إبراهيم اليوسف.. الكرم والأخلاق
قبل عدة أشهر تقريباً وبالتحديد في الخامس من شوال عام 1445هـ بعد عيد الفطر المبارك رحل عن دنيانا الراوية الإعلامي إبراهيم بن عبدالله اليوسف -رحمه الله-، غاب عن الساحة الشعبية منذ ما يقارب 15 عاماً تقريباً بعدما أصيب بعدة أمراض جعلها الله تكفيراً لخطاياه ورفعة لدرجاته.
عرفت اليوسف عام 1416هـ، حيث زرته في منزله الكائن شمال شارع جرير وشرق شارع النهضة، حيث استقر فيه سنوات كثيرة، وكان عامراً بالرواة والشعراء وحتى الدارسين والباحثين في الأدب الشعبي، كان إبراهيم اليوسف سخياً بكل معلوماته سواء كان تسجيلاً أو كتابة، ومن تجربتي معه طوال هذه السنوات حينما أطلب منه المشاركة برأيه في موضوع ما في صفحة "خزامى" بجريدة الرياض يبادر فوراً وبسرعة إذا كان لديه علم بهذا الموضوع، وحينما أردت الكتابة عن أستاذه الراوية محمد بن يحيى، هبَّ مسرعاً وكتب لي ورقة أو ورقتين عن ما يعرفه، وكتب هو كذلك مقالة في صحيفة الجزيرة عنه، وبعدها سألته عن أستاذه الآخر الراوية الشهير عبدالعزيز الفايز، وأخبرني عن بعض ما يعرف عنه، وأفادني عن الراوية الكبير إبراهيم الواصل وكتب لي ورقة عنه حينما كتبت تقريراً كاملاً في صفحة "خزامى"، وأحياناً أتواصل معه عبر الجوال أو الهاتف الثابت وأطيل الحديث معه، كان يتحدث معي بكل رحابة صدر ودماثة أخلاق.
حدثني كثيراً عن علاقته القوية بصديقه وأستاذه منديل الفهيد الذي صحبه صحبة ما يقارب 50 عاماً، وكذلك عن صداقته مع الراوية الثقة محمد بن يحيى الذي كانت صلته به أعظم صلة، وفي هذه الأسطر القليلة نكتب عن هذه الشخصية الشعبية الإعلامية لعلنا نفي ولو جزءاً قليلاً بحقها التي كانت مثالاً حياً لكرم النفس والأخلاق، الذي من قرب منه اكتشف نفساً عالية وفي قمة الوداعة والألفة والمحبة وسماحة الخاطر وسلامة القلب وحب الناس، لذلك أحبه من جالسه، فهو كريم اليد بشوش المحيا نظيف القلب.
أدب وسمر
إبراهيم بن عبدالله اليوسف من مواليد 1354هـ ببلدة الأسياح بالقصيم، ثم استقر بالرياض وتعلم وانضم إلى المعهد الملكي ونال الدبلوم، وتوظف في وزارة المعارف، وبعدها انتقل إلى ثانوية الفيصل وكان من الذين يكتبون بالآلة الكاتبة بسرعة فائقة جداً، ورغب الالتحاق بمعهد الصم وانتقل إليه ثم تقاعد بعد ذلك.
واليوسف -رحمه الله- كانت له محبة ورغبة في الأدب الشعبي منذ شبابه، فقد حدثني قائلاً: كان عندي هواية في اقتناء الكتب الشعبية وحفظ القصائد الجيدة من عيون الشعر الشعبي القديم والشعراء الفحول المعاصرين، وبذلك أصبح الشعر شغلي والراوية أطلبها وأسعى إليهما، وأدوّن كل ما أستحسنه في مجلس الأدب والسمر، وقد قابلت الكثير من الشعراء والرواة في مختلفة مناطق المملكة.
الرواية أمانة
وعندما سألت إبراهيم اليوسف -رحمه الله- عن الصفات التي ينبغي توفرها في الراوي للأدب الشعبي أجاب قائلاً: أول شيء يجب أن يلتزم الراوي والناقل للقصة والقصيدة أن يذكر المرجع، نجد شخصاً يذكر قصة أو قصيدة وهي أقدم من ولادته دون أن يذكر المصدر وأنا ضد ذلك؛ لأن الراوية أمانة، ويجب على الراوي أن يذكر من أين استقى هذه المعلومات، هل هي من كتاب أو من شريط أو من شخص؟ فيذكر اسمه.
وتحدث شخصيتنا عند رواة الأمس واليوم حيث الفرق بينهما أن الرواة القدامى عندهم الصدق وعدم التحيز، فعندما يحكي عليك القصة يجعلك تثق به، ويورد الراوية كما سمع بدون أي تحريف أو نقصان أو زيادة، وفي كثير من الأحيان يكون هذا الراوي دقيقاً جداً فيذكر لك متى سمع هذه الراوية بالسنة والشهر واليوم وفي أي مكان.
ويتابع اليوسف حديثه الممتع عن سيرته في الأدب الشعبي وكثرة اختلاطه برواة الأدب الشعبي قائلاً: وأنا على كثرة اجتماعي بالرواة والأخذ عنهم لم أجد راوية مثل الراوية إبراهيم الواصل، وهو من أهالي عنيزة، فهو عملاق الراوية الشعبية، وأحد أركانها في هذا العصر، وهو علامة في هذا الميدان، وهو رجل موسوعي في تراث الجزيرة العربية، وعنده من الأخبار النادرة والحكايات والقصص ما لا يوجد عند غيره من الرواة، وهو حافظة نادرة وذاكرة قوية، والرجل دقيق فيما يروي، ويغضب أشد الغضب إذا سمع قصيدة أو قصة محرفة أو قيلت في غير ما سمع، وحافظ، فهو أمين في هذه الناحية، وهذه الصفة استفدتها منه -رحمه الله- وبموته خسرت الساحة أحد أعمدة الراوية الشعبية.
أخذ عنهم
وانطلق إبراهيم اليوسف -رحمه الله- في الحديث عن علماء الأدب الشعبي والذين أخذ عنهم واستفاد منهم، فذكر أنه استفاد من الراوية منديل الفهيد الذي صحبه أكثر من 50 عاماً، والذي يدين اليوسف له بالفضل من حيث الاستفادة من روايته -رحمه الله-، كذلك نهل من مرويات الراوية عبدالرحمن الربيعي الذي ملأ الساحة الشعبية بالمخطوط الشعبي، ونهل من الراوية الشهير محمد بن عبدالرحمن بن يحيى وكان يزوره في منزله بالشميسي شمال شارع السبالة، وبعدها انتقل إلى منزله بشارع السويدي العام شمال نفق السويدي.
وذكر اليوسف أن الراوية محمد بن يحيى كتب له ديواناً منوعاً انتقاه من موسوعته (باب الأفكار وغرائب الأشعار)، وغيرها من المخطوطات الشعرية التي بحوزة ابن يحيى، ويصف شخصيتنا ابن يحيى بأنه ثقة فيما يروي، وأنه ليس بخيلاً في معلوماته، والميزة التي تميز بها ابن يحيى كما يذكر أنه لا يمكن أن يبدّل أو يغيّر في القصيدة أو الراوية، كذلك استفاد اليوسف من الراوية مهنا المهنا ومن الراوية ناصر المسميري والراوية محمد السليمان السحيم وقبلهم طبعاً عملاق الراوية الشعبية إبراهيم الواصل.
كريم وسخي
وتحدث الراوية والشاعر ناصر المسميري عن إبراهيم اليوسف -رحمه الله- قائلاً: عرفت اليوسف منذ عام 1406هـ، حيث دعاني إلى مزرعته بالأسياح، وكان معنا شاعر من قبيلة سبيع والراوية كذلك إبراهيم الرديعان، ومن ذلك التاريخ أصبحنا أصدقاء، وزارني في منزلي بالرس، وبات عندي يومين ومعه الراوية محمد الشرهان، وعندما أزور الرياض أقصده في منزله، ومن جانب آخر أوضح المسميري عن اليوسف أنه كريم اليد والخلق، حاز صفات كثيرة منها التواضع وطيب الكلام والحديث، وعزة النفس، كان كريماً سخياً، واذكر أن مزرعته بالأسياح لا تخلو من الضيوف من البادية والحاضرة، فكان يولم لهم الولائم سواء كان غداء أو عشاء، فلا يكتفي بما في منزله من طعام، بل يذبح لكل ضيف قصده، وكذلك في منزله بالرياض، مع أنه لا يملك أموالاً ولا عقاراً، لكن سجيته كانت الكرم، مضيفاً أنه ما سمع من شخصيتنا كلمة نابية أو خادشة للحياء، بل كان عفيف اللسان نزيه النفس، وقد خدم الأدب الشعبي بما قدم من برامج شعبية، وعندما توقف برنامجه «قصة وأبيات» أكملت أنا هذا البرنامج بالإذاعة، ومكثت سنتين أعد هذا البرنامج، وفي العموم فإبراهيم اليوسف كان صاحب مكارم أخلاق ووفاء مع أصدقائه وهو رجل محبوب.
مودة واحترام
وتحدث د. فائز بن موسى الحربي عن صديقه إبراهيم اليوسف -رحمه الله- قائلاً: قال الحق تعالى: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ كِتبًا مُّؤَجَّلًا»، وقال زهير بن أبي سُلْمَى:
كُلُّ أبنِ أنثى وإن طالت سلامتُهُ
يوماً على آلةٍ حدباءَ مَحْمولُ
رحل الرجل السمح الكريم إبراهيم بن عبدالله اليوسف، الذي سجل اسمه في مجال الأدب الشعبي لسنوات طويلة، قبل أن يترجل من امتطاء الأثير الإعلامي، وينزوي في بيته خلال العقدين الأخيرين لظروف المرض والشيخوخة الذهنية، ربطتنا مع الراحل علاقة مودة واحترام وصداقة، وعرفناه عن كثب، فعرفناه السمح المتواضع، الذي ينشر الأنس والمحبة بين زملائه وأصدقائه ومعارفه ومتابعي برنامجه الشهير «قصة وأبيات»، حتى إني لا أعرف له مبغضاً أو حاسداً، وهذه نعمة يهبها الله بعض عباده، عرفناه في منزله كريماً، ليّن الجانب لزواره، عف اللسان، طيب الجنان، لهذا؛ كان واحدًا من الأعزاء الذين حزنت كثيراً لرحيلهم، وتألمت لفراقهم، لكن هذا قدر الله على خلقه، وما كان لي إلاّ أن أقول: إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وما نقول إلاّ ما يرضي الرب، إنا لله وإنا إليه راجعون.
رائد إذاعي
وكان إبراهيم اليوسف -رحمه الله- عندما كان شاباً يحضر المحاورات الشعرية، حيث يقول: كانت هذه المحاورات الشعرية -شعر القلطة- تعقد عند ملعب الملز، وكانت تبدأ من بعد صلاة العشاء حتى منتصف الليل وذلك عام 1374هـ، وشعراء هذه المحاورات هم أحمد الناصر والسعيدي وناصر الشيباني،
وكان لها حضور كبير من جمهرة الناس ويزيد الحضور ليلة الجمعة، حيث يفد إليها الناس من جميع القرى المجاورة لمدينة الرياض، وقد سجلت هذه المحاورات التي بدأت من هذا التاريخ حتى عام 1384هـ.
وإبراهيم اليوسف من الرواد الإعلاميين الذين التحقوا بإذاعة الرياض بعد تأسيسها بعام، حيث كان 1384هـ الانطلاقة الأولى لها، فكان أن انضم إليها مع صديقه وأستاذه الراوية الإعلامي منديل الفهيد، حيث كان يعد ويقدم الفهيد برنامج من البادية، وشخصيتنا يقرأ الرسائل التي ترد البرنامج، ثم كُلّف بإعداده وتقديمه مع الزملاء الشاعر سعد بن حريول والراوية رضيمان الشمري والراوية محمد بن زبن، وفي 1396هـ أصبح اليوسف هو الذي يعد ويقدم برنامج من البادية، حتى عام 1428هـ، يعني استمر في الإذاعة 43 عاماً، وحقاً فهو من رواد الإذاعة القدامى الذين يستحقون أن تطلق شوارع بأسمائهم، فشخصيتنا بذل جهده ووقته وكل ما في ذاكرته ومكتبته للإذاعة، فهو ركن من أركان الإذاعة الشعبية، ويعد من أقدم المذيعين في زمنه، استمر هذه المدة الطويلة حتى إنه إذا كان خارج الرياض يعد في مزرعته بالأسياح الحلقات مع الشعراء ويرسلها للإذاعة، وقد طلب منه أن يعد برنامج «في البادية» في التلفزيون، لكنه رفض وأثر محبوبته الأولى والأخيرة إذاعة الرياض.
قصة وأبيات
وحدثني عبدالله بن إبراهيم اليوسف -نجل شخصيتنا- قائلاً: إن مستشرقة أسماها اليسون لبريك أتت الوالد بصحبة د. سعد الصويان وأقام لها الوالد وليمة غداء حضرها الشاعر عبدالله بن صقيه، وكانت هذه المستشرقة لديها بحث عن تغريبة بني هلال، ولم يبخل الوالد بما لديه من معلومات، وفتح مكتبته لهذه المستشرقة واستفادت من زيارتها للوالد.
وأمّا برنامج «قصة وأبيات» الذي نال شهرة كبرى بين جميع طبقات المجتمع، فقد كان إبراهيم اليوسف -رحمه الله- منذ أن كان شاباً يجمع القصص والحكايات التي تدل على مواقف ذات نبل وكرم ومروءة، خاصةً القصص التي فيها قصائد، فاقترح على إذاعة الرياض هذا البرنامج، ووافقت الإذاعة على أن يعده ويقدمه، وحدثني عبدالله بن إبراهيم اليوسف قائلاً: إن برنامج «قصة وأبيات» كان الوالد يقدمه في آخر وقت برنامج «من البادية»، ثم في عام 1403هـ أصبح برنامجاً مستقلاً، وكان يقدم يومياً، ولقي هذا البرنامج تفاعلاً من الجمهور، فكان هناك رسائل ترد إلى الإذاعة مليئة بالشكر والثناء على مقدم البرنامج، أضف إلى ذلك رسائل ترد البرنامج فيها قصص وقصائد سواء من أصحابها أو من راوية أصحاب الرسائل، لهذا كان والدي في مطلع كل قصة وقصيدة يذكر اسم من أرسل له هذه القصة والأبيات التي هي ملحقة بالقصة.
ألّف اليوسف كتاباً سماه «قصة وأبيات»، وقد طبع ثلاثة أجزاء بعد تكامل المادة لديه، فقد طبع الجزء الأول عام 1412هـ، وطبع طبعة ثانية عام 1414هـ، وطبع الجزء الثاني عام 1417هـ، وطبع الجزء الثالث عام 1427هـ.
في الختام أشكر عبدالله بن إبراهيم اليوسف الذي أمدني بجزء عن حياة والده ومسيرته في الأدب الشعبي، فله مني وافر التقدير والاحترام، وغفر الله لوالده وأكرمه بالفردوس الأعلى.
إبراهيم بن عبدالله اليوسف رحمه الله كتاب قصة وأبيات تأليف إبراهيم اليوسف إبراهيم اليوسف في شبابه اليسون لبريك استعانت بإبراهيم اليوسف في كتاب تغريبة بني هلال فائز بن موسى الحربي إعداد- صلاح الزاملمشاركة الخبر: إبراهيم اليوسف.. الكرم والأخلاق على وسائل التواصل من نيوز فور مي