إعداد علماء المستقبل
الوطن بقطاعيه العام والخاص بحاجة لجيوش من العلماء والباحثين والمبتكرين في كل المجالات.. واقتصاد اليوم أصبح يعتمد بشكل أساس على إنتاج العقول وتوظيفها في الصناعة وغيرها.. واكتشاف المواهب وتطويرها ورعايتها من أهم الاستثمارات التي يمكن أن تتم داخل الوطن وخارجه..
بدعوة كريمة من الدكتور أحمد عبدالكريم الصالح عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود، التقيت بنخبة من أبناء البلد، من الطلبة الذين ترعاهم موهبة وتحت مسمى "برنامج موهبة الإثرائي البحثي"، وهو برنامج يهدف إلى تعريف الطلبة على أساسيات البحث العلمي وأخلاقياته، وما ينتج عنه من ملكية فكرية، وتنمية مهارات استخدام المعامل والمواد بطرق صحيحة وسليمة، وإجراء التجارب التي لها علاقة بالأبحاث وتحليل البيانات، واستخلاص النتائج، وكتابة التقارير العلمية، والخروج بأفكار بحثية أصيلة.
شباب من طلبة المرحلة الثانوية الصفين الأول والثاني ثانوي، وطلبة الصف الثالث متوسط. حضروا من مختلف مناطق المملكة، وكانوا في غاية الحرص والانتباه، بعضهم سكنوا عند أقاربهم، أما المجموعة الثانية فيسكنون داخل الجامعة في معسكر مدته ثلاثة أسابيع، وينتهي البرنامج بوجود مشاريع علمية في تخصصات مهمة، وببحث علمي متكامل.
أثناء الزيارة التقيت بأعضاء هيئة تدريس وفنيين في تشغيل المعامل نذروا أنفسهم لهؤلاء الطلبة، لتنمية شغف البحث العلمي كمصدر أصيل للمعرفة، وامتلاك التقنية والقوة، كما يتم تهيئة الطالب وتوجيهه لتحديد مساره العلمي المناسب له مستقبلاً، والأهم هو تعلم منهجية البحث العلمي واكتساب المهارات المرتبطة به من أصحاب الخبرة في الجامعة، من خلال إجراء أبحاث علمية، والاحتكاك بالباحثين والمختصين في مراكز الأبحاث.
هذا التعاون بين موهبة (مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع) وبين جامعة الملك سعود ممثلة في وكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي من أهم البرامج التي تقام في فترة الصيف ويتم فيها التعاون بين موهبة ووزارة التعليم والجامعات وأولياء الأمور، ومن هنا أسوق المقترحات الآتية:
أولاً: للجامعات أدوار مختلفة ومهمة في المجتمع، فبعضها يركز على التعليم والتدريب ومنح الشهادات، وبعضها جامعات بحثية، لكن جميعها تشترك في خدمة المجتمع وتطويره علمياً وثقافياً. وهذه البرامج بين جامعة الملك سعود وموهبة مثال على ذلك، ولأهمية هذه التجربة فلا بد من تعميمها في مختلف مناطق المملكة، وكلما كانت الجامعة قريبة من الطالب كان اللقاء أسهل، والبحث العلمي أشمل وأطول.
ثانياً: عدد الطلبة الملتحقين بهذه البرامج قليل جداً مقارنة بعدد طلاب المدارس الثانوية المتميزين، وهذا يحتم أن تكون الجامعات في الصيف كخلية نحل في مختلف أنشطتها العلمية والثقافية والرياضية، فالمعامل والمنشآت كلفت الكثير، وأفضل استثمار لها هو زيادة استخدامها.
ثالثاً: السكن داخل الجامعة وفيما يشبه المعسكر الصيفي يعوّد الطالب على النظام، وممارسة مختلف الأنشطة الرياضية والثقافية، وبناء مهارات الاتصال بكل أنواعها، وإطلاعه على منجزات الوطن في جولات داخل المنطقة وخارجها، وهنا يجب أن يكون الإعداد جيداً، مع حسن اختيار القائمين على هذه البرامج.
رابعاً: البحث العلمي بحاجة إلى أكثر من ثلاثة أسابيع، كي يتيح للطالب فرصة أكبر للعمل على مقترح البحث وتطويره، وربط الطلبة مع أعضاء هيئة التدريس قبل بداية البرنامج بفترة كافية، وهو ما يتيح للطالب أن يقرأ في المجال البحثي المهتم به، ويتعرف على أساسياته.
خامساً: يجب أن يكون لهذه البرامج أهداف محددة، وفي مجال البحث العلمي يجب أن يكون الهدف هو تعلم أسس البحث العلمي وليس التأهيل لحصد الجوائز فقط، فالبحث العلمي طريقه طويل وشاق، ويحتاج لجهد مضاعف من الطالب وعضو هيئة التدريس.
العطلة الصيفية وجدت لتجديد النشاط والتمتع بالوقت بما هو مفيد وله صفة الاستمرارية، والأنشطة الرياضية والعلمية والثقافية والسياحية من أهم ما يشغل أوقات الطلبة والأساتذة والمعلمين، وليس التعاون بين موهبة وجامعة الملك سعود سوى نموذج لهذه الأنشطة المهمة.
الوطن بقطاعيه العام والخاص بحاجة لجيوش من العلماء والباحثين والمبتكرين في كل المجالات.. واقتصاد اليوم أصبح يعتمد بشكل أساس على إنتاج العقول وتوظيفها في الصناعة وغيرها.. واكتشاف المواهب وتطويرها ورعايتها من أهم الاستثمارات التي يمكن أن تتم داخل الوطن وخارجه.
مشاركة الخبر: إعداد علماء المستقبل على وسائل التواصل من نيوز فور مي