تشويه السمعة.. نشر العداوة والبغضاء
تُعد الغيبة والنميمة تشويها للسمعة وتشهيرا بالآخرين دون وجه حق، مما يؤدي إلى نشر العداوة والبغضاء وقطع أواصر المحبة والأخوة بين الناس، وهذا بدوره يؤدي إلى تدمير الروابط الأسرية والعلاقات الاجتماعية، وهذه العادات الممقوتة تعد من الأفعال المحرمة التي نهى عنها ديننا الإسلامي الحنيف لما لها من آثار سلبية بغيضة، حيث تتسبب في قطع الأرحام والصِلات بين الناس، وقد يندرج ذلك ضمن هذا المسمى كل ما يمس الكرامة. والدولة -رعاها الله- اتخذت الكثير من الإجراءات القانونية لمعاقبة من يقترف هذه الأفعال المشينة، وكما يراه مختصو القانون فإنه يجوز لمن تم تشويه سمعته بأي شكل من الأشكال ضده أن يتخذ الإجراءات القضائية أو المدنية أو الجنائية تجاه من قام بتشويه سمعته، والنيابة العامة تؤكد في كل مناسبة أن التشهير بالآخرين، أو إلحاق الضرر بهم بأي طريقة كانت، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يعد من السلوكيات الآثمة التي تستوجب المساءلة الجزائية، طبقاً لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية، والله سبحانه وتعالى يقول فى سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".
احذر أن تكون سبباً في أذى غيرك بالكلام غير الصحيح عنه
غيرة وحسد
وإيذاء الآخرين وتشويه سمعتهم من ذميم الأفعال التي ينهى عنها كافة الدين الإسلامي، وبهذا الخصوص تحدث لـ"الرياض" عثمان العضيبي قائلاً: إن البعض يتلذذ -هداهم الله- في تشويه سمعة الآخرين ويذكرهم بالإساءة ويسوق التشريع بكلام حق يراد به باطل، ومع الأسف الشديد أن يحدث ذلك بين أفراد مجتمع مسلم، ويعود ذلك لأسباب متعددة أهمها عدم الخوف من الله، وعدم الخوف من العقوبة القانونية، مضيفاً أن من يشوّه سمعة الآخرين قد يكون لأسباب دنيوية منها كالغيرة أو الحسد، وقد يكون ذلك بسبب نقص التربية السليمة، وغرس بعض الصفات السلبية في نفوس الصغار، مبيناً أن من أقبح أساليب تشويه السمعة أن تتم في مجتمع يستهين بنشر الغيبة والنميمة، وما يزيد الطين بلة إصغاء العامة لهذا المشوِه، ما يزيد من نشاطه الممقوت فيتمادى بتشويه سمعة الآخرين، وقد يُصدّق العامة ممارسته البشعة، مؤكداً على أن الخطر في ذلك السكوت عن تماديه وعدم نهيه وزجره، والمستمع له لا يخرج من إثم الغيبة إلاّ أن ينكر بلسانه، أو ينهى هذا المغتاب والنمام أو يقطع كلامه بكلام آخر، مشيراً إلى أن الغيبة تعد من التشويه وهي خُلق ذميم، لا يتصف به إلاّ الجبناء من ذوي الوجهين الذين يغتابون إخوانهم وأصدقاءهم أمام الناس، فإذا لقوهم هشّوا لهم وبشّوا، وتظاهروا بالصداقة والود. وأضاف: قد يندم المشوِّه عندما تتدمر حياة الآخرين بسببه على كافة الأصعدة اجتماعياً أو وظيفياً أو تجارياً وغير ذلك، ونقول لمن لا يرتدع عن هذا: نسأل الله لكم الهداية، وحماكم من الوقوع في هذا السلوك المشين.
نفسي ومعنوي
وتعد تشوية سمعة الناس بالباطل من الممارسات البشعة، وتسبب الضرر النفسي والمعنوي على من تطلق عليه الشائعات والأخبار المكذوبة، وهذا يدخل في الغيبة والنميمة كما ذكر ذلك د. عبدالعزيز العليوي -خطيب مسجد- بقوله: تطرقت في إحدى خطبي عن أثر تشويه السمعة، وكيفية التصدي لهذه المشكلة الغريبة على مجتمعنا، مضيفاً أن من أشد أنواع الغيبة غيبة الأقارب، وغيبة العلماء، وغيبة ولاة الأمر لما يترتب على ذلك من فساد الدين والدنيا، قال سهل بن عبدالله التستري: "لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإذا استخفوا بهذين أفسد الله دنياهم وأخراهم"، وقال عبدالله بن المبارك: "من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه"، وقال الشيخ ابن عثيمين: "وغيبة العلماء ليست كغيبة عامة الناس؛ لأن العلماء لهم من الفضل والتقدير والاحترام ما يليق بحالهم، ولأن غيبة العلماء تؤدي إلى احتقارهم وسقوطهم من أعين الناس، وبالتالي إلى احتقار ما يقولون من شريعة الله وعدم اعتبارها، وحينئذ تضيع الشريعة؛ بسبب غيبة العلماء، ويلجأ الناس إلى جهال يفتون بغير علم، وكذلك غيبة الأمراء وولاة الأمور الذين جعل الله لهم الولاية على الخلق، فإن غيبتهم تتضاعف؛ لأن غيبتهم توجب تشويه سمعتهم واحتقارهم عند الناس وسقوط هيبتهم، وإذا سقطت هيبة السلطان، فسدت البلدان، وحلت الفوضى والفتن والشر والفساد".
وجوب الإنكار
وذكر د. العليوي أن كيفية التخلص من الغيبة يكون بتقوى الله واستحضار الخوف منه، واستحضار النصوص الواردة في التحذير من الغيبة والنميمة، مضيفاً: كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، تعني قصيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" -أخرجه الإمام أبو داود-، وقال الإمام النووي: "هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة، أو أعظمها، وما أعلم شيئاً من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ"، مُشدداً على ضرورة تذكر صعوبة التوبة من هذه المعصية، وقد تتعذر؛ لأنها تتطلب المسامحة من الشخص، وقد لا يسامح، أو يزداد الشر عند الذهاب إليه، وبالتالي يقتص منه في الآخرة بالأخذ من الحسنات أو تحميله السيئات، ولا يخفى أن حقوق الله مبنية على المسامحة، وحقوق الآدميين مبنية على المشاحنة، مؤكداً على وجوب الإنكار على من تكلم في أعراض الناس، فإن حصلت الاستجابة، وإلاّ غادر المكان وجوباً، ناصحاً بمجالسة الصالحين وأهل الخير والورع والعلم، والبعد عن مجالسة الباطلين وأصحاب الشر، وتذكر عيوب الإنسان نفسه، والانشغال بها عن الآخرين، وحفظ اللسان، والاشتغال بذكر الله تعالى.
اضطراب الشخصية
وقال د. عيسى العزيزي: إن ذلك من السلوكيات المحرمة شرعاً وعواقبها وخيمة، وديننا الحنيف لم ينهاها عن شيء إلاّ لضرره البالغ وسوء أثره وعواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع، فمثلاً الغيبة بلا شك لها أثر على الصحة النفسية للمغتاب، فممارستها باستمرار تؤدي إلى التعود عليها والتلذذ بها نفسياً وصعوبة تركها، وهذا كله يؤدي إلى اضطراب الشخصية وعدم الاتزان النفسي، ناهيك عن الأضرار الأخرى المترتبة على الغيبة، كما أن ذلك التصرف ينم عن الحسد والحقد وكلها مضرة بالصحة النفسية ومدمرة لها، مضيفاً: يقول أحدهم عندما كنت صغيراً تولد لدي تصنيف للبشر، هذا طويل وهذا قصير، وهذا من آل فلان فيهم وفيهم من الخصال السيئة، وهذا من آل فلان فيهم وفيهم من الصفات الرديئة، لقد أخذت تلك المعلومات من بعض مجالس الغيبة -مع الأسف الشديد-، فلما كبرت ونضجت وميّزت الصح من الخطأ فإذا جميع تلك المعلومات التي استقيتها مغلوطة ومضروبة، وأن مصدرها والمحرك لها هي الغيبة المتولدة عن الحسد والكراهية، مشيراً إلى أن من طرق التخلص من هذه العادة المقيتة أن يعوّد المرء نفسه على ذكر محاسن الآخرين، وعدم الحسد، وأن يتذكر أننا كالجسد الواحد يشد بعضه بعضاً، فالأصل واحد والمصير واحد، كما أن العقول التي تتعوّد على الغيبة وتمارسها يصنفها علماء الشخصية من أقل العقول نضجاً، فالشخصية المتزنة هي التي تسعى دائماً لذكر القيم العالية وتمارسها وتدعو إليها، وهذه تكون دائماً مهتمة بالرقي بعيدة كل البعد عن ذكر معايب الآخرين مترفعة عن الغيبة وممارستها.
الشخصية المتزنة تسعى لذكر القيم العالية وتمارسها وتدعو إليها
جريمة معلوماتية
ويجمع المحامون على أن عقوبة التشهير وتشويه السمعة انتشرت في الفترة الأخيرة بشكل مبالغ فيه، لكن وقفت العقوبات المشددة الصارمة في وجوه كل من تسول له نفسه التشهير وتشويه سمعة الآخرين، وهي من العقوبات الحديثة التي فرضتها النيابة العامة في المملكة نظرًا لكثرة هذه الجرائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي كل مناسبة تؤكد النيابة العامة أن المساس بالحياة الخاصة أو التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة، جريمة معلوماتية يعاقب مرتكبها بالسجن مدة تصل سنة وبغرامة تصل خمس مئة ألف ريال، وعن تشويه السمعة الرقمي تؤكد النيابة العامة أن إرسال أو نشر واقعة من شأنها أن تجعل الآخرين محلاً للازدراء، أو تمس العرض أو السمعة، أو تلحق الضرر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة رقمية ووسائل تقنيات المعلومات المختلفة، يعد جريمة معلوماتية يعاقب مرتكبها بالسجن مدة تصل إلى سنة وبغرامة 500 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
مواقع التواصل تعج بالشائعات وهناك من يتلقفها د. عبدالعزيز العليوي د. عيسى العزيزي عثمان العضيبيمشاركة الخبر: تشويه السمعة.. نشر العداوة والبغضاء على وسائل التواصل من نيوز فور مي