عاصمة السحاب
بعيداً عن البحرِ لا شيءَ يوحي إليك بالإبحار ..
ولاشيءَ قريباً من الأرضِ يجعلُك تحلقُ بعيداً في السماءِ, مثل وقوفِك علـى سـطحِ منـزلٍ بمـدينـةِ الجـبـيـنِ, عنـد السابعةِ صباحاً, لتتـأملَ منها فتـرى الجبال وهي تغوصُ من تحتكَ في بحـورٍ من الضباب, يتسللُ معها دفئُ المكان إلى سائـرِ جسدك, وعندها فقط تمتزجُ الحقيقةُ بالخيال, فتفرطُ الخواطـر فيضاً من المشـاعر ..
ورويداً, رويداً يزحفُ الضبابُ, أخذاً بالتصاعدِ نحو الأعلى, وعكسـهُ تماماً يتوغـلُ خيـالُك غائصاً باتجاه الأسفـل.
وبينما أنت غارقٌ في ذلك ؛ يتمادى الخيالُ مرتحلاً بك من حالٍ إلى حال, فيستوطنك إحساس جارفٌ بالإبحار, وكأنك على ظهرِ سفينـةٍ إغريقيةٍ, بل كأنك أنت الربان .
وعندما ينسـلخُ الضبابُ مبتعـداٌ عن المكان, يتغيرُ المشهدُ؛ عارضاً عليك صوراً شتى من الجمال ؛ فأين نظرت ترى جبالاً شامخات تتراكبُ فوق بعضها, تزدادُ طولاً كلما أمعنت البصر بعيداً عنها , وهي مكسوةً بلباسٍ خضرٍ, محفوفةً بسلاسلَ تكادُ لا تنتهي من المدرجات الزراعية الوارفة والمنفذة بحرصٍ دقيق وعنايةٍ فائقة, تُشكِلُ بمجموعها عقوداً متداخلة, يشدُ بعضها إزر بعض, مُبرزةً بجلا عناصر الفن والاحتراف وُظِفت بمهارة العارف وإتقان المؤمن, لدرجة يخيلُ إليك معها, بأنها لو لم تكن كذلك لكانت الجبـالُ أعلا من ذلك ارتفاعـاً واكبرُ من كونها اتساعاً, وقد يحيرك السؤال؛ فلا يمكنك الجزم حولها: هل خُلقت مع الجبل؟ أم خُلق الجـبلُ لأجلها ؟!.
فتلك لعمري منجزاتٍ عظام ..
.. مكنت من العيش ولبت الحاجة؛ فمنحت الفسحةً للأمل .
.. زانت المنظر وحفظت البيئة؛ فأعطت للحياة احترام .
وهى فوق كل ذلك صناعةٌ يمنيةٌ خالصةٌ; أستحق عليها الأجداد صفة الخليفة “باقتدار”؛ نُفِذت بكدهم والإيثار, رووا تربتها عرقاً غزيراً ودماء؛ فلهم من الله الرحمة؛ و منا لهم جزيل الثناء, ووعداً لهم بمواصلة الإعمار.
The post عاصمة السحاب appeared first on بيس هورايزونس.
مشاركة الخبر: عاصمة السحاب على وسائل التواصل من نيوز فور مي