في أوجه الشبه بين السياسة والسباحة.. لا يمكن للمرء أن يتعلم السباحة على اليابسة
ولا يمكن للشعب أن يتعلم السياسة دون ممارسة! فكما أن كل كتب السباحة لا يمكنها أن تعلمك العوم دون أن تلقي بجسدك إلى البحر وتخطرش الماء بيديك وقدميك فكذلك هي السياسة يستحيل تعلمها بدون ممارستها في الحياة المدنية وقد كان التاريخ وسيظل الحقل المتاح للممكنات والموارد التي يستخدمها الناس في تدبير حياتهم وتجاوز أزماتهم وتأكيد حضورهم في عالم الممارسة الاجتماعية الحية الفورية المباشرة فالممارسة هي الجزء المختفي من جبل الجليد؛ جليد الوجود التاريخي التراكمي لعلاقات القوة واستراتيجياتها المعلنة والمضمرة فالممارسة ليس مثالاً غامضاً أو أرضية تحتية للتاريخ أو محركاً خفياً بل هي ما يفعله الناس حقاً وفعلاً في عالمهم المعيش؛ عالم الحياة بلا مزايا أقصد تلك الحياة التي نمنحها تسعة أعشار وقتنا الذي نعيشه في عالمنا الواقعي المعيشي الفوري الحي المباشر، بلا ماض ولا مستقبل، والتي تشكل فعلاً عصب الجسد الاجتماعي برمته التي يسميها عالم الاجتماع جلبر دوران “بالجو الخانق” فالكلمة (الممارسة) كما يقول الفرنسي بول فين “الممارسة تعبر بوضوح عن معناها وإذا كانت بمعنى من المعاني (محتجبة) كالجزء المحتجب من جبل الجليد” فتلك هي وظيفة السياسة بوصفها علاقات قوى إذ “طويلاً ما أخفت السياسة عني السياسي” إنها تخفيه، ليس بمعنى ما يخفي القطار قطاراً آخر، بل بمعنى أن أي قطار يخفي السكة التي يجري عليها. هناك مسافات كثيرة وفضاءات متعددة وأسطح مختلفة، ولكن هنا سكة حديد واحدة مهيأة لسير جميع القطارات” تلك السكة هي تاريخ القوة واحتدامها في كل لحظة من لحظات سيرورة الحياة الاجتماعية للناس الساعيين لتحقيق مصالحهم الحياتية في عالمهم المحكوم بعلاقة القوة والهيمنة والتنافس والصراع الدائم المستمر بين الافراد الجماعات والشعوب والحضارات. نعم الناس الأحياء هم الذين يصنعون التاريخ، ولكنهم لا يصنعونه على هواهم، بل في ظل شروط معطاة لهم سلفاً من ماضيهم وممكناته المتاحة. فكما إن أهل المدينة يتعلمون فن السباحة في شواطئ البحار القريبة أو في المسابح العامة التي يتم إنشاؤها لهذا الغرض، فكذلك يفترض أن يتعلم الناس فن السياسة وقواعد لعبتها الخاصة في المدينة بالميدان العام المباح لجميع الراشدين ذكوراً واناثاً بدرجة متساوية من الأهلية والفرص.
في البلاد العربية وفي ظل النخب السياسية الاستبدادية لم تمنح السلطات السياسية هذا الحق الطبيعي لرعاياها بوصفهم مواطنين أحراراً كما هو حال الدول الديمقراطية الحديثة في الغرب والشرق، بل أخضعتها بقوة النار والحديد لتحقيق مشيئتها، والنتيجة هي هذا التخبط والخراب التي بلغته المجتمعات العربية اليوم، إذ باتت اليوم تهيم على وجوهها في دوامة مهلكة من الانفجارات الغاضبة العنيفة والهستيريا الجمعية المسدودة الآفاق!.
وهكذا يكون الحال حينما يتم تجفيف المسبح المدني السياسي من الشروط الصالحة للممارسة السياسة بحرية وعدالة وسلاسة ليستحيل إلى قاع صفف أو مرتع للمياه الضحلة وبؤرة للأسرار والأساطير والمخاوف والمخاطر والأوهام كما هو حال السياسة في بلدان الطغيان العربية المعاصرة التي تكتب على المواطن أن يسير جنب الحائط وتنذره بإن الجدران لها عيون وأذان! ويمنع الاقتراب والكلام بحيث أن كل من يحاول السباحة في المسبح السياسي الحرام يرتطم رأسه في الصخرة التي تخفيها المياه الآسنة؛ مرتع الطفيليات والأفاعي والكائنات السامة!.
فالسياسة لعبة قوى وصراع محتدم بين أطراف المصالح والاستراتيجيات المتنافسة مثلها مثل الألعاب الأولمبية نسبياً على الاقل في صورتها العامة، فيها الغاية تبرر الوسيلة، في إطار قواعد اللعبة المعنية، والسياسي الماهر مثل الرياضي الماهر هو من يكسب النتيجة النهائية، ومن السذاجة الطفولية ان يعيد المهزوم سبب هزيمته الى ما فعله خصمه، عدوه، منافسه، مباريه ,مقابله.. الخ. كم أصاب بالذهول! حينما اسمع بعض من يعتقدون أنفسهم ( قادة وساسة ) حينما يحملون اعداءهم او خصومهم مسؤولية هزيمتهم وفشلهم السياسي المهين ولا اعتقد ان مثل هذا يمكنه ان يقال في مجالات الالعاب التنافسية الأخرى في مختلف فنون الرياضة بما في ذلك رياضة النزال بين الفرسان حتى الموت كما نشاهده في افلام الكابوى , رعاة البقر الامريكية , ذلك لأني اعلم كما تعلمون انتم أعزائي عزيزاتي بان مثل هذا الكلام او الادعاء يقع خارج حدود العقل والحس السليم _ اقصد منطق الالعاب التنافسية كلها تقريبا بما في ذلك اللعبة السياسية العالية الشحنة التنافسية الصراعية حتى الموت , حيث( ما فيش يا امة ارحميني ) كما يقول المثل العدني. اذ ان وظيفة خصمك او عدوك او منافسك السياسي وغايته الجوهرية هي ان يهزمك وينتصر عليك ويغلبك ويسحقك ان مكنته منك او تمكن هو باي طريقة من الطرق , ذلك هو المعنى والمغزى الاساسي من فكرة اللعبة التنافسية والصراعية السياسية بالحرب والسلم وهنا يمكن لنا فهم قول الالماني كارل فون كلاوزفيتز في كتابه ( فن الحرب ): (الحرب هي سياسة بوسائل اخرى ) من اسمها , اقصد السياسة هي ( لعبة قوى ) لا مجال فيها للشفقة والرحمة والتمني واللامبالاة والطيبة والسذاجة والبراءة والهرجلة والعواطف والانفعالات والكلام الفارغ الذي لا يودي ولا يجيب , هناك ثمة عدو , خصم يتربط بك يريد يصرعك ويهزمك ويكوش عليك باي طريقة من الطرق الممكنة طبعا بمعنى يمكنه فعلها يستطيعها مهما كانت بشاعتها ولا اخلاقيتها كما اكد الفيلسوف السياسي الايطالي بحق نقولاي ميكافللي في كتابه الشهير ب الامير الذي يعد انجيل السياسة والسياسيين في كل العصور بلا منازع اذا ان تاريخ العالم من آدم حتى اليوم يمر عبر درب ميكافللي السياسي الواقعي العقلاني حد القساوة, ( في الحرب انا مقابل عدوي وفي السياسة انا مقابل خصومي ) حسب رجيس دوبريه هذه سنه من سسن التاريخ وحقيقة من حقائقه لا خير ولا شر بل هي لا يمكن الا ان تكون كذلك بطبيعتها الجوهرية وضرورتها الحياتية الاجتماعية السياسية والا ما الذي يمكن ان يكونه الخصم او العدو السياسي ,وما الذي يمكن توقعه منه ما دمت خصمه وما دام خصمك بالضرورة والموقف والمصالح والاهداف والرغبات والغايات . الخ اذ عليك ان تفهم منذ البدء انه لا يرضعك أو يطعمك أو يداريك ويواسيك ويرحم ضعفك ويشفق عليك، والا فانت حمارا طيبا لا تصلح للسياسة مطلقا يا صديقي وقد قيل حقا (ان الطريق الى جهنم مفروش بذوي النوايا الطيبة) ومن لم يفهمها على هذا النحو فمن الخير له ان يخجل ويصمت ويداري خيبته بأسباب تحفظ كرامته الآدمية، وهيبته المعنوية. والنصر والهزيمة من الأحوال الإنسانية ولا عيب او باس في ان نهزم او نخفق في كسب النتيجة، ولكن من المهين والمخجل والمثير للسخرية والقرف ان نحمل مسؤولية فشلنا خصومنا اللدودين كما يفعل بعض الأطفال الكبار!!! ومن العيب أن يبرر شخصاً سياسياً فشله وخيبته بالقول: لقد حلمنا بعكس ما جرى أو خدعنا أو زادوا علينا أو كما سمعت أحدهم يقول: كنت اظن الخير في الأخرين!!!! موقف مثل هذا يشبه موقف الراعي الذي منح كامل ثقته للذئاب وبعد ان اتت على خير ما لديه الكباس عاد ليولو ويصرخ لم أكن اتوقع انها متوحشة وماكرة على هذا النحو، لقد خدعتني.
نصيحة ختامية
مهما فعل بك خصمك السياسي فمن العيب ان تشتكيه للعامة، فان فعلت فضحت نفسك ومنحته قيمة وقوة وشهادة تعزز مكانته، فإذا لم تستطع ان تهزمه وتصرعه فمن الأشرف والاجدر لك ولمن تمثلهم ان تخرس ولا تنشر غسيلك ليشمت فيك اعداءك وتصغر في أعين أتباعك وانصارك وكل من كانوا يراهنون عليك!.
The post في أوجه الشبه بين السياسة والسباحة.. لا يمكن للمرء أن يتعلم السباحة على اليابسة appeared first on بيس هورايزونس.
مشاركة الخبر: في أوجه الشبه بين السياسة والسباحة.. لا يمكن للمرء أن يتعلم السباحة على اليابسة على وسائل التواصل من نيوز فور مي