هل يحتاج العالم إلى أم؟
هل يحتاج العالم إلى أمّ تربّيه وتعدّ أنفاسه، بدل الأب الأناني الذي قاده من الأول إلى الهاوية، التي يقف عند حافّتها الآن. ليس فقط عبر صراعاته، بل عبر تدميره الأعمى لكوكبه كطفل مدلّل؟
نعم، يحتاج العالم إلى "المرأة" لإعادته إلى رشده، حاجة الإنسان، بجنسيه، إلى امرأة تنقذه من نفسه. كما تفعل الأم، التي لولاها لتشتّتت الأُسَرُ منذ تاريخ بعيد، ودخل الأولاد في صراع مُدمّر مع أب يَظنّ أنّ من يُنجبه عليه طاعته، والعمل ضمن توجيهاته، لأنّه أنجب الأولاد من أجله، ليكونوا كما يريد: أتباعاً ومشاريع خاصة، للكِبَر. وسُحقت البنات تحت ضغط أوهامه عن الرجولة، التي عليها أن تُثبت نفسها بالسيطرة على إناثها.
السّيطرة هي مُحفّز هذا الأب، حتى لو أدى ذلك إلى تكسير العظام والجسور، والاستيعاب هو مُحفّز الأم، ولو على حسابها، هي التي تتفهّم دوافع الجميع وتحاول إيجاد نقاط التقاء، وبناء جسور تشدّها بيديها العاريتين، إذا أطلقتهما انهارت الجسور. رغم أنّها لم تَخْتَرْ هذه المهمة المُستحيلة، بل وجدت نفسها مُجبرة عليها.
السيطرة لا تقف عند حدّ، فالمرأة والطبيعة ضحيتان للرجل الذي يدفع بهما إلى الهاوية معتمداً على اعتقاده بأنّ الحياة تدور حوله، وأنّ عليهما القيام بعلّة وجودهما، لا غير، وهما الخصوبة والتناسل، بلا اعتراض أو اشتراط، متجاهلاً أنّهما دَوْرَاه أيضاً. ولم يكتفِ بذلك، بل سيطر عليهما، وعلى طرائق عملهما. النتيجة، إضافة إلى الأزمات التي أوجدها منذ أول أبناء آدم، هي جفاف الأرض وتصحّرها وانهيار توازنها، والامتناع التدريجي للنساء عن الإنجاب، إن كانت لهن القدرة على الاختيار. فالمرأة المتعلّمة، التي لها طموحات مهنية، صارت تُضْرِبُ عن الإنجاب، والزواج نفسه، لأنّهما عائقٌ، فالأب يضع مسؤولية تربية الأبناء على عاتقها، عدا عن الدور الطبيعي الذي لا يُمكن تغييره، وهو أنّها حضن التكاثر الطبيعي. وهي عملية تعرقل حياة المرأة، وتغيّر نظام حياتها وصحّتها وجسدها. قليلاً ما يقدّرها الرجال التقدير الحقيقي.
فالنّساء يلدن من بداية الخليقة، وتحت ظروف مُزريّة، فماذا تريد هؤلاء المُدلّلات الآن التمرد على القدر؟ أو الطبيعة بالنسبة لغير المتدينين؟ فليس عليهم حرج ما دام لا يمكن تغيير قوانين الطبيعة. أمّا بعد الولادة، فهم، "كما يزعمون"، غير قادرين على أداء واجب الرعاية أمّاً، فهي أكثر حناناً ورحمة وصبراً. وهي أمور "طبيعية" مرة أخرى. والأب بحكم هذا غير مؤهل فطرياً ونفسياً لهذه المهام...
هكذا يتنصّل الرجل/ الأب من مهامه، وينشغل بنفسه وطموحاته وراحته. ومع ذلك، على الأسرة التي لم يعتنِ بها، أن تظلّ تحت سيطرته. أليس هذا ما يفعله قادة العالم الآن؟ في الديكتاتوريات وشبه الديكتاتوريات، وفي العالم الحر الذي يُطبّع تدريجياً مع الحدّ من حرّية الداخل، كما في نموذج فرنسا، ويقمع الجزء الأقل حيلة في العالم، والذي يعتبره حديقته الخلفية. نماذج: أميركا في جزء كبير من العالم كبير، وروسيا في الدول السوفييتية سابقاً، وإيران في الشرق الأوسط.
العالم بحاجة إلى المرأة، لا إلى امرأة واحدة. فهناك قيادات نسائية لا تقلّ بطشاً، عن العقل الأبوي، مثل مارغريت تاتشر، وهيلاري كلينتون، وكوندوليزا رايس، ومادلين أولبرايت، وغيرهن من خرّيجات النظام السياسي الأبوي، الحاملات المُعتَقد نفسه في أجساد أنثوية. كما في بعض دول أميركا اللاتينية وآسيا، حيث ورثت نساءٌ السلطة عن الآباء، في نماذج أخرى لتوارث المُعتَقد الأبوي، الذي يُحوّل سلطته إلى نسله، رجالاً أو نساء، فحملن التفكير الديكتاتوري الأبوي نفسه.
يحتاج العالم إلى المرأة التي تظهر في الحياة العامة، بشكل طبيعي، حاملة معتقداتها الخاصة مع قدرة غير مُستنزَفة على الاستيعاب، وغير قهرية كما في أمومتها الأسرية، بل استيعاب لا يأتي على حسابها فرداً، ولا يضعها في قالب صغير يبتلع طموحاتها في تغيير العالم. ليس من داخل البيت، بحسب مقولة الذّكوريين، التي تفترض أنّ هناك أبوين عليهما تقاسم المهام، فعلاً لا قولاً، ليبقى لهما معاً مجال لتغيير العالم، بل في الفضاء الواسع للحياة، أفراداً خارج المهامّ الأسرية، التي تسعى إلى صنع أفراد آخرين، سيحقّقون أحلامهم، لا أن يعوضوا أحلام الآباء.
مشاركة الخبر: هل يحتاج العالم إلى أم؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي