خطّة نتنياهو ومفاوضات التهدئة
تُسابق المساعي الدبلوماسية الوقت للوصول إلى هدنة من العدوان على قطاع غزّة قبل حلول شهر رمضان المرتقب بداية الأسبوع المقبل. لكن لا شيء مضموناً في هذا السياق، رغم الضغط الأميركي على إسرائيل للقبول بالهدنة وتبادل بعض الأسرى والمحتجزين، في ظل رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مواصلة الحرب، وعدم تقديم أي تنازلٍ في ما يتعلق بانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي تسيطر عليها في قطاع غزّة، وهو الطلب الذي تصر عليه حركة حماس.
جولة جديدة من المفاوضات تنطلق اليوم في القاهرة بحضور كل الأطراف، في مقدّمتهم "حماس" التي ستسلّم ردّها على إطار "باريس 2". قدر من التفاؤل الحذر يرافق هذه الجولة، بانتظار التعاطي الإسرائيلي مع ردّ "حماس"، ومدى قدرة بعض أعضاء مجلس الحرب على الضغط على نتنياهو للقبول بالهدنة المؤقّتة، والتعاطي بإيجابية مع الرغبات الأميركية.
من الواضح أن حسابات نتنياهو مخالفة للضغط الأميركي، فرئيس الوزراء الإسرائيلي لا يرى مجالاً للنجاة من المحاسبة على الإخفاق الأمني في 7 أكتوبر، إلا بمواصلة الحرب وتحقيق الأهداف التي وضعها، وهي القضاء على سيطرة "حماس" في قطاع غزّة. والخطّة التي قدّمها الأسبوع الماضي تشير إلى أن الرجل ماض في تحدّي الولايات المتحدة في كل طلباتها الخاصة بـ"اليوم التالي" لقطاع غزّة، ففي حين أن واشنطن ترفض إعادة احتلال القطاع، فإن نتنياهو في خطته يؤكّد أن إسرائيل "ستحافظ على حرية العمل في قطاع غزّة بأكمله من دون حد زمني وستقيم منطقة أمنية في المنطقة المتاخمة لإسرائيل داخل قطاع غزّة ما دامت هناك حاجة أمنية لذلك". ما يعني عملياً عودة الاحتلال إلى القطاع أو تحويله إلى ما يشبه المناطق "أ" و"ب" في الضفة الغربية، حيث تحظى قوات الاحتلال بحرية الحركة داخلهما.
إضافة إلى ذلك، لا تذكر خطّة نتنياهو، وعلى عكس الرغبة الأميركية، أي دور للسلطة الفلسطينية في قطاع غزّة في مرحلة ما بعد الحرب، بل ستقع إدارة القطاع، بحسب ما أورد الإعلام العبري نقلاً عن ورقة نتنياهو، "على عاتق عناصر محلية ذوي خبرة إدارية غير مرتبطة بالدول أو الجهات التي تدعم الإرهاب ولن تتلقّى أموالاً منها". ويزيد نتنياهو على ذلك في خطّته، برفض إعادة الإعمار قبل ما سمّاه "اجتثاث التطرّف"، وهو بندٌ أيضاً في الورقة يتضمّن تغييراتٍ في المؤسّسات الدينية التعليمية والرعاية الاجتماعية في قطاع غزّة. ولا ينسى نتنياهو في وقته، رفض قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وفق ما خطّطت له أميركا وبريطانيا، ويربط ذلك بماراثون تفاوضي لا ينتهي.
ورغم الإجماع على عدم قابلية هذه الخطّة للتطبيق، إضافة إلى رفضها من غالبية الدول التي يريد نتنياهو مساعدتها في تنفيذها، وتحديداً في مسألة "اجتثاث التطرّف"، لم يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي تراجعه عنها. ولا شك أن الخطّة ستُلقي بظلالها على مفاوضات التهدئة المرتقبة، إذ إنها تعطي صورةً عن ذهنية تعاطي نتنياهو مع الوضع في قطاع غزّة، وإن عدوانه مستمرُّ حتى النهاية، على عكس ما تهدف إليه المفاوضات. فالحديث خلال الأسابيع الماضية، والذي سيستأنف اليوم، كان عن هدن متتالية تُفضي، في النهاية، إلى وقف مستدام لإطلاق النار، وهو ما يبدو غير ممكن.
رغم ذلك، تبقى الآمال معقودة على الضغوط والتسويات التي يمكن أن تنجح في إبرام هدنة، يقضي فيها الغزّيون شهر رمضان من دون الغرق في دوامة القتل الإسرائيلية، وتلقّي كمّيات من المساعدات عن طريق البرّ، وليس الجو، تكفيهم من المجاعة التي باتوا يعيشون فيها، والتي بدأت تحصد أرواح الأطفال والمسنّين.
مشاركة الخبر: خطّة نتنياهو ومفاوضات التهدئة على وسائل التواصل من نيوز فور مي