الشباب الفلسطيني في الداخل يمارس الرقابة الذاتية
منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، وسّعت حكومة الاحتلال آليات السيطرة والرقابة والقمع على الفلسطينيين في الداخل المحتل عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، ما فرض عليهم ممارسة الرقابة الذاتية والامتناع عن النشاط الرقمي، بحسب دراسة جديدة أصدرها المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة).
وتطرّق معد الدراسة الباحث والمحاضر في الإعلام الرقمي في الجامعة العربية الأميركية، سعيد أبو معلا، إلى التهديدات والتحديات التي تواجه الأمان الرقمي للشباب الفلسطيني في الداخل، في ظل حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.
سعى أبو معلا إلى تكوين صورة حول مدى معرفة الشباب الفلسطيني في الداخل بمفاهيم الأمان الرقمي والمخاطر الرقمية، ومقدار تعرضهم لهجمات واعتداءات رقمية، إضافة للضغوطات والتحقيق من جهات أمنية إسرائيلية أو اجتماعية. مع محاولة لإدراك أثر سياسات المنصات على نشاطهم منذ بدء الحرب على قطاع غزة.
واستندت الدراسة إلى بيانات جمعت في النصف الأوّل من عام 2024، من خلال أربع مجموعات بؤرية ضمت 23 مشاركاً، إضافةً إلى استطلاع للرأي شارك فيه 409 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاماً.
العيش في ظل الرقابة الإسرائيلية
في عام 2015 أنشأت النيابة العامة الإسرائيلية "الوحدة الإلكترونية"، والتي تهدف إلى "مواجهة الجريمة الإلكترونية والإرهاب الرقمي". بطبيعة الحال، تحولت هذه الوحدة سريعاً إلى أداة رئيسية في مراقبة وملاحقة المحتوى الفلسطيني، وكذلك الفلسطينيين على منصات التواصل الاجتماعي.
تضاعفت الرقابة الإسرائيلية على الإنترنت عقب معركة سيف القدس في مايو/ أيار 2021، إذ لعبت منصات التواصل الاجتماعي دوراً رئيسياً في تنظيم المظاهرات والاحتجاجات التي قادها الشباب الفلسطيني في الداخل، رفضاً لمحاولات المستوطنين الإسرائيليين طرد سكان حي الشيخ جراح الفلسطينيين في القدس.
بحسب مركز حملة طوّرت إسرائيل منظومة للسيطرة على استخدامات شبكة الإنترنت ومنصات التواصل، مستعينة بقوانين وسياسات متعددة تنتهك الحقوق الرقمية للفلسطينيين، لتنجح في خلق حالة من "الرعب الرقمي"، دفعت بالكثير من الشباب الفلسطيني للامتناع عن التعبير عن رأيهم أو التفاعل مع قضايا سياسية. إضافة إلى استغلال أنظمة اجتماعية تقليدية وبنى ذكورية من أجل السيطرة والتحكم والقمع.
تعزّز القمع الإسرائيلي أكثر فأكثر مع بدء العدوان على قطاع غزة. في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، صادق الكنيست الإسرائيلي على تعديل جديد لقانون مكافحة الإرهاب، تضمن عقوبة السجن لمدة عام لكل من يطلع بانتظام على محتوى يعتبره القانون الإسرائيلي محرضاً على الإرهاب.
أتاح هذا التعديل لأجهزة الأمن الإسرائيلية ملاحقة الفلسطينيين بناءً على الحسابات التي يتابعونها أو المنشورات التي يتفاعلون معها، فيما يعد انتهاكاً فاضحاً لحقوق الإنسان. بالفعل تزايدت الملاحقات الأمنية والدعاوى القضائية التي حرّكتها الحكومة الإسرائيلية ضدّ الناشطين وغير الناشطين من الشباب الفلسطيني في الداخل بسبب تعليقاتهم على منصات التواصل الاجتماعي.
في النتيجة، نجح الاحتلال، بحسب "حملة"، بتعزيز حالة القمع الذاتي بين الشباب الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي، خشية مواجهة الملاحقة والاعتقال، كما جرى مع شخصيات معروفة أوقفت بسبب منشورات إنسانية أو دينية. كما ظهر ذك في طلب بعض السياسيين الفلسطينيين في الداخل من الجمهور، عدم التفاعل الرقمي والتحلي "بضبط النفس".
رقابة ذاتية على الشباب الفلسطيني وهجمات متزايدة
بيّنت النتائج أن مستخدمي الإنترنت الشباب يستخدمون أكثر من منصة اجتماعية وتطبيق للمراسلة، معظمها مملوكة من منصة ميتا. وجاء "واتساب" في المقدمة، متفوقاً على "إنستغرام" و"فيسبوك"، فيما حلّ "تيك توك" و"تليغرام" في المرتبتين الرابعة والخامسة.
ولفتت غالبية المستطلعين إلى أنّهم يفضلون استعمال الإنترنت في المنزل على الأماكن العامة مثل المقاهي أو الجامعات، مما قد يعكس حالة عدم الإحساس بالأمان الرقمي وانعدام الثقة السائدة بينهم. وعلى الرغم من أن نصفهم يقضي ما بين أربع وتسع ساعات يومياً في تصفح شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، إلّا أن معظم استخدامهم ينحصر في استهلاك الأخبار، بينما تراجع تفاعلهم مع المواضيع السياسية بقوّة، في دليلٍ على ممارسة الرقابة الذاتية.
وعكست البيانات، وفقاً لـ"حملة"، "مشهداً مروعاً من الرقابة والقمع الذاتيين، فقد فضّل الشباب الفلسطيني استخدام الإنترنت الصامت أي الاكتفاء بمراقبة الأخبار ومجريات الأحداث دون التفاعل معها". مع العلم أنّ الحكومة الإسرائيلية تحاول تجريم حتى هذا النوع من الاستخدام، من خلال سنّ قوانين تراقب المواقع التي يتردد عليها الفلسطيني لتسهيل ملاحقته وتجريمه.
وأظهرت النتائج تناقضات عدة، إذ على الرغم من أن ثلثي المستطلعين على معرفة ودراية ببرامج التجسس ومخاطرها إلا أنّهم لا يبالون بها، ولا يقومون بأيّ ممارسات للوقاية منها، مثل تغيير كلمة المرور باستمرار أو إلغاء الموقع الجغرافي على سبيل المثال. كذلك، عبّر المستطلعون عن عدم ثقتهم ببرامج الحماية من الاختراق والتجسس.
وبحسب "حملة"، ثمة حالة سائدة من التجاهل واللامبالاة في التعامل مع مصادر التهديد والخطر، ولا سيما تجاهل الرسائل مجهولة المصدر، وعدم التدقيق في الجهات التي أرسلتها. مع العلم، أنّ النتائج تظهر تضاعف الهجمات وسياسات القمع الرقمي بعد الحرب على غزة، مثل انتحال الشخصية والتصيد الاحتيالي والتحرش والإساءة.
وكان "التجاهل" هو السلوك الأكثر انتشاراً في تعامل الشباب من فلسطينيي الداخل مع الاعتداءات الرقمية، أي إهمال الهجمات الرقمية وعدم متابعتها. وهو ما رأى فيه "حملة" مؤشراً جدياً على أزمة الثقة التي يعيشها الشباب، فهم "يفضلون السكوت والتجاهل والمعاناة لأن ليس لديهم جهة رسمية أو مهنية يثقون بها".
ونبّهت الدراسة إلى أن آليات الرقابة والتجسس والقمع الرقمي التي تمارسها أجهزة الاحتلال، زادت الشكوك والتساؤلات حول جدوى استخدام منصات التواصل للنضال الحقوقي أو التعبير عن موقف سياسي أو اجتماعي بين فلسطينيي الداخل من الشباب.
مقترحات لتعزيز الأمن الرقمي
قدّم مركز حملة مقترحات لتعزيز مفاهيم الأمن الرقمي لدى الفلسطينيين في الداخل. فدعا إلى إطلاق حملات توعية للتعريف بالمخاطر الناجمة عن انعدام الأمان الرقمي ووسائل الحماية الفعالة، بما يتضمن جلسات تدريب وندوات في المدارس والمجتمعات المحلية، تعرّف بالمبادئ والأدوات الأساسية للحفاظ على الأمان الرقمي.
إضافةً إلى إتاحة مصادر موثوقة للمعلومات أمام الجمهور، عبر إنشاء مواعد تعليمية متاحة مجاناً عبر الإنترنت، تشمل التعريف بأفضل الممارسات لحماية الشخصية والحسابات على المنصات الاجتماعية.
كذلك، شدّد على ضرورة مواجهة سياسات القمع الرقمي عبر توفير الدعم للناشطين، من خلال إقامة خطوط ومنصات استشارية تقدم الدعم والتوجيه القانوني والنفسي، كما التقني، في حالات الاستهداف والملاحقة. كما ركّز على أهمية توثيق الانتهاكات الرقمية بحق الناشطين الفلسطينيين والمحتوى الفلسطيني، عبر نشر تقارير دورية والقيام بأبحاث ودراسات تحليلية.
مشاركة الخبر: الشباب الفلسطيني في الداخل يمارس الرقابة الذاتية على وسائل التواصل من نيوز فور مي