هجرة محدودة لرؤوس أموال من الكويت... تعرف على الأسباب
في أحد أحياء مدينة الكويت، جلس رجل الأعمال الأربعيني، عبد الرحمن العنزي، يتأمل بحزن مكتبه الفارغ. فقبل عامين، كان هذا المكان يعج بالنشاط والموظفين، لكنه أصبح اليوم شبه مهجور.
قرر العنزي، مثل بعض رجال الأعمال الكويتيين، نقل جزء كبير من استثماراته إلى دول مجاورة بحثاً عن فرص أفضل، وهو واحد ممن شملهم إحصاء تقرير نشرته غرفة تجارة وصناعة الكويت في مارس/آذار الماضي، وأورد أن 15% من الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد إما أغلقت أبوابها أو نقلت عملياتها إلى الخارج خلال العامين الماضيين.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" أن الحكومة الكويتية تدرس مواجهة تحديات اقتصادية متعددة في الوقت الراهن، أبرزها هجرة رؤوس الأموال وعدم استقطاب استثمارات أجنبية كافية. وأشارت المصادر إلى أن بعض الفرص الاستثمارية في دول المنطقة المجاورة للكويت تبدو أكثر جاذبية، ما يستدعي ضرورة إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية الكويتية.
وتتعدد أسباب هذا الوضع الاقتصادي المتأزم، حسب دراسة أجراها معهد الدراسات المالية الكويتي في يناير/كانون الثاني الماضي، فالسوق الكويتية تتسم بمحدودية حجمها، إذ يعد اقتصاد البلد الخليجي صغيراً نسبياً مقارنة بالاقتصادات الإقليمية الأخرى.
كما تحتل مسألة تطوير التشريعات والقوانين واللوائح أهمية قصوى في خلق بيئة استثمارية جاذبة وآمنة للمستثمرين الأجانب. وتبرز تجربة شركة "داو كيميكال" التي غادرت الكويت بسبب مشاكل قانونية مثالاً صارخاً على هذه التحديات، وفقاً لتقرير نشرته وكالة رويترز في فبراير/شباط الماضي.
تأثير محدود على روؤس الأموال
في هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الكويت تواجه تحديات اقتصادية متعددة في الوقت الراهن، إذ تَبرز مسألة هجرة رؤوس الأموال واحدةً من القضايا المثيرة للجدل، لكنه اعتبر هذه الهجرة "محدودة نسبياً"، مؤكداً أن المشكلة الرئيسية تكمن في عدم استقطاب استثمارات أجنبية كافية.
وتبدو الفرص الاستثمارية في دول المنطقة المجاورة للكويت أكثر جاذبية، ما يستدعي ضرورة إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية الكويتية، بحسب رمضان، الذي يؤكد أهمية تعديل القوانين وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار، مع فتح المجال لأنشطة اقتصادية متنوعة لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء.
ويرى رمضان أن التركيز يجب أن ينصب على جذب رؤوس الأموال الأجنبية بدلاً من القلق المفرط بشأن هجرة الأموال المحلية.
"داو كيميكال"
تحتل مسألة تطوير التشريعات والقوانين واللوائح أهمية قصوى في خلق بيئة استثمارية جاذبة وآمنة للمستثمرين الأجانب، حسب ما يرى رمضان، الذي يستشهد بتجربة "داو كيميكال"، مؤكداً أهمية وجود رؤية واضحة للدولة تطمئن المستثمرين وتشجعهم على ضخ أموال كبيرة بدون قلق من مستقبل ضبابي. كما تبرز الحاجة إلى استراتيجيات متنوعة لتعزيز النمو الاقتصادي، بما في ذلك جذب السياح والمتقاعدين الأجانب للإقامة طويلة الأمد في الكويت، بحسب رمضان، الذي يشدد على أن النمو الاقتصادي الكبير يتطلب زيادة في عدد السكان، مؤكداً أن العدد الحالي البالغ حوالي 4.5 ملايين نسمة غير كافٍ لتحقيق نمو اقتصادي ملموس في الكويت.
فتحقيق نهضة اقتصادية شاملة يتطلب تبني نهج متكامل، يشمل إطلاق مشاريع كبرى وجذب استثمارات أجنبية قوية، بحسب رمضان، مشيراً إلى نجاح المملكة العربية السعودية في هذا المجال بعدما سارت على نهج زيادة أعداد الوافدين ونسبتهم في التركيبة السكانية.
تحديات هيكلية
في السياق، يشير الاستشاري الاقتصادي بشركة استشارات في لندن، علي متولي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الكويت تواجه تحديات اقتصادية "هيكلية" متعددة تؤثر سلباً على مناخ الاستثمار وجاذبية البلاد للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، وهذه التحديات ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات على مدى سنوات طويلة.
فمن أبرز العوامل التي تؤثر سلباً على الاستثمار في الكويت، حسب ما يرى متولي: سياسات توطين العمالة والصناعات، موضحاً أن هذه السياسات تجعل الشركات تشعر بعدم جدوى استثماراتها في البلد الخليجي، حيث تواجه صعوبات في الاستفادة من العمالة الأجنبية الماهرة. ويلفت متولي إلى تركيز الحكومة الكويتية على الإنفاق الاجتماعي ودعم المواطنين، ما يأتي على حساب الاستثمار في المشاريع والبنية التحتية والصناعات المنتجة، ويؤكد أن هذا التوجه، رغم استهدافه إرضاء المواطنين، يؤثر سلباً على القطاعات الإنتاجية وجاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية والمحلية.
وتشكل اللوائح التنظيمية والتشريعات عائقاً آخر أمام الاستثمار في الكويت، بحسب متولي الذي يؤكد أن البيئة التشريعية في الكويت لا تواكب التطورات السريعة في الدول المجاورة، ما يجعل الكويت أقل تنافسية في جذب الاستثمارات. ويسلط متولي الضوء على مشكلة العجز المزمن في الموازنة الكويتية، إذ تميل الحكومة إلى تقليص الإنفاق الاستثماري بدلاً من الإنفاق الاجتماعي عند مواجهة الضغوط المالية، معتبراً أن هذا النهج يؤدي إلى نقص تمويل المشاريع القائمة، ما يخلق مشاكل للشركات في استرداد مستحقاتها من الحكومة.
ولمعالجة هذه التحديات، يرى الاستشاري الاقتصادي أن الكويت بحاجة إلى إجراءات إصلاحية قوية قد تكون غير مرضية للمواطنين في البداية، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات قد تشمل تقليل الدعم والمنح والإعانات، وترشيد نمو الرواتب، مع زيادة الاستثمار في البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية.
مشاركة الخبر: هجرة محدودة لرؤوس أموال من الكويت... تعرف على الأسباب على وسائل التواصل من نيوز فور مي