البيت عدد 45.. قصة قصيرة للكاتبة التونسية شيماء بن عمر
ننشر قصة قصيرة بعنوان البيت عدد 45 للكاتبة التونسية شيماء بن عمر:
أسهل المعضلات تلك التى يتم حلها بالمال،هذا كل ما خطر فى ذهنها وهى جالسة على حافة الرصيف الإسمنتى البارد، تغمر قطتها التى ترتعش من الخوف والصدمة وتشاهد بقرنيتين متسعتين هول ما يحصل أمامها..
النيران تلتهم بشبقٍ البيت الذى ترعرعت فيه منذ الطفولة..
هاهو يتهاوى رويدا رويدا ...
كل من فى الحى قد تجمع حولها بعيون يغلب عليها الفضول أكثر من أى شىءآخر.. مالذى سيجعل أحدهم يترك سريرا دافئا فى أكثر ليالى ديسمبر بردا سوى الفضول
أحدهم قد أتصل برجال الإطفاء ..
أحدهم أيضا وضع غطاء صوفيا حول كتفيها.. أرادت أن تقوم بشكره ولكنه تبخر وسط تلك الفوضى..
التهمت النيران حياتها فى لمح البصر.. التهمت المكتبة.. كل أعياد ميلاد العائلة، كل ذكرى سنوية للجدة، كل لحظات الحزن التى تلى أول انفصال عاطفي، آخر سمكة ذهبية انضمت للحوض، والكثير الكثير من ليالى الأرق المزمن ... التهمت كل شىء حتى التخمة!
الضجيج يعم المكان ...
صوت النيران يزداد شراسة ونهما مع كل محاولة لإطفائها وكأن المياه تستفز غضبها أكثر فأكثر ...
"إذا كنتى لا تحتاجين رعاية طبية، فسوف نطلب منكِ الحضور إلى قسم الشرطة لاستجوابك "
"الآن" ؟! ردت فى حيرة ..
"أخشى ذلك".. قالها فى استسلام واضح وهو يفرك يديه فى محاولة يائسة لتدفئتهما وأضاف على عجل وهو يدير ضهره "بإمكانك إحضار الجرو معكِ ..لا مشكلة"
أرادت أن تصحح الأمر وهى تنهض بصعوبة لتلحق به.. إنه ليس جروا! وكم بدا ذلك غبياً.. غير مناسب.. مستفزاً ربما!... لا تستطيع الاهتداء إلى وصفٍ ملائم
مازلت النيران تأكل كل ما يقعُ تحت غطرستها ومازلت هى غير قادرة على معرفة ما تسبب فى اندلاع الحريق.. أيكونُ أحد أعقاب السجائر ؟؟... أو المدفأة الكهربائية؟ أو حبوبها التى تجبرها على النوم كعمال المناجم...
وهل ذلك مهم الآن؟! ..
استدارت للمرة الأخيرة نحو الفوضى والدخان وكتلة النيران المشتعلة قبل أن تستقل سيارة الشرطة وهى تفكرُ كم من السهل أن يتم تشييد منزلٍ آخر أو حتى شرائه فى بضعة أسابيع قليلة ..
المالُ سيحُل المعضلة ككل مرة.. ولكن هل هو قادرٌ على شراء البيت ؟؟؟!!
مشاركة الخبر: البيت عدد 45.. قصة قصيرة للكاتبة التونسية شيماء بن عمر على وسائل التواصل من نيوز فور مي