب آخر تقرير للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بدمشق، باستردادها والبالغة 104 مليارات ليرة سورية، وإعفاء مديرين واعتقال محافظ، إلا قطبة ضمن سياسة نظام بشار الأسد المتمحورة حول التوريط، لاستخدامها خلال لعبة تبديل الطرابيش وذر رماد مكافحة الفساد بعيون المغفلين.
مشاركة الخبر: دروس الأسد بلعبة الفساد على وسائل التواصل من نيوز فور مي