المساح
ذلك البسيط مثلنا، الكبير والكثير فينا؛ لسان حالنا، وأصدق من عبر عنا، عرفناه في بيته – بيتنا.. “لحظة يازمن”، وكأننا نعرفه منذ نصف قرن..
لم أعرف من أي مدينة أو إلى أي قرية ينتمي، لم أهتم بذلك، كانت قبيلتنا ومنطقتنا ومذهبنا “لحظة يازمن”، وكانت علاقتنا الحميمية به في اللحظة التي يستوقفها ليخاطبها ويحملها رسائله إلينا، كان حرفه يسكن أعماقنا ويحتل حيز كبير من ذاكراتنا، يلامس شغاف قلوبنا، كنا أصدقاء، وكان أب لنا، يعلمنا ماذا نقول.. وكيف نكون، كان يرانا مثل سهيل الابن، وسهيل النجم اليماني وكان يريد أن تمتلئ سماء بلاده بنجوم تجاور سهيل النجم في كبد السماء وتضيء عتمة أرواح منهكة، وتحلق بلاده وشعبه بمحاذاتهما..
قبل أن يتشكل وعينا عرفنا اليسار والفلاحين والعمال والكادحين من خلال حروفه، وكان مايميز عموده الصحفي الشهير، أمره للزمن بالتوقف للحظة ليقول فيها كلمته واعتزازه وفخره ببساطته كواحد منا ننتمي إليه وينتمي إلينا، كان مايكتبه لاتخطئه العين لتحديد هويته ووجهته كان في اليسار ينبض قلبه بذاك الخيار..
كانت الثورة الصحيفة “عمود المساح”، ولولاه ما كنا نظرنا إليها ولا قرأنا حرفًا منها فكل الجمل والعبارات .. والكلمات المتقاطعة ورتابة تلك الحروف المكررة والمستهلكة “ركيكة المعنى مجزأة الأحرف” كما وصفها “فتاح” لاتمثلنا..
لم أعرف ولم أهتم بوضعه وصفته التنظيمية ولا أعير الجدل الذي حصل بعد وفاته أي اهتمام، فإذا لم يكن المساح يساريًا فسيكون هناك اختلال في المسميات والمعاني والصفات.
كان بالنسبة لي ولجيلي المسئول الثقافي والإعلامي والتنظيمي في زمن العمل السري والعلني.
ألتقينا المساح وعرفناه في ثنايا حرفه، وعلمنا مالم نكون به نعلم، وهانحن بعد أن قرأناه نكتبه أو يكتبنا بكلماته التي علقت في أذهاننا.
نذرًا يسيرًا من امتنان وعرفان ووفاء لرجل وهب حياته لأحلام شعبه ونثر حروفه كبذور في حقول المعرفة.. كان فلاح أصيل يعرف مواعيد الحرث والزرع ويترك “للحظة زمن” تحدد لهذه البلاد أرضًا وانسانًا موعدًا مع الحصاد.
رحمة واسعة تغشاه.
The post المساح appeared first on بيس هورايزونس.
مشاركة الخبر: المساح على وسائل التواصل من نيوز فور مي