السياحة الثقافية.. علم وهويّة واقتصاد
تظل المملكة أملاً لأكثر من ملياري إنسان مسلم حول العالم، فقلوبهم تهفو لأداء فرضة الحج، ومناسك العمرة، وزيارة المساجد والأماكن المقدسة، من هنا تصبح السياحة الدينية رافداً من روافد الاقتصاد السعودي، وزيادة حركة البيع والشراء، وانتعاش الحركة الفندقية والضيافة، ومن ثم يتم اجتذاب شباب واعد للعمل، أو التطوع، واكتساب خبرات لن تتاح لأقرانهم من دول العالم، من حيث الزخم الإنساني المتفرد لجنسيات وثقافات متباينة.
ومع إطلاق الرؤية يتضح الاهتمام الكبير بتنمية هذا النوع من السياحة، بل أصبحت السياحة الثقافية في المملكة من أولويات استراتيجية ورؤية القيادة السياسية بالمملكة ورؤيتها 2030.
لقد بدأت المملكة تخطو خطوات مدروسة واثقة لتنمية قطاع السياحة، خاصة السياحة الثقافية؛ لتكون مصدراً متجددة موارده للناتج المحلي، وهذه هي النتيجة المرجوّة، ولكن هناك فوائد أخرى للسياحة الثقافية، فمن خلالها سيتعرف العالم على الهوية الثقافية الأثرية التراثية، والحياة الاجتماعية القديمة والحديثة للمملكة، ومشاهدة عن عقرب للهوية السعودية؛ لتصبح تلك الهوية قيمة مضافة في كتاب تاريخ المملكة وإرثها الحضاري العريق؛ لذا ستكون البداية الحقيقية لتحقيق الطفرة السياحية السعودية، وضع الأماكن الأثرية التاريخية، بل ومقومات الحضارة الحديثة، المتمثلة في العمارة وفنونها الأصيلة في مناطق المملكة المختلفة، إضافة للفعاليات الفنية والثقافية، ضمن أجندة المقاصد السياحية في المملكة على الخريطة العالمية، بل يجب أن تكون هناك برامج دعائية ترويجية لتلك المقاصد، لتحقق السياحة الثقافية أهدافها، والعالم في شوق لمعرفة تلك البلاد وما كانت عليه قديماً، وما أصبحت عليه الآن.. وبلادنا الغالية تستحق ذلك.
إن ما دفعني لتناول هذا الملف، ما وجدته -خلال زياراتي المتعددة لكثير من البلدان– من شغف لدى مواطني تلك الدول لمعرفة ما يحدث في المملكة من تطور وتحديث، وهذا جانب إيجابي، ولكن على الجانب الآخر، كنت أرى أسئلة لدى مواطنين لم يطلعوا أو تتاح لهم الفرصة لمعرفة ما يحدث في المملكة، وكانت لديهم صورة ذهنية ليست جيدة، وعندما بدأت أشرح لهم واقع المملكة، ومستقبلها، ورؤيتها، ومراحل التطور التي تشهدها، فكنت أرى الإعجاب في عيونهم لتجربة المملكة، بل أصر البعض منهم على زيارتها، عنصر إجابة عن التساؤلات التي تدور في خلد السائحين، فالواقع الذي نشهده أكبر من أن نتحدث عنه، فالرؤية عن قرب كفيلة بتغيير صورة ذهنية، واستبدالها بصورة ذهنية أكثر إنصافاً للمملكة.
وما يدعو للفخر، إدراك القيادة الحكيمة لأهمية هذا الملف، وكانت صراحتها محل تقدير، إذ رأت أنه لا بد من وجود عملية تأهيل شاملة، على المستويات كافة؛ لكي تكون المملكة قادرة على الاستفادة من مقومات تراثها الثقافي المتنوع والفريد، فبدأت بإحداث نهضة شاملة مدروسة بعناية فائقة للنهوض بالمواقع التاريخية الأثرية والتراثية، والاهتمام بمفهوم الحضارة العربية، واستعدادها لاستقبال الزائرين من داخل المملكة وخارجها، فقد اختارت المملكة سياسة النهوض بقطاع السياحة الثقافية بتطوير المتاحف والمواقع الأثرية والتراثية، والعمل على تسجيل المواقع والآثار والتراث المادي على قائمة التراث العالمي لليونيسكو، والحفاظ على الصناعات التراثية من الاندثار، والاهتمام بسياحة المهرجانات التي تقام سنوياً والدعاية والترويج لها، حتى أصبحت الفعاليات التراثية في العلا والدرعية التاريخية والأماكن الأخرى من أهم مصادر الجذب السياحي عاماً بعد آخر.
ومن المقاصد التي تتفرد بها المملكة رياضات وسباقات تعكس الهوية السعودية، منها الصقور والإبل والخيل، وتلك ثقافة وتراث فريد يضيف زخماً للسياحة العالمية على أرضها.
أرى أن ما تقوم به الحكومة الواعية بصدق وتنجح فيه، عملية تأهيل المجتمع بشبابه للإسهام بفاعلية في النهوض بالسياحة من خلال التعريف بأهمية التراث الثقافي السعودي، وأهمية الحفاظ عليه باعتباره جزءاً من الهوية الوطنية، وكنزاً ثقافياً يمكن أن يتحول إلى ثروة تضيف للناتج المحلي، ومن عناصر النجاح، ضم التاريخ والتراث والحضارة في المملكة إلى مناهج التعليم بمراحله المختلفة، وسوف تجني المملكة ثمار هذه التجربة، بأن تصبح على أجندة السياحة العالمية، كواحدة من أهم المقاصد السياحية الثقافية الدولية.
مشاركة الخبر: السياحة الثقافية.. علم وهويّة واقتصاد على وسائل التواصل من نيوز فور مي