كيف نفهم إيران كأّمَّة، ودولةٍ عميقة؟!
كنت في سفرٍ بين عاصمتين مهمتين في الغرب عندما علمت بمقتل الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، وحزنت لعدم متابعة ملابساته.
أعاد هذا الحدث السياسي الضخم لَفْت الانتباه عندي وغيري إلى محاولة فهم من هي إيران في ثقافتنا وتاريخنا المشترك.
إبتداءً يجب الإقرار بحقيقتين ..
أولهما، أن إيران كأمةٍ ودولةٍ ومشروع وتجربة يجب (وجوياً) أن يهمنا أمرها، اتفقنا أو اختلفنا معه.
ثانياًً أن اختفاء رئيسي من المشهد السياسي التاريخي لإيران في وقت اقتراب ذهاب مرشدها الأعلى (على خامنئي) نحو التسعينيات بعد عامين ينبغي أن يكون مثار إهمام بسبب ما يجب التحوط بشأنه إزاء مستقبل تأثير إيران على كامل المنطقة، منطقتنا العربية أجمعها..
أعتقد أن من المهم أن نعود إلى مراجعة فهمنا كعربٍ لديناميات إدارة الدولة العميقة في إيران ، الفلسفة وآليات إدارة هذه الفلسفة عبر التاريخ.
تتمتع الأُمَّةُ الإيرانية بطول باعٍ وصبرٍ وأناةٍ تفتقد إلى مثلها الكثير من أمم الأرض..
في عشرينيات عمري زرت في (شيراز) مشغلا لأسرةٍ توارث ثلاثة من أجيالها نسج (سجادة) عبر مائة وخمسين عاماً، ولم يكن السجاد قد اكتمل ..
هذا يدلنا على أننا، نحن العرب، لم نحسن قراءة (تجربة الثورة الإسلامية) الإيرانية منذ بداياتها حتى اليوم.
فهم هذه التجربة يتطلب منا استبطاناً قرائياً لها من الداخل حتى يمكن القيام بمراجعة موضوعية للعلاقة مع ايران ليس بمفاهيم الصراع بين إيران والقوى الغربية ولكن بمعايير ماذا يجب أن تكون عليه (النِّديَّة) في العلاقة والتعامل بين العرب وإيران.
هذا الفهم الذي يجب أن يتعمق أكثر من خلال قراءة (علي شريعتي) و (علي الوردي) لن يتأتى من خلال القراءات السطحية لهذه العلاقات، خصوصاً في ظل التوترات القائمة ولا من خلال الجرائد ووسائل التواصل الاجتماعي بل من خلال الجامعات ومراكز البحوث التي ينبغي أن تؤسّس داخل هذه الجامعات خصيصاً للدراسات الإيرانية.
مشكلتنا أننا تعاطفنا مع هذه التجربة بوصفها ثورة إسلامية ولم نع حينها أن (إسلام) ايران (المفترض) يختلف عن إسلامنا نحن العرب، ثم انقلبنا عليها حتى العداء وأظهر بعضنا دعماً قوياً لذلك حد المساهمة بتحريض غربي في تمويل حرب العراق عليها زمن صدام حسين، وهذا ما خلف حقداً متجدداً لدى إيران يضاف إلى الضغائن الفارسية القديمة، وأنتج بالتالي استراتيجية جديدة لدى طهران قام على أساس أن فكرة الانتقام لديها من العرب والغرب معاً يجب أن يمر عبر طريقين هما التوجه نحو امتلاك اسلحة استراتيجية ، ما أفزع إسرائيل والغرب ، ثم العمل على تشييع العراق والمنطقة بأسرها، بوسائل عدة، بعضها مباشر والآخر ملتو ..
إيران بعد رئيسي بحاجة إلى تعديلات جوهرية وليس تكتيكية في لغتها مع الغرب المتربص بها، ليس برجماتياً على طريقة تركيا الأردوغانية ، ولكن بلهجةٍ قريبةٍ منها ..
زمن (قاسم سليماني) الجهادي السابق الذي نقل باحثون عن (جواد ظريف) بأنه كان هو وزير الخارجية، وهو من يعين السفراء، لدرجة استبعاد ظريف من لقاء لخامنئي مع بشار الأسد، هذا امر ينبغي له أن يتغير!
سقوط طائرة الرئيس الإيراني داخل أجواء بلاده، لا شك، أمرٌ مثيرْ للدهشة.
فإذا كانت طهران غير قادةٍ على ضمان أمنه في أجواء بلاده فكيف لها أن تسمح لنفسها أن تتصور، ولم بمجرد الحلم أنهم صارت متسيدةً على محيطات وبحار؟!
سؤال بسيط :
عندما تسرق إسرائيل بضربةٍ واحدة وثائق مهمة عن البرنامج النووي لطهران، ألا يستدعى هذا من الحاكم في إيران أن يقف أمام شعبه بقدرٍ من الشعور بالمسؤولية ويعترف بأن الشحن العاطفي لمشاعر الشعب الإيراني لا يكفي وحده لجعله قادراً على مواجهة الغرب؟!
الحرب اليوم لم تعد شعارات، ولا حشوداً للفقراء المستضعفين، المفرغة بطونهم من طعام ، والخاوية عقولهم من (فكرةٍ) حرية التفكير والتعبير.
الحرب اليوم .. مواجهةٌ بالاقتصاد كما تفعل الصين والهند ودول شرق آسيا، بالمعرفة، أو بالعلم والتكنولوجيا كما يصنع شمال أوروبا ..
لست هنا ناصحاًً لإيران، وهي الأعلم مني كم من عقولها وأدمغتها شرّدتها سياسات حكامها شرقاً وغرباً ..
ولسنا اليوم في يوم حزن إيران بحاجةٍ لفتح الملفات وكشف المستور أو ننكأ الجراح ..
آن الآوان في طهران اليوم للوقوف أمام مرآة الضمير !
The post كيف نفهم إيران كأّمَّة، ودولةٍ عميقة؟! appeared first on بيس هورايزونس.
مشاركة الخبر: كيف نفهم إيران كأّمَّة، ودولةٍ عميقة؟! على وسائل التواصل من نيوز فور مي