هل انتهى عصر الرفاهية؟
تعتبر المتاجر الرئيسية الراقية للويس فيتون وشانيل وغوتشي في حي غينزا بقلب طوكيو أبعد ما يكون عن فكرة منافذ البيع بأسعار مخفضة. فهي مصممة على يد أشهر المهندسين المعماريين وتتميز بعروض فخمة للسلع الفاخرة في أغلى بقعة باليابان.
لكن في الأشهر الأخيرة، اكتظت هذه المتاجر بصائدي الصفقات، لا سيما السياح الصينيين الذين يسافرون إلى العاصمة اليابانية لشراء سلع بأسعار أرخص من الموجودة في بلادهم. فقد أتاح ضعف الين فرصة لأولئك الذين اعتادوا التسوق في البر الرئيسي للصين، أو شراء الملابس والإكسسوارات من هونغ كونغ أو أوروبا.
ويراقب العملاء الصينيون الطموحون، الذين ساهموا في دفع عجلة نمو صناعة الرفاهية العالمية خلال العقدين الماضيين، نفقاتهم عن كثب. فقد دفعهم الاقتصاد المحلي ليكونوا أكثر حيطة، وابتعدوا عن موجة «التسوق الانتقامي» التي أعقبت عمليات الإغلاق. نتيجة لذلك، شهدت مبيعات العلامات التجارية مثل بربري وغوتشي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تراجعاً حاداً خارج اليابان.
لقد كان الانخفاض العام في استهلاك السلع الفاخرة بمثابة صدمة لصناعة اعتادت تحقيق أعلى مستويات النمو، باستثناء فترة الركود خلال جائحة كورونا. وتأثرت شركة كيرينغ، الشركة الأم لعلامة غوتشي، بشكل خاص بهذا التغيير في مزاج المستهلكين، فقد انخفضت أسهمها بنسبة 8 %، بعد أن حذرت من احتمال انخفاض أرباح التشغيل بنسبة تصل إلى 30 % في النصف الثاني من العام الجاري.
وتسبب ذلك في انخفاض قيمة كيرينغ، التي تضم علامات تجارية مثل إيف سان لوران وبالينسياغا، إلى أدنى مستوياتها منذ 7 سنوات عند 37 مليار يورو، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بقيمة شركة إل في إم إتش العملاقة البالغة 326 مليار يورو. وبينما يسعى مؤسس كيرينغ فرانسوا هنري بينو، لاستعادة بريق غوتشي، أصبحت المنافسة المعتادة مع برنار أرنو، رئيس شركة إل في إم إتش، غير متكافئة. وحتى شركة إل في إم إتش، المالكة لـ 75 علامة تجارية، بما في ذلك لوي فيتون وديور، تشعر بالضغط، وأفادت بتراجع نمو مبيعاتها، كما انخفضت قيمتها بنسبة 9 % هذا العام. وقال المدير المالي جان جاك جيوني، نحن نعتمد على «الجاذبية الخالدة لعلامتنا التجارية الرائدة وسط تطور أذواق المستهلكين بسرعة» لتجاوز هذه الفترة.
كما أن حجمها الهائل يعد ميزة. ووفقاً لمورغان ستانلي، فإن لوي فيتون هي أكبر علامة تجارية فاخرة في العالم وبفارق كبير، وحققت أرباحاً قبل الفوائد والضرائب قدرها 12 مليار يورو، متراجعة من إيرادات بلغت 23 مليار يورو العام الماضي. وتبيع لويس فيتون مجموعة واسعة من الحقائب والإكسسوارات للمتسوقين الطموحين، ويبرر صافي هامش الربح الذي يتجاوز 50 % وجود هذا العدد الهائل من متاجر لوي فيتون.
أما العلامات التجارية الفاخرة من الدرجة الثانية والأصغر حجماً فهي أكثر عرضة للمشكلات. فخلال هذا الشهر، كشفت شركة بربري أنها ستستبدل مديرها التنفيذي بعد فشل محاولتها مضاهاة المكانة والقوة السعرية التي تتمتع بها شانيل أو لوي فيتون. وتبلغ قيمتها 2.6 مليار جنيه استرليني، ولا يمثل ذلك سوى جزء ضئيل من قيمة كيرينغ، حيث يبدو الآن أن هذا الهدف بعيد المنال.
في غضون ذلك، فإن العلامات التجارية التي تروق لأغنى المتسوقين ويمكنها فرض أسعار أعلى، تبلي بلاءً حسناً. فقد تغلبت هيرميس، العلامة التجارية الفرنسية المصنعة لحقيبة بيركين، على الوضع القاتم هذا الأسبوع ب زيادة مبيعاتها بنسبة 13 % خلال الربع الثاني. وتشهد برونيلو كوتشينيلي، التي يقودها مؤسسها الإيطالي المعروف بـ«ملك الكشمير»، نمواً سريعاً في آسيا. لكن الدرس المستفاد من هذا الأسبوع هو أن ما تسميه الصناعة «الارتقاء بالعلامات التجارية، أي جعل العلامات الفاخرة أكثر حصرية وتكلفة بشكل مطرد، أصبح أكثر صعوبة. لقد كان هناك مجال لتحقيق ذلك مع استمرار انجذاب المستهلكين إلى لعبة المكانة الفاخرة بسبب العولمة، لكن الأمر يتطلب سنوات من التفاني والنمو لصقل صورة العلامة التجارية».
حتى أن شركة إل في إم إتش التي تمتلك أكثر عمليات الارتقاء بالعلامة التجارية سلاسة، ليست معصومة من الخطأ. ففي عام 2020، استحوذت الشركة على سلسلة المجوهرات الأمريكية تيفاني آند كو مقابل 16 مليار دولار، واستثمرت بكثافة في تجديد المتاجر وإطلاق سلع أكثر تكلفة. رغم ذلك، انخفضت مبيعاتها من الساعات والمجوهرات خلال النصف الأول من العام الجاري، وقال أرنو أخيراً «لا يمكنك تحقيق نتائج فورية». وهذا يضع الآخرين الذين يفتقرون للقدرة على التحلي بالصبر في موقف صعب. فقد أقر جيري ميرفي، رئيس شركة بربري، هذا الشهر بأن الشركة «ربما تمادت أكثر من اللازم وبسرعة كبيرة» في زيادة الأسعار. ويرى لوكا سولكا، محلل صناعة السلع الفاخرة لدى شركة بيرنشتاين، أنه ربما تحقق الشركة أداءً أفضل إذا تم الاكتفاء بتصويرها على أنها نسخة بريطانية من علامة كوتش الأمريكية الفاخرة.
وأرسلت بربري بالفعل إشارة بعملية تحول استراتيجي من خلال تعيين جوشوا شلمان، الرئيس التنفيذي السابق لكوتش وجيمي تشو، لقيادة الشركة. ولن تكون بربري الشركة الوحيدة التي ستعيد النظر فيما إذا كان بوسعها الاعتماد على التوسع الدائم لسوق الفخامة لإعادة تشكيل نفسها في حلة أرقى. لقد اعتادت الصناعة على الاتجاهات التصاعدية لدرجة أنها لم تألف العمل بطريقة أخرى.
ولا يزال كثيرون يأملون في استئناف النمو عام 2025. وتشير الاتجاهات التاريخية إلى أن هذا رهان معقول، فقد تضاعفت قيمة سوق السلع الفاخرة الشخصية بأكثر من الضعف منذ عام 2010، بحسب تقارير شركة الاستشارات باين. وهذا من شأنه أن يضر بالعلامات التجارية الفاخرة، لكنها قادرة على مواصلة أهدافها الطموحة.
إلا أنه لا يوجد ضمانات لحدوث ذلك. وحتى الشركات التي سبق وطمأنت المشككين هذا العام بأن ما حدث كان مجرد حدث عارض، تبدو الآن أقل يقيناً. وبحكم طبيعتها، لا تشكل السلع الفاخرة ضرورة، فلا أحد يحتاج حقاً إلى حقيبة هيرميس جديدة أو بدلة من ديور. وإذا تجاهلت الصناعة هذه الحقيقة، فقد استرعت انتباهها هذا الأسبوع.
مشاركة الخبر: هل انتهى عصر الرفاهية؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي