مسلسل "جمهورية ألمانيا الديمقراطية": فلاديمير بوتين بطلاً على الشاشة
بعد بدء عرض مسلسل GDR (جمهورية ألمانيا الديمقراطية)، المكون من 14 حلقة في روسيا، وصفه النقاد الروس ووسائل الإعلام، ، بأنه العمل الفني "الأكبر والأجدر لهذا العام".
وعلى رغم من أن الوصف المسبق للمسلسل، الذي يروي أحداثاً من نشاط وصراعات أجهزة المخابرات السوفييتية والأميركية والألمانية في ألمانيا الشرقية السابقة عام 1989، يشير إلى أنّه "عمل خيالي مبنيّ على أحداث حقيقية"، فإن أحداثه تشطح بعيداً عن الواقع والتاريخ. كذلك لا يبدو هذا الخيال فنياً بقدر ما يبدو أيديولوجياً وعقائدياً، موجهاً نحو إظهار رجل المخابرات السوفييتي على أنه الوحيد الذي ظلّ وفياً للوطن، في ظل تعاقب الحكام والسياسيين الخونة منهم والسذج والمخدوعين والمخادعين.
المسلسل رغم تقييمه العالي من الناحية التقنية والفنية، وإطراء النقاد على حبكته وأسلوب تصويره، إلا أنه يتعمد تشويه صورة الغرب وإظهار كل من لا يروقون النخبَ السياسية الروسية بمظهر الخونة والسذج والفاسدين. وتكمن رسالته الرئيسية في أن "ضباط المخابرات الروس، هم من دافع ويدافع عن مصالح الوطن"، في تلميح إلى شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي خدم ضابطاً في الـ"كي جي بي" في ألمانيا الشرقية في الحقبة التي يتناولها المسلسل.
وفي وصف العمل الدرامي، يقول القائمون عليه: "برلين أواخر الثمانينيات. المدينة غارقة في المسيرات والاحتجاجات، والناس يطالبون بتوحيد ألمانيا الفيدرالية وجمهورية ألمانيا الديمقراطية. عندما يصبح من الواضح أن سقوط جدار برلين أمر لا مفر منه، تدخل أجهزة المخابرات في مختلف البلدان في لعبة معقدة ومتعددة الخطوات، والهدف منها الاستحواذ على أرشيف وزارة أمن الدولة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية. تحتوي هذه الوثائق، القادرة على تغيير مجرى التاريخ وتدمير مئات الآلاف من الأرواح، على ملفات عن العملاء والسياسيين العالميين والعديد من الأسرار الأخرى. يصبح ضابط المخابرات السوفييتي ألكسندر نيتشايف إحدى الشخصيات المركزية في العملية الدولية".
المسلسل مصوّر بشكل احترافي للغاية، وحبكته تجذب المشاهد بديناميكيتها ولا تتركه حتى النهاية، إلا أنه من الناحية التاريخية والفكرية يضمّ كمّاً هائلاً من التحويرات والتناقضات، وتنقسم الشخصيات فيه إلى أبطال مطلقين، وسياسيين سذج لا يدركون أنهم يُخدعون، وأعداء بلا شرف ولا رحمة.
وفي محاولة منتجي المسلسل تكييفه مع المسار الأيديولوجي المختار، تظهر فيه العديد من الشخصيات والأحداث التاريخية بشكل مضحك واستهزائي. كذلك إنّ رغبة المؤلفين في إضفاء المثالية على بعض الأبطال وشيطنة آخرين، أدت ببساطة إلى كسر الصورة الحقيقية للعالم كما كان، واستبدال التاريخ الفعلي بأحداث خيالية، رغم أنها جذابة ورومانسية، إلا أنه لا يمكن القول إنها مقتبسة من الواقع.
على سبيل المثال، حُورت قصة الطيار الألماني ماتياس روست الذي حلق من بلاده على متن طائرة صغيرة، ودخل أجواء الاتحاد السوفييتي، وحطّ بطائرته في قلب موسكو عند جدران الكرملين عام 1987 في ما وصفه بأنه "رسالة سلام"، إلا أنه في المسلسل قُدّم عميلاً غربياً، كان يحمل على متن طائرته الصغيرة حقيبة فيها سلاح بيولوجي. وفي مشهد آخر أثار سخرية المشاهدين، لا يجد الأميركيون والألمان الشرقيون مكاناً أكثر ملاءمة لتبادل المعلومات والعناصر السرية غير موسكو، البعيدة آلاف الكيلومترات عن مكان وجودهم.
ويسلط المسلسل الضوء على رهينة، هي زوجة البطل الرئيسي للمسلسل، ضابط المخابرات السوفييتي ألكسندر نيتشايف. وعلى الرغم من أن العلاقات بينهما فاترة إلى حد ما، إلا أنه بكل بطولة ونبالة، يفعل المستحيل لإنقاذها. وفي العمل، يبدو نيتشايف وسيماً مفتول العضلات، وهو مغرم بالحسناء إنغريد من "جماعة الجيش الأحمر" اليسارية المسلحة بألمانيا الغربية. ومن الواضح للغاية أن صنّاع المسلسل سعوا لتصوير "فلاديمير بوتين" ذلك العصر بطلاً أكثر برودة من جيمس بوند نفسه.
ولا تتوقف الإسقاطات على شخصية بوتين في دور البطولة، ففي بعض الأحيان تصبح هذه الصورة جماعية تعمَّم على كل ضباط "كي جي بي". وفي أحد المشاهد، يطلق كونستانتينوف، زميل نيتشايف، النار من مسدسه في الهواء في باحة مؤسسة سوفييتية في دريسدن، محاولاً إيقاف حشد من المتظاهرين. وهذا المشهد اقتباس مباشر تماماً من مذكرات فلاديمير بوتين، تحدث عنه بوتين نفسه في فيلم الصحافي أندريه كوندراشوف "بوتين"، الذي نشر في مارس 2018. وحينها عام 1989، خرج فلاديمير بوتين ضابط الـ "كي جي بي" حينذاك إلى حشد من المتظاهرين، ومنعهم من اقتحام مبنى سوفييتي في مدينة دريسدن الألمانية.
أما على مستوى السياسيين، فتدور أحداث خط درامي آخر في الفيلم في الكرملين بموسكو، وأبطاله هم الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، وزوجته رايسا ماكسيموفنا، التي تظهر في المسلسل زوجةً مزعجةً، تعارض زوجها بلا توقف. أما غورباتشوف نفسه، الذي بالمناسبة، يُعرَض في الأفلام الروسية لأول مرة، فقد عُرضت شخصيته بسخرية متعمدة، وحُوِّل إلى صورة كاريكاتورية. إذ أصبح ميخائيل سيرغيفيتش في العمل أكثر سمنةً مما كان عليه في الواقع، والوحمة الشهيرة باتت تشغل ما يقرب من نصف رأسه، كذلك ظهر وهو يتحدث بلهجة سكان ستافروبول بشكل كوميدي. أما رايسا ماكسيموفنا، التي يتذكرها الكثيرون سيدةً أنيقةً للغاية ذات ذوق رفيع، فتظهر هنا ربةَ منزل سوفييتية ذات شعر أشعث وماكياج أزرق كثيف على جفونها.
مشاركة الخبر: مسلسل "جمهورية ألمانيا الديمقراطية": فلاديمير بوتين بطلاً على الشاشة على وسائل التواصل من نيوز فور مي