طلاق على ورق... احتيال على نظام الرفاه الاجتماعي في السويد
يحتال أزواج على نظام الرفاه الاجتماعي السويدي، إذ يحصلون بشكل غير مستحق على مساعدات مالية بلغت خلال عامين أكثر من 18 مليون دولار أميركي بعد إتمام أوراق الطلاق أمام جهات حكومية بينما يستمرون في العيش معاً.
- اتفقت الخمسينية الإريترية ميمونة مع زوجها على الطلاق أمام المحكمة من أجل نيل مساعدات حكومية تحسن من وضع العائلة المقيمة في السويد مادياً.
ووصلت ميمونة مع أسرتها إلى البلاد بعد رحلة طويلة عبر البحر في عام 2010، ومن وقتها يعمل زوجها في توصيل الطلبات. وعلى الرغم من حصولها على الإقامة الدائمة، لم تتمكن مثل العديدات من المهاجرات صديقاتها من الانخراط في سوق العمل أو الاندماج مجتمعياً عبر تعلم اللغة.
تقول ميمونة التي طلبت الاكتفاء بذكر اسمها الأول تجنباً للمساءلة القانونية، إنّ ارتفاع تكلفة المعيشة جعلها تفكر دائماً في آلية لتأمين احتياجات أسرتها التي لم تحقق أحلامها في الحياة التي كانوا يتوقعونها في السويد، وبالتالي كان سهلا إقناع زوجها بـ"الانفصال الصوري"، حتى تحصل على مساعدة تشمل بدلاً للإيجار وتكاليف النقل ونفقات الأطفال وتصل إلى 170 ألف كرونة (16.441 ألف دولار أميركي) سنوياً في حدها الأدنى، مدللة على نجاح الخطوة بأنّ مهاجرين من معارفهم لجأوا إلى نفس الأمر حتى يتخلصوا من مشاكلهم المادية، ومن بينهم 8 حالات من جيرانها. على حد قولها، "فإنّها لم ترتكب وزوجها مخالفة لأن انفصالهما رسمي فقط أمام السجل المدني في مصلحة الضرائب بالسويد لكن ما زال يربطهما عقد شرعي (ديني)".
غير أنّ الشيخ سعيد عزام رئيس مجلس الإفتاء السويدي (هيئة مستقلة) يؤكد أنّ الزوجين في حال تطلقا أمام المحكمة السويدية وسجلا ذلك في سجلات مصلحة الضرائب، فإنّ الطلاق يقع شرعاً، وهو ما تؤكده فتوى مجلس الإفتاء الأوروبي (مستقلةٌ تتكون من مجموعة من العلماء مقرها أيرلندا)، قائلاً: "إن عادا إلى بعضهما تحايلاً من أجل نيل مال ليس من حقهما فهذا محرم أيضاً".
كيف يقع الاحتيال؟
تعرف المحامية إيما موغرن والتي تعمل في مكتب ديفينيوس للخدمات القانونية في مدينة كريستيانستاد جنوب السويد، الطلاق الصوري بأنه "سلوك احتيالي لزوجين يختاران إجراءات الانفصال رسمياً أمام الدولة (على الورق)، ولكنهما يستمران في العيش معا، بهدف تحقيق مصالح غير قانونية تتمثل في الحصول على مساعدات لا يستحقانها مخصصة للمطلقين/ات ممن لا مصدر دخل لهم، وتشمل كل المقيمين على أرض السويد من حملة الإقامة الدائمة أو حاملي الجنسية، وطالما هي مساعدات فإنها غير قابلة للاسترداد".
وتُفسر السكرتيرة الصحافية في وكالة التأمينات الاجتماعية Försäkringskassan (حكومية مسؤولة عن المنح والبدالات للأسر) أنجليكا فالغرين لـ"العربي الجديد"، كيف تجرى عملية الانفصال الصوري بقولها إنّ "الزوجين يتفقان على الانفصال على الورق ويغيران عنوان إقامتهما ليتبين لدى الجهات الحكومية أنّ كلّاً منهما يعيش في مكان مختلف، بينما فعلياً يعيشان معاً". كما يقع سيناريو آخر حين يغير الرجل مكان إقامته ليظهر وكأنه انتقل للإقامة في إحدى الدول الإسكندنافية الأخرى لكنّه يعود للعيش فعلياً مع زوجته وأطفاله في السويد، بخاصة أنّ المواطن لديه ميزة الانتقال بين هذه الدول بحُرية، وفي المقابل، تستمر المرأة بتلقي المساعدات باعتبارها مقيمة بمفردها.
وتبين تجارب 11 حالة وثقها معدّ التحقيق، أنّ الالتفاف على القانون للحصول على المساعدات يقع بعدة صور منها إخفاء رجوع الزوجين المطلقين لبعضهما بعد وقوع الطلاق فعلاً، وهو ما خطط له الأربعيني السوري حسن (طلب الاكتفاء باسمه الأول تجنباً للمساءلة القانونية) وزوجته، اللذان قررا الطلاق بعد وصولهما إلى السويد.
وبحسب حسن فإنّ "التحول الذي طرأ على أسرتي والاختلافات الثقافية في البلد الجديد، فضلاً عن الظروف الاقتصادية السيئة التي كانت الأسرة تعاني منها، كلها عوامل أدت إلى توتر علاقتي بزوجتي، وحدوث الانفصال". ويقول لـ"العربي الجديد": "بدأنا بالفعل الإجراءات أمام مصلحة الضرائب، وبسبب وجود الأطفال مُنحنا ستة أشهر للتفكير في قرارنا بإشراف أخصائية اجتماعية، كانت مهمتها الأساسية تقريب وجهات النظر بيننا، لكنّ إصرار زوجتي على الطلاق، عجل في الإجراءات، وتم ذلك في نهاية عام 2019".
عقب ذلك، انتقل حسن للعيش بمفرده، وحينئذ، بدأت الضغوط من قبل العائلة في سورية للتراجع عن القرار، ونجحت تدخلاتهم بإقناع الطرفين "لكن في تلك الفترة كانت المساعدات التي تحصل عليها الزوجة مغرية، فضلاً عن بدل السكن، ومخصصات للأطفال، ودعم إضافي للدخول إلى سوق العمل، وتصل في مجملها إلى 18 ألف كرونة شهرياً (1740 دولاراً)" كما يروي حسن. ويضيف أنهما أمام هذا الواقع، عادا إلى بعضهما دون إبلاغ السجل المدني بمصلحة الضرائب، "ومع إدراكنا الكامل للمخاطر العالية لقرار كهذا، نُفكر الآن في مخرج قانوني للقصة، لأنني لا أستطيع تحمل العيش في دائرة القلق" على حدّ تعبيره.
6790 حالة انفصال وهمي
تكشف نتائج التحقيقات التي أجرتها وكالة التأمينات الاجتماعية وحصل عليها "العربي الجديد" استناداً إلى قانون الحصول على المعلومات، أن الوكالة حققت في 6790 حالة انفصال وهمي بين عامي 2020 و2022، وأحالت 1082 قضية إلى جهاز الشرطة السويدية، وتبين نتائج التحقيقات التي كشفت احتيال الأزواج أنهم تمكنوا من الحصول على مساعدات بلغت في مجملها 192.926 مليون كرونة (18 مليوناً و743 ألف دولار أميركي) من أموال دافعي الضرائب.
ويعد الطلاق الصوري واحداً من بين الجرائم التي تهدف السلطات إلى مكافحتها عبر تبادل المعلومات بين الجهات الحكومية المختلفة خاصة في المناطق المعرضة لمخاطر اقتصادية واجتماعية لوقوع العديد من الجرائم فيها وكونها بؤرة لشبكات إجرامية في مدينة سودرتاليا، بحسب ما جاء في تحقيق أجراه قسم الأمن في بلدية سودرتاليا جنوب العاصمة، بالتعاون مع قسم الاحتيال التابع لشرطة ستوكهولم ووكالة التأمين الاجتماعي ووكالة التوظيف والسجل المدني في مصلحة الضرائب والنيابة العامة، ويحمل عنوان تعزيز التعاون بين السلطات لمكافحة الجريمة المنظمة، وصدر في 5 أكتوبر/تشرين الأول عام 2022.
6790 انفصالاً وهمياً ما بين عامي 2020 و2022
ومن بين الحالات التي يوثقها التحقيق قصة زوجين سوريين حصلا على الجنسية السويدية، وتظاهرا بانفصالهما بهدف الحصول على مساعدات، ووفقا للمحضر فالزوجين وبعد الإنفاق على مستلزمات حياتهما، يتمكنان من توفير 34 ألف كرونة (3262 دولاراً أميركياً) شهرياً بفضل المساعدات التي حصلت عليها المرأة، بناء على البيانات الجديدة التي تظهر أنها عزباء وتعيل طفلين وتعيش في شقة من 4 غرف نوم، بينما حصل الرجل على عقد إيجار شقة ثانية بعد الطلاق مقابل 7500 كرونة (719 دولاراً)، وفعلياً، عاد للسكن مع أسرته. وبشكل مخالف للقانون أجّر شقته المستأجرة لأربعة أشخاص يدفع كل منهم 5000 كرونة (480 دولاراً). أما زوجته، وبشكل مخالف للقانون أيضاً أجّرت موقف السيارة الخاص بشقتها مقابل 500 كرونة (48 دولاراً) شهرياً.
وكانت الحالة السابقة، واحدة من بين 13 طلاقاً صورياً أحيل إلى الشرطة مطلع عام 2019، بحسب ما جاء على لسان مديرة قسم الأمن في البلدية، آنا فلينك، التي قادت التحقيق السابق، قائلة خلال مقابلتها التي أدرجت بالتقرير إن فريق التحقيق اكتشف أيضاً 60 حالة جديدة جاهزة للإحالة إلى الشرطة.
عواقب القرار
تعيش ميمونة في قلق مستمر على حد تعبيرها منذ اتخاذ خطوة الطلاق الوهمي، قائلة: "لم أدرك العواقب، سواء على المستوى النفسي للأطفال وعلاقاتهم في المدرسة أو على مستوى الشؤون التنظيمية المرتبطة بهم، ومراجعة المركز الصحي، وحضور اجتماعات الآباء في المدارس، فضلاً عن القلق المستمر من تدخل دائرة الخدمات الاجتماعية (السوسيال) في حال عرفت بالأمر. لكنّ معرفتنا أننا لسنا الوحيدين وأن هذا السلوك مُنتشر ساعدنا في تجاوز مخاوف الأمر واتخذنا القرار".
وينتشر هذا السلوك بشكل أكبر بين المقيمين من أصل غير سويدي، إذ لا يلجأ السويديون إلى الزواج، بل يعيشون في إطار علاقات مُساكنة لا تترتب عليها أعباء الزواج القانوني، على عكس المهاجرين أو اللاجئين الذين يسجلون الزواج حتى يتمكنوا من إتمام معاملات لمّ شمل العائلات على سبيل المثال، وهؤلاء ميالون أكثر للجوء إلى الطلاق الصوري لتحسين ظروفهم عبر المساعدات أيضاً، بحسب ما ترصده المحامية موغرن.
عزام: طلاق الزوجين أمام المحكمة هو طلاق ديني أيضاً
لكنّ الانعكاسات غير المتوقعة على الأسرة تعد شديدة الخطورة وفقاً لتوضيح المرشد النفسي والمقوّم السلوكي محمد شما، ففي حال اطلاع الأطفال على الإجراءات غير القانونية التي اتخذها الوالدان وإدراكهم لأساليب التحايل، فإنّ ذلك بمثابة تمهيد وإن بشكل غير مباشر لتنشئة الأطفال على قبول هذا النوع من السلوكيات، وقد يشكل مبرراً وحافزاً لديهم لسلوك الطرق التحايلية مع مراعاة اختلاف بعض الطبائع الفردية.
ويرى شمّا الذي يعمل مستشاراً في مشاريع حكومية ولديه مكتبه الخاص، أنّ انعكاسات هذه السلوكيات على أفراد الأسرة يعتمد على مدى اندماج وقبول كل أسرة للمجتمع السويدي وقيمه الجديدة، مثلاً، إن كان التقبل كبيرا والذوبان كليا بالمجتمع فإن هذا النوع من السلوكيات لن يشكل عند هذه الأسر خطبا جللا، لأنّ التغير في الثوابت يصبح لديها أمراً اعتيادياً، أما الأسر التي عاشت في قوقعة معزولة ومجتمع مواز للمجتمع السويدي، فإنّ لجوءها إلى هذا السلوك غير القانوني يصنف كوسيلة دفاع ضد هذا المجتمع الغريب، لكنّه سيمهد مستقبلاً لانزلاق الأطفال إلى تصرفات غير قانونية وحتى غير أخلاقية.
كيف يكتشف المحققون حالات الزواج الصوري؟
يكشف تقرير التعاون بين السلطات لمكافحة الجريمة المنظمة PAX، عن الأساليب المتبعة من قبل المحققين في كشف عملية الاحتيال، والتي تتمثل في رصد بيانات الحسابات المختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي لمقدم طلب الحصول على مساعدات بعد الطلاق. وفي بعض الحالات كشفت حسابات من يدعون الطلاق، أن حياة الزوجين مستمرة كالمعتاد معاً، لأنهما لم يتنبها إلى مسألة تغيير بياناتهما على صفحاتهما عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الحرص على إخفاء جوانب حياتهما الزوجية ما يؤدي إلى كشف تحايلهما.
ويرى الأزواج ممن ادعوا الانفصال، أن الغش من أجل الحصول على مساعدات أو زيادة مقدار المساعدات الممنوحة لهم هو جزء من السلوكيات الاعتيادية، لدرجة أنهم منفتحون في الحديث عن ذلك لمن حولهم، وأمام الآخرين، وهذا في بعض الأحيان يقود إلى اكتشاف أمرهم أيضا بحسب التحقيق.
وترى موغرن أن أحد الجوانب المهمة في مواجهة هذا الشكل من الاحتيال هو تدريب المسؤولين الذين يعملون في الدوائر الحكومية المسؤولة عن اتخاذ القرارات المتعلقة بدفع التعويضات والمساعدات ليصبحوا على دراية بالمشكلة ومعرفة كيف ومتى يمكنهم التصرف، كما ترى أنه من المهم أيضا أن تتعاون البلديات والسلطات لتسهيل اكتشاف هذا النوع من الجرائم عبر تبادل بيانات الأشخاص.
وتشير إلى أن البرلمان السويدي وافق على مقترح قدمته الحكومة عام 2022 لإقرار قانون يسمح لمصلحة الضرائب السويدية بالوصول للبيانات الشخصية من أجل تحليلها بهدف منع التحايل على نظام الرعاية الاجتماعية، من خلال اكتشاف المعلومات غير الصحيحة استنادا إلى السجل المدني للسكان، بحسب ما جاء في نص مشروع القانون (2022/23:SkU8) Skatteutskottets betänkande، المنشور على موقع بيانات البرلمان السويدي.
ويصنف التقرير السابق الطلاق الصوري بأنه من بين صور الجريمة المنظمة، لذلك فإن أبرز الإجراءات التي تتخذها الشرطة ضد المحتالين تتمثل في مصادرة الأموال وتفعيل مسار المقاضاة السريعة. أما البلدية، فتُعنى بإيقاف عقود الإيجار المخالفة للقانون.
عقوبة المحتالين
ينص القسم الثاني من قانون جرائم المساهمة السويدي رقم 2007:612 على أن "يعاقب كل شخص قدم معلومات كاذبة أو تخلف عن الإخطار بتغيير ظروفه المالية ما تسبب في استفادته بدعم مالي لا يستحقه بالحبس من 6 أشهر لسنتين إذا كان الجرم طفيفا، بينما يعاقب القسم الثالث من القانون المحتالَ بالسجن من 6 أشهر إلى 6 سنوات في حال قدّم أوراقا مزيفة أو حصل دون وجه حق على مبالغ كبيرة أو كانت عملية احتياله هذه جزءًا من جريمة ممنهجة".
وبالإضافة إلى ما سبق، توضح المحامية موغرن، أن السلطات تتعاطى مع كل حالة بشكل منفرد، فإذا كان المحتال قد أقدم على جريمته للحصول على مساعدات دعم الإيجار بغير حق، فهنا يطبق قانون إعانة الإسكان، وإذا كانت القضية تتعلق بالمساعدات المالية المقدمة من مصلحة الخدمات الاجتماعية فتنظم وفقًا لقانون الخدمات الاجتماعية، وتراوح العقوبات في هذه الحالات بين إلغاء تصريح الإقامة أو سداد المحتال جميع المبالغ التي حصل عليها دون استحقاق.
مشاركة الخبر: طلاق على ورق... احتيال على نظام الرفاه الاجتماعي في السويد على وسائل التواصل من نيوز فور مي