الغياب... كلمة لا نحب سماعها!
لكل وردة محب يسقيها، تذبل إن غاب لأن الغِياب يسرق الألوان ويجعل الصور باهِتة. فعندما تغيب الشمس يأتي القمر، وعندما يغيب المساء يأتي الصباح، وعندما يغيب اليأس يأتي الأمل، وعندما يغيب الحزن يأتي الفرح، وعندما يغيب الناس يأتي آخرون، ولكن وحدك عندما تغيب تترك كل الأشياء خلفك في حالة غياب .
في الغياب يزحف ٳلينا الليل بهدوئه وسكونه، ويفتعل داخلنا ضجيجاً يوقظ النائمين. وحين اتقنت الغِيَاب أَتْقَنْت أنا الحَنِيِن، وكل منّا أدمنَ ما هو عليه. فصاحبني الشوق وسلمني بيده إلى الحنين، ثم اوصلني الحنين إلى باب الذكريات، يطرق الباب ويجري ليختبئ ويراقبني وأنا أقلّب الصفحات التي رتبتها، بعد أن أنتهي أغضب وأنثرها في كل مكان، وأخيراً أعود لأرتبها كما كانت وأغلق الباب خلفي، هكذا يفعل الشوق والغياب حين يحتاج أن ينفض الغبار عن مقتنياته الخاصة ونحن وذكرياتنا من مقتنياته الخاصة. نقف في منتصف الطريق، نعشق حضور أحبتنا ونخشى غيابهم، وتنتفض الأماني والهواجس داخلنا، تارةً تثور وتارةً تهدأ، ونبقى نحن ساحة لهذه الفوضى .
في الغياب يجتاحنا سؤال مخيف: ما قيمة الحب إذا ضاع العمر في الانتظار؟ ولماذا يباغتنا الغياب دوماً من باب كان مهيّأ للحضور. تبقى تقرأ جرحك بتأنّي وعمق، وتشعر أنك بحاجة إلى أن تعيد اكتشاف نفسك من جديد، وترتيب أوراق روحك المبعثرة، وربما أيضاً اكتشاف الوجه الآخر الحقيقي لمن تحب، وربما أيضاً الوجه الآخر للغياب حينما تشعر أن في صدرك أماني ذبحها الغياب ومن خلاله نرى من نحب بصورة أوضح، ونشعر بمدى أثرهم وتأثيرهم بشكل أدق.
إن الغياب هو أعظم قوة لمن نحب، لأنه يصبغ عليه صفات الجمال والكمال، وكأنه كائن خرافي وأسطوري، فنتوّهم في غيابه أن لدية تلك المقدرة على تغيير كل الأشياء والأحاسيس بمجرد حضوره ; لان الغياب جفاء وطريقه بعيدة مهما كانت المسافات فيه تتسع خارطة الشوق في جغرافية الروح، وتضيق مساحة العتاب والخصام، لأننا نعرف جيداً طعم بكاء الأشياء التي يخلفها الغياب ونرى كيف أن الحزن فيه يصفد أبواب الحلم. وغياب الحبيب كسهام تنغرس بالقلب، ولكن قد يكون الغياب محكوم بظروف وليس لنا في غيابه سوى الانتظار، فلا بد أن يعود يوماً كما يعود الطائر إلى عشه، ليضمد جراح غيابه، ويلملم شتات قلب انكسر. وفي فترة الانتظار نظل نقرأ دفاتر الذكريات لوحدنا ونزينها بألوان الحنين الزاهية، ونرسم على السطور بعضاً من علامات الٳستفهام والتعجب والفواصل ونتردّد ونحن نضع نقطة في آخر السطر، لأننا نخشى أن تكون هذه النقطة الأخيرة هي نقطة الوداع والفراق الأخير.
في الغياب نكون دائماً مع الآخرين لكننا نشعر بأننا لوحدنا بصحبة حزننا وجرحنا، وكما أن الأشجار تموت ولكن وهي واقفة فإنّ بعض مشاعر الحب تموت في الغياب ولكن بكبرياء. في الغياب نرى دوماً الشوق والحنين وجهين لعملة واحدة، الشوق لما هو آتٍ، والحنين لما مضى، وكلاهما طعمه شديد المرارة والحموضة والملوحة. وعند الغياب تبقى رائحة الذكرى تلتصق دائماً بكل الأشياء، بكل الأماكن، بكل الأشخاص، لا نسيان يُجدي معها ولا تناسي. وفي لحظات الوداع قل ما تريد دون تردد أو خوف أو خجل. أترك مشاعرك تتحدث وقلبك ينسج الكلمات وأبق ٲنت صامتا مترقبا فلعل من تحادثه لايعود .يقولون من غاب عن العين غاب عن القلب وأقول :الغياب يزيد القلب لوعة وحنين.
مقال للكاتب سمير قحطانمشاركة الخبر: الغياب... كلمة لا نحب سماعها! على وسائل التواصل من نيوز فور مي