"ليَكُن نور"... احتفاء بالفنون المسيحية في مصر
الفنون المسيحية في مصر هي محور المعرض الذي استضافه المتحف القومي للحضارة المصرية في القاهرة حتى اليوم، بمناسبة رأس السنة وعيد الميلاد. أقيم المعرض تحت عنوان "ليكن نور"، وضم مجموعة متنوعة من القطع الأثرية التي أنتجت خلال العصر المسيحي المبكر وما بعده.
بعض القطع الأثرية التي ضمها هذا المعرض يراها الجمهور لأول مرة، وبينها عدد من الأيقونات القبطية النادرة التي خضعت لعمليات ترميم دقيقة. معظم الرسوم والقطع المعروضة أُنتجت داخل الأديرة والكنائس خلال القرون الخمسة الأولى من عمر المسيحية في مصر، وصُنع أغلبها في أجواء مشحونة بالقلق وتحت إشراف مباشر من الرهبان، حتى إن بعضها يبدو ارتجالياً.
في هذه الرسوم، تميزت صور القديسين بالهالات المحيطة بالرؤوس أو التيجان وربما الاثنين معاً. لقد حرص الرهبان في ذلك الوقت على تسجيل الأحداث التي عايشوها وتدوين سِيَر القديسين عبر ثلاثة أنواع من الرسومات، أولها الأيقونات، وكانت ترسم على الألواح الخشبية وتعلَّق داخل الخلوة الخاصة بالراهب، ثم تأتي رسوم المنمنمات، وترسم على ورق البردي، ثم رسوم الفريسكو على الحوائط والأسقف. هذا إلى جانب الفنون الأخرى من خزف وحلي وغيرها، التي تضمنت هي الأخرى العديد من العناصر الدالة على العقيدة المسيحية. وسنجد لكل هذه العناصر تمثيلاً بديعاً في هذا المعرض.
تتجاوز الفترة التي غطاها العرض خمسة قرون تقريباً، بداية من القرن الثالث الميلادي وحتى القرن الثامن، وهي فترة زمنية مليئة بالتقلبات والتداخلات الثقافية والحضارية. تتجسد هذه التداخلات الثقافية على نحو واضح في القطع الأثرية المعروضة، من أيقونات وصور ورسومات وقطع حليّ وأجزاء من النسيج والأقمشة وأوراق البردي، وحتى النقوش المحفورة على شواهد القبور. في هذه الأعمال يمكننا تلمس أثر هذه التحولات التاريخية الكبرى التي حدثت في مصر والمنطقة المحيطة بها في هذا الوقت المبكر من الألفية الأولى.
في بداية هذه الفترة التاريخية كانت الديانة المسيحية قد انتشرت في مصر وحلّت مكان العقيدة المصرية القديمة، غير أن المزاج الشعبي ظل محتفظاً بأثر من المعتقدات القديمة وتقاليد الرسم والزخارف على الجدران. يمكننا العثور بين المعروضات التي يضمها المعرض على العديد من العناصر المتعلقة بالمعتقدات المصرية القديمة، التي أعيد توظيفها من جديد في الفنون المسيحية، حتى صارت مكوناً أساسياً من الأدوات والأبنية المرتبطة بالطقوس المسيحية. بين هذه الرموز والعلامات مثلاً تبرز علامة "عنخ"، وهي أحد الأشكال المعروفة في اللغة المصرية القديمة، ويعني مفتاح الحياة، وهو أقرب إلى هيئة الصليب، غير أن طرفه الأعلى يتخذ شكلاً دائرياً. هذا الشكل يمثل أحد رموز الكتابة المصرية القديمة، وكان يستخدم أيضاً كتميمة في يد الملوك والكهنة، كما زينت به أغلب المعابد والمقابر الفرعونية. لقد استمر هذ الرمز في الظهور والتكرار في الرسوم المسيحية الأولى، وظهر كمفردة زخرفية في العديد من أعمال الحلي والأقمشة.
في هذه الفترة المبكرة امتزجت كذلك الرموز والكتابات الرومانية والقبطية بوضوح في العديد من القطع المعروضة، غير أن هذه الكتابات والرموز الرومانية سرعان ما بدأت في التراجع شيئاً فشيئاً، لتحتل مكانها الحروف والكتابات العربية. هذا التحول المفاجئ لا نراه إلا في القطع الأثرية التي تعود إلى نهاية القرن السابع الميلادي وما بعده، فهي المرحلة التي شهدت بداية استقرار الحكم العربي في مصر. م
ع انتشار الكتابة العربية أو فرضها كلغة للتعامل الرسمي داخل الدواوين، هُمشت اللغة القبطية وتراجع مع الوقت عدد المتحدثين بها، حتى تعذر على بعض المسيحيين فهمها، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى هذه المخطوطات والأناجيل ذات اللغة المزدوجة. يمكننا حتى أن نلاحظ العديد من الأخطاء الإملائية في كتابة الكلمات العربية، سواء في تلك المخطوطات أو الكتابات المصاحبة للرسوم والأيقونات، تشي هذه الأخطاء الإملائية بالصعوبات التي واجهها المصريون في إتقان الكتابة العربية في بداية الحكم العربي.
أوضح نائب مدير المتحف، الدكتور ميسرة عبد الله، أن المعرض نُظّم في إطار الحرص على تسليط الضوء على الأعياد والمناسبات التراثية والثقافية الهامة. وهدف المعرض كذلك، كما قال ميسرة، إلى رفع الوعي الأثري والثقافي، وتعريف الجمهور بمختلف فئاته العمرية بأشكال الفن القبطي، تأكيداً لدور الفن في تعزيز روح التسامح بين الشعوب ودعم التقارب بين الثقافات.
مشاركة الخبر: "ليَكُن نور"... احتفاء بالفنون المسيحية في مصر على وسائل التواصل من نيوز فور مي