الدراما اليمنية.. أزمة النصوص وغياب الواقع
نعيش عصر العولمة والانفتاح الرقمي، مع ظهور العديد من الفضائيات التي تبث الكثير من المسلسلات الدرامية العربية والعالمية ذات المضامين المختلفة التي يتابعها المشاهد العربي ومنهم المشاهد اليمني، الذي أصبح ينتقي ما يشاهده ويبحث عن الجديد كل يوم، ويتطلع بشوق إلى الإنتاج المحلي الذي يتنفس فيه رائحة وطنه وأصالة أرضه.
لكن المتابع للمشهد الدرامي في اليمن منذ سنوات يلاحظ الفجوة الكبيرة بين الإنتاج الدرامي والواقع المعاش، فغالبية المسلسلات الموسمية التي تنتج نراها بعيدة عن هموم الناس وقضاياهم.
نحن بحاجة لدراما تغوص في عمق المجتمع اليمني وتعالج قضاياه الاجتماعية والثقافية والسياسية، فواقعنا المعاش يحمل كثير من الأوجاع والهموم والسلبيات خاصة خلال هذا العقد، والتي من المفترض أن يتم تسليط الضوء عليها ومعالجتها بطريقة درامية واعية تساهم في صناعة تحولات ملموسة على كافة الاصعدة، وترفع من مستوى الوعي لدى المشاهد وترتقي بتفكيره وأخلاقه وتهذب سلوكه.
أين المشكلة؟
المجتمع اليمني يعاني من الكثير من السلبيات المعاشة، والكثيرمن القضايا التي أصبحت ظاهرة للعيان وبحاجة للنقد، العنف والجريمة، الفساد الأخلاقي والمالي والإداري، انتشار المواد الغذائية والزراعية المهربة التي تضر بالإنسان والبيئة، الفقر وتداعياته الاجتماعية والاخلاقية، الحرب وتداعياتها.. كالاضطرابات النفسية المنتشرة وانقطاع المرتبات وكيف أثرت على حياة الناس بمختلف فئاتهم، الطفولة المحرومة.. الشباب التائه.. الكثير من المواضيع والقضايا التي يعيشها الإنسان اليمني في ظل ظروف معقدة، للأسف لم تتطرق لها الدراما اليمنية وكأنها تعيش في معزل عن هذا الواقع، أو أنها تعمدت عدم الخوض في هذه القضايا بسبب حساسية الوضع الراهن.
ما يجب الاشارة إليه أن الفن رسالة قبل أن يكون متعة وتسلية، فمن خلال الفن يمكن نقل معاناة الشعوب ومظلوميتهم على الصعيد المحلي والعربي ومن خلاله يتم تقديم العديد من الرسائل الاجتماعية المفيدة، والفكاهة في الأعمال الدرامية مطلوبة لإمتاع المشاهد لكن دون سخافة.. بطريقة مقصودة لانتقاد السلبيات وتبصير المشاهد بها للحد منها.
المشكلة تكمن في غياب النص الهادف والفكرة المتميزة واعتماد إنتاج بعض الأعمال الدرامية على أفكار آنية دون الاهتمام بذائقة المشاهد الذي أثرت فيها الأعمال العربية والعالمية وأصبح قادر على نقد وتقييم ما يراه ويسمعه ويلاحظه من مسلسلات وأداء للممثلين.
والحق يقال أن هذا العام وبالرغم من الظروف الصعبة كان أكثر تميزا عن الأعوام السابقة في أغلب الأعمال الدرامية المعروضة في رمضان، وهناك محاولة جادة وجهود واضحة لتقديم أعمال متميزة ينبغي الإشادة بها.
غياب النص الهادف
من أسباب غياب النص الهادف، وجود فجوة بين منتجي الأعمال الدرامية وبين الكتاب والأدباء الذين يزخر بهم الوطن والذي ممكن الاستعانة بكتاباتهم الروائية والقصصية في إنتاج أعمال درامية هادفة، فالكاتب يستقي الكثير من مواضيع أعماله غالبا من الواقع الذي يعيش فيه ومن احتكاكه بالناس وقضاياهم، فهو عدسة المجتمع، بالتالي لماذا لا يكون هناك اهتمام مشترك بين قطاع الإنتاج الفني وبين الكتاب والأدباء المحليين؟ فيعمل الكتاب على إنتاج سردي يحاكي المجتمع قابل لأن يحول لعمل درامي، ويستعين منتجي الأعمال الفنية الدرامية بهذه الكتابات في إنتاج مسلسلات اجتماعية هادفة تلامس المجتمع وقضايا، وتتعدى المشاهد المحلي، أعمال على قدر من الوعي والجدية.. خاصة وواليمن تمتلك مواهب وكوادر درامية متميزة قادرة على صناعة دراما أكثر ابداعا وتميزا، تحتاج فقط للاهتمام والرعاية والدعم المادي والمعنوي، وهذا يقع على عاتق الدولة أولا التي من المفترض أن تولي اهتماما كبيرا بالجانب الثقافي والفني ودعم انتاج قطاع التلفزيون والاذاعة، ومن تم المعنين بالإنتاج الذي يقع على عاتقهم تطوير افكارهم وأدائهم لمواكبة التطور الفكري والإدراكي للجمهور، وكذلك على المجتمع الثقافي المساهمة في صناعة تحول ثقافي وفني من خلال الإنتاج الهادف والتدريب على تحويل النصوص السردية لأعمال تلفزيونية تساهم في صناعة دراما محلية متميزة.
والحقيقة التي يغفل عنها الكثير أن الفن يلعب دورا مهما في الارتقاء بالشعوب وتغيير أفكارهم وسلوكياتهم، لهذا فالكثير من الدول تولي الفن اهتمام كبير وتحرص على دعم الفن والفنانين ماديا ومعنويا لإيمانها بدوره وأهميته في أحداث تنمية حقيقية وتحول اجتماعي شامل.
The post الدراما اليمنية.. أزمة النصوص وغياب الواقع appeared first on بيس هورايزونس.
مشاركة الخبر: الدراما اليمنية.. أزمة النصوص وغياب الواقع على وسائل التواصل من نيوز فور مي