سيف بن ذى يزن يبشر بـ النبى.. ما يقوله التراث الإسلامى
قبل مجيئ النبى كانت البشارات كثيرة، وقد ذكرت الكتب بعضها، ومنها ما يتعلق بسيف بن ذي يزن ملك اليمن الذى بشر عبد المطلب بذلك، فما الذي يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "قصة سيف بن ذى يزن وبشارته بالنبى":
قال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطى فى كتابه (هواتف الجان) حدثنا على بن حرب، حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم، حدثنا عمرو بن بكر - هو ابن بكار القعنبى - عن أحمد بن القاسم، عن محمد بن السائب الكلبى، عن أبى صالح، عن عبد الله بن عباس قال:
لما ظهر سيف بن ذى يزن قال ابن المنذر، واسمه النعمان بن قيس، على الحبشة وذلك بعد مولد رسول الله ﷺ بسنتين، أتته وفود العرب وشعراؤها تهنئه وتمدحه وتذكر ما كان من حسن بلائه، وأتاه فيمن أتاه وفود قريش، فيهم عبد المطلب بن هاشم، وأمية بن عبد شمس أبى عبد الله، وعبد الله بن جدعان، وخويلد بن أسد، فى أناس من وجوه قريش.
فقدموا عليه صنعاء، فإذا هو فى رأس غمدان الذى ذكره أمية أبى الصلت:
واشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا * فى رأس غمدان دارا منك محلالا
فدخل عليه الآذن فأخبره بمكانهم، فأذن لهم، فدنا عبد المطلب فاستأذنه فى الكلام، فقال له: إن كنت ممن يتكلم بين يدى الملوك، فقد أذنا لك، فقال له عبد المطلب: إن الله قد أحلك أيها الملك محلا رفيعا صعبا منيعا شامخا باذخا، وأنبتك منبتا طابت أرومته، وعذيت جرثومته، وثبت أصله، وبسق فرعه فى أكرم موطن وأطيب معدن.
فأنت، أبيت اللعن، ملك العرب وربيعها الذى تخصب به البلاد، ورأس العرب الذى له تنقاد، وعمودها الذى عليه العماد، ومعقلها الذى يلجأ إليه العباد، وسلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، فلن يخمد من هم سلفه، ولن يهلك من أنت خلفه.
ونحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذى أبهجك من كشف الكرب الذى قد فدحنا، وفد التهنئة لا وفد المرزئة.
قال له الملك: وأيهم أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم. قال: ابن أختنا؟ قال: نعم. قال: ادن، فأدناه، ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحبا وأهلا، وناقة ورحلا، ومستناخا سهلا، وملكا ربحلا، يعطى عطاء جزلا، قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، فأنتم أهل الليل والنهار، ولكم الكرامة ما أقمتم، والحباء إذا ظعنتم.
ثم نهضوا إلى دار الكرامة والوفود، فأقاموا شهرا لا يصلون إليه، ولا يأذن لهم بالانصراف، ثم انتبه لهم انتباهة، فأرسل إلى عبد المطلب فأدنى مجلسه وأخلاه، ثم قال: يا عبد المطلب إنى مفض إليك من سر علمى ما لو يكون غيرك لم أبح به، ولكنى رأيتك معدنه، فاطلعتك طليعه، فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه، فإن الله بالغ أمره.
إنى أجد فى الكتاب المكنون، والعلم المخزون، الذى اخترناه لأنفسنا، واجتجناه دون غيرنا، خبرا عظيما، وخطرا جسيما، فيه شرف الحياة، وفضيلة الوفاة للناس عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة.
فقال عبد المطلب: أيها الملك مثلك سر وبر، فما هو فداؤك أهل الوبر زمرا بعد زمر؟ قال: إذا ولد بتهامة غلام به علامة، بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة.
قال عبد المطلب - أبيت اللعن -: لقد أبت بخير ما آب به وافد، ولولا هيبة الملك وإجلاله واعظامه، لسألته من بشارته إياى، ما ازداد به سرورا.
قال ابن ذى يزن: هذا حينه الذى يولد فيه، أو قد ولد، واسمه محمد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، ولدناه مرارا، والله باعثه جهارا، وجاعل له منا أنصارا، يعزبهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرائم أهل الأرض، يكسر الأوثان، ويخمد النيران، يعبد الرحمن، ويدحر الشيطان، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله.
فقال عبد المطلب: أيها الملك - عز جدك، وعلا كعبك، ودام ملكك، وطال عمرك - فهذا نجارى، فهل الملك سار لى بافصاح، فقد أوضح لى بعض الإيضاح.
فقال ابن ذى يزن: والبيت ذى الحجب، والعلامات على النقب، إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب، فخر عبد المطلب ساجدا فقال: ارفع رأسك، ثلج صدرك، وعلا أمرك، فهل أحسست شيئا مما ذكرت لك؟
فقال: أيها الملك كان لى ابن، وكنت به معجبا، وعليه رفيقا، فزوجته كريمة من كرائم قومه آمنة بنت وهب، فجاءت بغلام سميته محمدا، فمات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمه.
قال ابن ذى يزن: إن الذى قلت لك كما قلت، فاحتفظ بابنك، واحذر عليه اليهود، فإنهم له أعداء، ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا، واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك، فإنى لست آمن أن تدخل لهم النفاسة، من أن تكون لكم الرياسة، فيطلبون له الغوائل، وينصبون له الحبائل، فهم فاعلون أو أبناؤهم، ولولا أنى أعلم أن الموت مجتاحى قبل مبعثه، لسرت بخيلى ورجلى حتى أصير بيثرب دار مملكته.
فإنى أجد فى الكتاب الناطق، والعلم السابق، أن بيثرب استحكام أمره، وأهل نصرته، وموضع قبره، ولولا أنى أقيه الآفات، وأحذر عليه العاهات، لأعلنت على حداثة سنه أمره، ولأوطأت أسنان العرب عقبه، ولكنى صارف ذلك إليك، عن غير تقصير بمن معك.
قال: ثم أمر لكل رجل منهم بعشرة أعبد، وعشرة إماء، وبمائة من الإبل، وحلتين من البرود، وبخمسة أرطال من الذهب، وعشرة أرطال فضة، وكرش مملوء عنبرا، وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك.
وقال له: إذا حال الحول فأتني. فمات ابن ذى يزن قبل أن يحول الحول. فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول يا معشر قريش: لا يغبطنى رجل منكم بجزيل عطاء الملك و إن كثر، فإنه إلى نفاد، ولكن ليبغبطنى بما يبقى لى ولعقبى ومن بعدى، ذكره، وفخره، وشرفه، فإذا قيل له متى ذلك؟ قال: سيعلم ولو بعد.
مشاركة الخبر: سيف بن ذى يزن يبشر بـ النبى.. ما يقوله التراث الإسلامى على وسائل التواصل من نيوز فور مي