الانتقام من عمال فلسطين: شكل آخر للتجويع
تعمد الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الأخير على الشعب الفلسطيني منع نحو 200 ألف عامل فلسطيني (من الضفة الغربية وغزة) من العمل في الداخل المحتل بهدف حرمانهم من مصادر رزقهم كإحدى أدوات التجويع. وفي هذا الإطار، رصدت "العربي الجديد" قصصا إنسانية عديدة وشهادات عمال حول الانتهاكات الجسيمة لحقوقهم على أيدي الاحتلال، كما رصدت الآثار الخطيرة التي ترتبت على تفاقم البطالة التي تهدّد بانهيار الاقتصاد الفلسطيني.
وتتفاقم أزمة العمّال الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، التي ظهرت مع بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واستمرت حتى اليوم، وتفاقمت نتيجة انقطاع قرابة 200 ألف عامل عن العمل، وبالتالي توقف مصدر الدخل لهم، إذ يوشك الاقتصاد الفلسطيني أن ينهار نتيجة ارتفاع نسبة البطالة، وسط انتقادات من غياب الحلول الاستراتيجية لدى الحكومة الفلسطينية أو المؤسسات المعنية بقضايا العمال.
تفاقم الالتزامات
لم يستطع العامل الفلسطيني أن يتوجه للعمل في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، منذ 4 أشهر، وبات يلزم منزله في الضفة الغربية، نتيجة إغلاق الاحتلال الحواجز والمعابر، ما أدى إلى خسارة يومية بسبب تعطّل العمال بـ 187 مليون شيكل (الدولار = نحو 3.66 شواكل)، علاوة على تفاقم الالتزامات المالية عليهم لصالح البنوك ومؤسسات الإقراض وقطاع الخدمات مثل البلديات وشركات الاتصالات.
وبعد أن كان دخل العامل في الداخل المحتل، أحمد فؤاد، من طولكرم قرابة 8 آلاف شيكل شهريًا (2285 دولارًا) قبل الحرب على غزة، بات اليوم دخله أقرب للصفر في مواجهة أعباء إيجار منزله وإعالة أسرته المكونة من ثمانية أفراد.
ويقول فؤاد لـ"العربي الجديد": "لم أستطع خلال الأشهر الماضية، أن أدفع إيجار المنزل أو قيمة القرض للمؤسسة التي حذرتني من مقاضاتي في المحكمة، بالإضافة لعدم تمكّني من دفع قيمة الاشتراك بالتأمين الصحي لوزارة الصحة، ما يهدد حياة أطفالي بالخطر حال مرض أحدهم، عدا عن الالتزامات الأخرى المعيشية من غذاء وماء وكهرباء بالكاد نستطيع توفيرها".
تراجع فرص العمل
يوضح فؤاد أن فرص العمل تراجعت منذ بدء الحرب ولم يستطع العمل في أسواق الضفة الغربية، فضلًا عن غياب تام حسب وصفه، لوزارة العمل الفلسطينية عن دعم العمال وتفقد أحوالهم، بالإضافة لعدم قدرة اتحاد نقابات عمال فلسطين على تحقيق أي شيء من مطالب العمال المتمثلة بتوفير تأمين صحي مجّاني خلال هذه الفترة، أو تأجيل دفع التزامات العمّال للبلديات بمخصصات المياه والكهرباء، أو تأجيل دفع الالتزامات لشركات الاتصالات وسداد دفع المستحقات والالتزامات المالية عبر البنوك.
ويتساءل فؤاد عن دور الجهات الرسمية، قائلًا: "أين وزير العمل والسلطة الفلسطينية مما نحن فيه؟ فطوال السنوات الماضية، كنا ملتزمين بدفع ما علينا بشكل مستمر، والآن لا يوجد من يقف معنا أو يقدم المساعدات أو التسهيلات على الأقل، لدرجة أن إصدار تأمين صحي لعاطل عن العمل عبر اتحاد العمال يلزم دفع مبلغ مالي يقدر بـ 50 شيكلا (14 دولارًا)".
ويلفت فؤاد إلى أنه قبل انقطاع العمال عن عملهم، كان الهستدروت الإسرائيلي (الاتحاد العام لعمال إسرائيل) يقتطع شهريًا 50 شيكلا (14 دولارًا) بشكل دوري لصالح اتحاد عمال فلسطين.
ويقول: "لم نرَ شيئًا من هذه الأموال، وبعد انتهاء الحرب وعودة العمل، سنطالب بعدم تحويل أموالنا للمؤسسات الفلسطينية، لا سيما وأننا على مشارف شهر رمضان، وذلك يعني أن عدم عودتنا للعمل أو وجود بدائل وحلول سيؤدي لجوع الناس، أو توجه البعض للعمل في إسرائيل والمخاطرة بحياته التي قد تصل للموت".
لا مساعدات
أما العامل بسام جرادات من الخليل والذي يعمل في مستوطنات جنوب الضفة الغربية، ويعيل أسرة من خمسة أفراد فيؤكد في حديث لـ"العربي الجديد" عدم تلقيه أي مساعدات من وزارة العمل أو اتحاد العمال الفلسطيني، رغم امتلاكه تصريح عملٍ، بمعنى أنه عامل قانوني فلسطينيًا وإسرائيليًا، ومع ذلك حاول التواصل مع مشغّله الإسرائيلي ليحصل على سلفة مالية، إلا أن الأخير رفض بحجّة احتمالية استمرار الحرب لفترة طويلة وانعدام الثقة بينهما، وفق تعبيره.
ويواجه جرادات أزمة مالية بخصم البنوك منه شهريًا قيمة شيكات والتزامات مالية، حيث حاول التواصل مع سلطة النقد لتأجيل قيمة الشيكات ولم يلقَ ردًا، مشيرًا إلى أنه لا مصدر دخل له سوى العمل في إسرائيل، مطالبًا بتوفير برنامج للمساعدات والتسهيلات أو فرص عمل بديلة ولو بشكل مؤقت.
محاولات نقابية للتعويض
في حين، يلقي العمال اللوم على تقصير اتحاد نقابات عمال فلسطين نحوهم، يرد عضو الأمانة العامة في الاتحاد، عبد الهادي أبو طه عبر "العربي الجديد" قائلًا: "نحن جاهزون لأي تحركٍ على الأرض وتنظيم وقفات بخصوص العمال وإنصافهم، وحاولنا التواصل مع مجلس الوزراء وسلطة النقد والبنوك، ومكتب الرئاسة عبر كتب رسمية تتعلق بمطالب العمال، ولكن هناك تلكؤ من الحكومة في الاستجابة لمطالبنا".
ويتابع أبو طه: "نقود حملة دولية مع الاتحاد الدولي لنقابات العمال الذي طالب الحكومة الإسرائيلية بتعويض العمال، فيما تواصلنا مع الاتحاد العمّالي في أميركا وردوا بضرورة وقف إطلاق النار بغزة، وضرورة حصول العامل الفلسطيني على تعويضات، نتيجة خسائر لم يتسبب بها".
وكانت وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية ومنها موقع "أكسيوس" وصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" قد كشفت في مطلع الشهر الماضي، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب من رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، بأن تدفع أبوظبي رواتب البطالة للعمال الفلسطينيين الممنوعين من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، إلا أن الأخير رفض. واعتبر أبو طه أن طلب نتنياهو إقرار بوجود حقٍ للعامل الفلسطيني على المشغل الإسرائيلي.
ويلفت أبو طه إلى أن وزارة العمل طرحت إمكانية سفر عدد من العمال للعمل في دول الخليج نظرًا لوجود شواغر هناك، إلا أنهم اعتبروا أن ذلك تسريح للعامل الفلسطيني من أرض الوطن إلا إذا كان العمل وفق عقدٍ مرتبط بفترة محدودة، والأصل أن يبقى العامل مع وجود بدائل هنا، كما تم التوجه لاتحاد نقابات العمال العرب بضرورة تحمل مسؤولياتها تجاه العامل الفلسطيني.
يلقي العمال اللوم على تقصير اتحاد نقابات عمال فلسطين نحوهم
وحسب المؤشرات الواردة لاتحاد عمال فلسطين، فإن عودة العمّال بشكل مباشر بعد الحرب ممكنة، لكنها غير مضمونة في الفترة الحالية كونها محفوفة بالمخاطر، وأن أي عودة للعمل في الداخل المحتل لن تكون قبل وجود ظروف أمنية ملائمة من ناحية، وضمانات دولية وإسرائيلية من ناحية أخرى تحفظ سلامة العامل من أي اعتداء إسرائيلي متطرف.
ارتفاع نسبة الفقر والبطالة
يرى عضو الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين، ثابت أبو الروس، في حديث مع "العربي الجديد" أن خطورة تعطّل العمال لا تكمن فقط في ارتفاع نسبة البطالة من 24.7 بالمئة إلى ما لا يقل عن 38 بالمئة، بل بارتفاع نسبة الفقر التي ستحول دخل المواطن الفلسطيني من المتوسط إلى المنخفض، وبالتالي تراجع قوة التجارة الفلسطينية التي يشكّل فيها العمّال الفلسطينيون في الداخل قرابة 40 بالمئة من حجم العمالة الفلسطينية.
وتبلغ خسارة السوق الفلسطيني ما لا يقل عن 1.2 مليار شيكل شهريًا نتيجة تعطل العامل الفلسطيني، وفق أبو الروس، الذي أشار إلى أن جزءًا كبيرًا من هذه المبالغ كانت عبارة عن قروض وشيكات للبنوك التي يجب على سلطة النقد أن تصدر قرارات جديدة من شأنها أن تخفف الالتزامات على العامل.
ويصف أبو الروس الاقتصاد الفلسطيني بأنه أصيب بحالة شلل كامل، نظرًا لتعطل مصادر الإيراد الأساسية للسلطة الفلسطينية، وهي أموال المقاصة المحتجزة إسرائيليًا وتشكّل 65 بالمئة من نسبة الإيرادات، بالإضافة للضرائب التي انخفضت بتراجع دخل السوق الفلسطينية، وتوقف العمالة في إسرائيل، وانخفاض المنح الدولية إلى ما نسبته واحد بالمئة عمّا كان في السابق.
مشاركة الخبر: الانتقام من عمال فلسطين: شكل آخر للتجويع على وسائل التواصل من نيوز فور مي