إسرائيل تسرق غاز غزة... وملاحقات تطاول "إيني" ومسؤولين إيطاليين
لم تمض سوى ثلاثة أسابيع على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حتى تحركت سلطات الاحتلال سريعاً لفرض أمر واقع على ثروات الغاز الضخمة قبالة سواحل القطاع، التي لطالما عطل الاحتلال مساعي الفلسطينيين على مدار نحو ربع قرن لاستغلالها، لإبقائهم رهينة العوز وفتات المساعدات.
وتسلل مسؤولو وزارة الطاقة في حكومة الاحتلال لإبرام صفقة مع شركات غربية منها "إيني" الإيطالية، و"دانا بتروليوم" البريطانية، و"ريشيو إنرجيز" الإسرائيلية، يجري بمقتضاها منح تراخيص للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل غزة، وفق ما أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو ما دفع جهات قانونية دولية ومنظمات حقوقية إلى التحرك لفضح الاحتلال والشركات الغربية التي جرى منح تراخيص لها.
وفي إيطاليا يتزايد الضغط منذ بضعة أسابيع على مسؤولين حكوميين وشركة "إيني" للعدول عن الاشتراك في نهب الغاز الفلسطيني، إذ شهد مجلس النواب تقدم الكتلة البرلمانية لحركة "خمس نجوم" المعارضة بطلب للحكومة من أجل تنفيذ مبادرات عاجلة من أجل وقف أنشطة "إيني" المرتبطة باستغلال حقل الغاز الواقع قبالة سواحل غزة، احتراماً لمبادئ القانون الدولي ومعاهدة الأمم المتحدة حول قانون البحار الموقّعة عام 1982.
في إيطاليا يتزايد الضغط منذ بضعة أسابيع على مسؤولين حكوميين وشركة "إيني" للعدول عن الاشتراك في نهب الغاز الفلسطيني
وقدم أنجلو بونيللي عضو مجلس النواب عن "تحالف الخضر ـ اليسار" والمتحدث الرسمي لحزب "أوروبا الخضراء" طلب إحاطة لوزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي أنطونيو تاياني، طالبه فيه بـ "توضيح موقف الحكومة الإيطالية حول هذه المسألة، والتعبير عن الموقف الرسمي لإيطاليا حول مشروعية أنشطة الاستكشاف التي تنفذها إيني في المنطقة "G" التي يقع فيها ما يُعرف بحقل "مارين" الواقع في نطاق المياه الإقليمية لدولة فلسطين، متسائلاً وفق ما نقلت وكالة "أكي" الإيطالية منتصف فبراير/ شباط الماضي عن "التدابير الدبلوماسية والقانونية التي تنوي الحكومة الإيطالية اتخاذها من أجل ضمان احترام القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني في استغلال موارده الطبيعية".
العمل مع إسرائيل وفق قواعد السوق
رد الوزير بأن إيني تعمل في جميع أنحاء البحر المتوسط، كما أنها مدرجة في البورصة الإيطالية ومن ثم تعمل وفق قواعد السوق، مضيفاً أن "الحل الأفضل (للنزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين) هو طريق الوساطة والحوار والبحث عن تسوية عبر التفاوض، شيء ما شبيه بالاتفاق المبرم بين لبنان وإسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2022 حول ترسيم حدودهما البحرية".
وتعقيباً على رد الوزير، قال بونيللي: " لقد تلقينا رداً تملُّصياً" من وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، بينما "من غير المقبول أن تشارك شركة (إيني) المملوكة للدولة الإيطالية بنسبة 32% في عمليات تنتهك القانون الدولي وتؤجج الظلم ضد الشعب الفلسطيني".
وأضاف بونيللي أنه "وفقاً للمادة 55 من اتفاقية لاهاي، لا يجوز لدولة إسرائيل استخدام هذه الموارد لتحقيق مكاسب اقتصادية، بل يجب تركها لمصلحة الدولة المحتلة"، مؤكدا أن "الحكومة الإيطالية تتخلى بهذا الأمر عن الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في بحر غزة، وهو الشعب الذي، بالإضافة إلى الدمار الذي خلفه القصف، لا يمكن أن يعاني الاعتداء على موارده الطبيعية"، وتابع أن "حكومة (رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا) ميلوني قالت إنها لا تستطيع أن تفعل أي شيء، في حين كان ينبغي لها أن تقول لا لشركة إيني".
تزامن الضغط البرلماني الإيطالي، مع توجيه مكتب المحاماة الأميركي "فولي هوغ" بالنيابة عن منظمات حقوقية فلسطينية إخطاراً إلى "إيني" وشركات طاقة عالمية وإسرائيلية أخرى، ينذرها بعدم المضي قدماً في أنشطة التنقيب في مياه غزة وفق أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 التي وقّعت عليها فلسطين سنة 2019.
تحتضن سواحل قطاع غزة ثروة غازية تقدر بمليارات الدولارات، وتزخر ما تُعرف بحقول "غزة مارين" الأول والثاني بهذه الثروات
تحتضن سواحل قطاع غزة ثروة غازية تقدر بمليارات الدولارات، وتزخر ما تُعرف بحقول "غزة مارين" الأول والثاني بهذه الثروات، في حين يمنع الاحتلال الإسرائيلي عن الفلسطينيين استغلالها، عبر وضع عراقيل كثيرة منذ اكتشاف تلك الحقول قبل ما يقرب من ربع قرن، فيما تسعى منذ سنوات لنهب تلك الثروة واستغلالها لمصلحتها.
وربط محللون بين انحياز الدول الغربية إلى إسرائيل في عدوانها على غزة، وبين استفادة شركاتها من الغاز الجاري العمل على نهبه. وكانت السلطة الفلسطينية قد منحت في عام 1999 شركة "بريتيش غاز"، إذناً بالتنقيب عن الغاز الطبيعي في سواحل قطاع غزة. بعدها بعام، أعلنت الشركة البريطانية أنها عثرت على حقلين غنيين بالغاز الطبيعي، على بعد نحو 36 كيلومتراً من شواطئ القطاع.
قتل وسطو على الموارد الطبيعية
وقال ماركو لونغوباردو وفيديريكا فيولي، أستاذا القانون الدولي الإنساني وقانون الاتحاد الأوروبي في جامعة ميسّينا الإيطالية إن "رد وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني على طلب الإحاطة البرلماني بشأن اتفاق إيني مع إسرائيل، كان يدعو إلى توخي الحذر، وهو لم يكن متضارباً فقط، وإنما جانبه الصواب من وجهة النظر القانونية".
وأضاف الأكاديميان الإيطاليان، في تحليل نشرته صحيفة "دوماني" الإيطالية في 28 فبراير/شباط تحت عنوان "تراخيص الاستكشاف في مياه غزة التي منحتها إسرائيل لـ إيني غير قانونية"، أنه "بصرف النظر عن عدم اعتراف إيطاليا بالدولة الفلسطينية، فإن فلسطين طرف من معاهدة الأمم المتحدة حول قانون البحار منذ عام 2015، وقد أعلنت في عام 2019، وفقاً للمعاهدة، نيتها إقامة منطقة اقتصادية خالصة متضمنة أجزاء واسعة من المنطقة G، حتى وإن كانت هذه المنطقة تخضع للسيطرة الإسرائيلية، فإن 62% من مساحتها من حق فلسطين، وعليه لا تملك إسرائيل أي سلطة لمنح تراخيص استكشاف جديدة فيها".
ولفتا إلى أن "الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يرجع على الأقل إلى عام 1947 وها هو اليوم على عتبة محكمة العدل الدولية التي تنظر في طلبين مختلفين: الأول الشكوى المقدمة من جنوب أفريقيا ضد الاعتداءات الوحشية الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والثاني الطلب المقدم من الجمعية العامة للأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى المحكمة كي تدلي برأيها حول مشروعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، أيضاً على ضوء مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها".
أضاف أكاديميان إيطاليان، في تحليل نشرته "دوماني" الإيطالية في 28 فبراير/شباط أن تراخيص الاستكشاف في مياه غزة التي منحتها إسرائيل لإيني غير قانونية"
وأوضحا أنه "ما دام القانون الدولي يلزم جميع الدول بعدم انتهاك قواعده الأساسية، ومنها عدم الاعتراف بأي وضعية غير قانونية على الأرض، وأن تتعاون من أجل وضع حد لانتهاك مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، فإنّ هذا ما يجب على إيطاليا فعله، وذلك للحيلولة دون قيام إسرائيل بمنح تراخيص الاستكشاف في المنطقة الاقتصادية الخالصة وفقاً للقانون الإسرائيلي، وهو ما يحدث حالياً".
وأضافا: "ليس على سبيل المصادفة أن الفريق القانوني الفلسطيني ذكر، في مداخلته أمام محكمة العدل الدولية في 19 فبراير/شباط الماضي، منح تراخيص استغلال الموارد الطبيعية في المياه الإقليمية الفلسطينية باعتباره أحد جوانب انتهاك مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها الذي يتعين على المحكمة النظر فيه".
وشددا على أنه "يتعين على الحكومة الإيطالية وفقاً للقانون الدولي، في نهاية المطاف، الابتعاد عن التصرفات التي من شأنها المساس بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والذي يتضمن أن تكون له سلطة مطلقة في منح تراخيص الاستكشاف في المنطقة الاقتصادية الخالصة الفلسطينية، في حين أن محاولة إسرائيل منح تراخيص على هذه المنطقة انتهاك للقانون الدولي، وجيدٌ أن تنأى إيطاليا بنفسها عن هذا الأمر".
من جهته قال فيليبَو تالييري، الباحث في منظمة "ري كومون" الحقوقية الإيطالية في تصريحات لموقع "لايفغيت" الإيطالي في 20 فبراير/شباط إن "عملية عزل فلسطين عن مصادر الطاقة، كانت على الدوام هي الاستراتيجية التي تنتهجها إسرائيل كما يتضح من الحقلين الصغيرين في المياه الإقليمية الفلسطينية، مارين 1 ومارين 2".
نهج استعماري يقوم على النهب
وفي سياق متصل، ذكرت مؤسسة "إمباور إل إل سي"، للاستشارات والتحليلات الاستراتيجية ومقرها المكسيك، في منشور على حسابها على منصة "لينكد إن" في الأول من مارس/آذار الجاري أن "إسرائيل تسعى منذ عقود إلى الهيمنة على المياه الإقليمية الفلسطينية، ومن الممكن أن تكون حرب غزة قد استُغلت من إيني وشركات أخرى لاستغلال حقول غزة البحرية".
ورأت أن "الطلب المتنامي على الغاز الطبيعي في أوروبا والحرب في أوكرانيا وغزة من شأنه زيادة الاهتمام بالاستثمارات في منطقة البحر المتوسط. وما هي إلا مسألة وقت حتى تستغل إيني، أو شركة أخرى، الصراعات الحالية من أجل الهيمنة على حقل غزة البحري، على الرغم من الاتهامات الموجهة إليها بانتهاك القانون الدولي".
إسرائيل تسعى منذ عقود إلى الهيمنة على المياه الإقليمية الفلسطينية، ومن الممكن أن تكون حرب غزة قد استُغلت من إيني وشركات أخرى لاستغلال حقول غزة البحرية
بدوره تساءل الكاتب الصحافي الإيطالي المعروف ألبرتو نيغري مستنكراً: "كيف أمكن حدوث مثل هذه الواقعة المثيرة التي وصلت إلى البرلمان من خلال طلب إحاطة تقدم به تحالف الخضر واليسار، والتي تتداخل فيها أيضاً الحكومة الإيطالية بوصفها الشريك الأكبر في أسهم إيني؟".
وأضاف نيغري، في مقال نشرته صحيفة "إل مانيفيستو" الإيطالية في 11 فبراير/ شباط الماضي تحت عنوان "الصمت المتواطئ لحكومة ميلوني حول إيني في غزة" أن "إسرائيل ليست لديها أي نيّات لمراعاة القانون الدولي والاعتراف بوجود دولة للفلسطينيين، هذا ما نشهده حالياً وما شهدناه في العقود الأخيرة. نحن بصدد دولة احتلال سارت دائماً على نهج استعماري يقوم على النهب".
وقال: "ها هي إسرائيل تعلن الآن اتفاقها مع إيني وشركات أخرى لاستغلال الغاز الطبيعي لغزة، رغم أنف مكافحة الحكومة الإيطالية للرأسمالية المفترسة".
مشاركة الخبر: إسرائيل تسرق غاز غزة... وملاحقات تطاول "إيني" ومسؤولين إيطاليين على وسائل التواصل من نيوز فور مي