القرار 2728 مع وقف التنفيذ
بعد عشرات المحاولات الخاصة بإصدار قرار منه لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، نجح مجلس الأمن، بغضّ طرف أميركي، في إصدار قرار لـ"هدنة" خلال ما تبقى من شهر رمضان، أخذ الرقم 2728، ويحمل في طياته موقفاً سياسياً أميركياً في مواجهة إسرائيل، من دون أن يعني ذلك أنه سيكون قابلاً للتطبيق، خصوصاً بعدما فرّغته واشنطن من مضمونه، معتبرة أنه "غير ملزم".
بهذا ينضم هذا القرار إلى مجموعة كبيرة من القرارات التي أصدرها مجلس الأمن، وركنت في أدراج المنظمّة الأممية، من دون أن يراجع فيها أحد، وغالبيّتها مرتبطة بإسرائيل وقيامها وتوسّعها بالاحتلال منذ عام 1947. يمكن البدء بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 181، والذي جاء قبل النكبة عام 1948، والمرتبط بتقسيم فلسطين بين اليهود والفلسطينيين، يليه قرار الجمعية العامة أيضا 194، والذي طالب بعودة اللاجئين الفلسطينيين الذين شرّدتهم العصابات الصهيونية من أراضيهم خلال النكبة، وهو القرار الذي لم يطبق، ولم يدفع أحد بالقوة في اتجاه تطبيقه.
الأمر نفسه بالنسبة إلى قرار مجلس الأمن 242، والذي صدر بعد حرب 1967، ودعا إلى سحب القوات الإسرائيلية من "أراض" احتلتها خلال العمليات العسكرية، أي الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان. وهو ما تجاهلته دولة الاحتلال، ومعها داعموها، وبقي القرار عالقاً إلى أن اندثر في مفاوضات التسوية، بعدما بدأ الحديث عن تبادل أراض وتقسيم النفوذ في المناطق المحتلة، كما هو حاصل اليوم في الضفة الغربية. أيضاً هناك قرار مجلس الأمن 425 الصادر عام 1978، والخاص بمطالبة إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في لبنان، وهو ما لم يحصل إلى أن قررت إسرائيل الانسحاب في عام 2000، بعد حرب استنزاف طويلة مع فصائل المقاومة.
لا يختلف التاريخ الحديث عن القديم في ما يخصّ القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ففي 2016، صدر القرار 2334، والذي طالب إسرائيل بوضع حد للمستوطنات في الضفة الغربية ووقف بناء مستوطنات جديدة في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية. لكن ما حدث بعد ذلك العكس تماماً، إذ ارتفع عدد المستوطنين ما يقارب 15% منذ تبنّي القرار.
ما سبق مؤشّر واضح إلى أنه لا يمكن التعويل على قرارات الأمم المتحدة، خصوصاً إذا كان الأمر متعلقاً بإسرائيل. والقرار الأخير يمكن صرفه من زاوية ما يمكن تسميته "الامتعاض" الغربي عموماً، والأميركي خصوصاً، من الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزّة. لكنه امتعاض مرحلي لا يعوّل عليه، فواشنطن أرادت إيصال رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية، ورئيسها بنيامين نتنياهو، عبر الامتناع عن التصويت وعدم استخدام الفيتو ضد القرار 2728. لكن هذه الرسالة لا تعني التخلّي الأميركي عن إسرائيل، ورعاية عدوانها على القطاع، فها هي الإدارة الأميركية لا تزال منفتحة على مناقشة الخطط الإسرائيلية لاجتياح رفح، رغم القرار الدولي. فبعد "حرد" نتنياهو من التصرف الأميركي في مجلس الأمن، وعدم إرسال وفد إلى واشنطن لمناقشة العملية العسكرية المرتقبة في رفح، عاد للتواصل مع البيت الأبيض لإعادة إرسال الوفد، وبحث الموضوع نفسه، وهو ما لا تمانعه الإدارة الأميركية، لكن بعد نهاية شهر رمضان. فواشنطن أرادت "هدنة" في شهر الصيام، لكن نتنياهو رفض تلبية الطلب، والقرار الدولي الجديد، "غير الملزم" بحسب المسؤولين في إدارة بايدن، لا يتحدّث إلا عن وقف القتال في ما تبقى من شهر رمضان، وبما أن الشهر على وشك الانتهاء، فلا تمانع الولايات المتحدة مناقشة خطط إسرائيل لما بعده، من دون أن تدفع إلى تطبيق القرار الدولي الجديد.
وبهذا ينضم القرار 2728 إلى مجموعة القرارات السابقة الخاصة بالقضية الفلسطينية، غير القابلة للتنفيذ.
مشاركة الخبر: القرار 2728 مع وقف التنفيذ على وسائل التواصل من نيوز فور مي