هيئة الغذاء تغرد خارج السرب
الأكيـــد أن المشــــروبات الغازية ليست آمنة على الإطــــلاق، وكـــل المختصين متفقون على هذه المسألة، والأطباء السعوديون يمنعونها عن المرأة الحامل، وعن الأطفال وبعض المرضى، ووزارة التعليم لا تسمح ببيعها في مدارس التعليم العام، ولا يوجد مستشفى في العالم يقدمها ضمن قوائم طعامه..
التفتيش في الأوراق القديمــة مفيد أحياناً، فقد وقفت على تصريح لهيئة الغذاء والدواء السعودية، نشرته في السوشال ميديا عام 2022، وأكدت فيه على مأمونية المشروبات الغازية، وبررت حكمها بأنه جاء استنادا لتقييم من مؤسسات دولية موثوقة، وقـــــالت إنها لن تمنع دخولها إلى المملكة، ولا أعتقد أن أحدا طالبهـــا بذلك، ولم أفهم المنشــــور الذي ظهر وكأنه ردة فعل، ولكني أتمنى عليهــا تزويدنا بتفاصيل إضافية، وتحديدا عن المرجعيات الموثوقة التي تكلمت عنها، لأن وزارة الصحة السعودية، ومعها إدارة الغذاء والدواء الأميركية، ومنظمتي الصحة العالمية والفاو، وغالبية الدراسات والأبحاث لا تؤيدها.
فقد نصحت منظمة الصحة العالمية كل دول العالم في 2016، بأن تفرض ضرائب عالية على المشروبات الغازية، تماما كما هو الحال مع السجائر، حتى يتراجع استهلاكها، وذلك لخطورتها على الصحة، والدعوة وجدت قبولاً مباشراً عند أربعين دولة، وكلها فرضت ضرائب عليها، ما تسبب في تراجع معـــدلات استهلاكها، وحذرت دراسات أميركية نشرت في 2015، بأن التناول اليومي لعبوة أو عبوتين من المشروبات الغازية، بشكليها العادي أو صفري السعــــرات، يرفع نسبة الإصابة بالنوبات القلبية إلى 35 %، ويزيد احتمالية حدوث الجلطات الدماغية بنسبة 16 %، ويفاقم خطر التعرض لمرض السكري من النوع الثاني بنسبة 26 %، وفي 2023، أوضحت الوكالة الدولية لبحوث السرطان، أن مادة (الإسبرتام) المحلية للمشروبات الغازية، يحتمل أن تصيب الشخص بالســـــرطان، وإدارة الغــــذاء والدواء الأمــيركية، صنفت هذه المشروبات بأنها غير آمنة، ونبهت في الثاني من يوليو الماضي، إلى خطورتها وتأثيرها السلبي على الغدة الدرقية.
سوق المشروبات الغازية أرباحه لا يمكن تصــــورها، وقيمته العالمية تقــــدر بحوالي تسع مئة مليار دولار، وتصل حصة المملكة فيها لسبعــــة مليارات دولار، وفق أرقـــام 2023، بخلاف أن شركاته العملاقة، تعتبر من الممولين والرعاة الأساسيين لفعاليات عالمية بارزة، ما يجعلها بمثابة لوبي ضغط مؤثر، ومن الأمثلة، أن الملياردير مايكل بلومبيرغ، عمدة نيويورك الأسبق، منع بيع عبوات المشروبات الغازية الكبيرة في مدينتـه عام 2011، لأضرارها الصحيـــــة، إلا أن شركاتها قامت برفع قضية عليه وكسبتها في 2014، بعدما وصفت المحكمة تصرفه بالمبالغ فيه، وأنه تدخل في الاستقــلالية الشخصية لسكان نيويورك، والسابق لم يكن فاعلا في بداية الألفية الحاليـــة، لأن الناس كانوا مهوســـــين بالصحة وبأضرار المشروبات الغازية، وبالأخـــص فيما يتعلـق بالسمنة المفرطة ومرض السكري وهشاشة العظام، وهو ما يفسر انخفاض استهلاك الشخص السنوي للمشروبات الغازية بالجالون، من 46 جالونا في 2004، إلى 35 جالونا في 2018.
ما حدث في مدينة نيويورك، لم يمنع ولاية فيـــــلادلفيا الأميركية في 2017 وبعد أكثر من محاولة لم توفق، من فرض ضريبة خاصة على المشروبات الغازية، قدرها في حدود نصف دولار لكل لتر، لدورها الأساسي في انتشار السمنة المفرطة بين السكان، وهذه الضريبة ساهمت في دعم ميزانية الولاية بقرابة 91 مليون دولار سنوياً، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فكبار السن ممن تتراوح أعمارهم ما بين 50 و70 عاما، لديهم معاناة صعبة معها، فقد نشر المعهد الوطني الأميركي للصحة في 2013، دراسة استمرت لعشرة أعوام، وتم إجراؤها على 264 ألفاً ممن يستهلكون المشروبات الغازية بينهم، وبإجمالي يتجاوز أربعة أكواب يومياً، وكانت النتيجة أنها ترفع الإصابة بالاكتئاب لديهم بنسبة 30 %، مقارنة بمن لا يشربونها، وأن استبدالها بأربعة أكوب في اليوم، من الشاي والقهوة والعصائر الطبيعية، يخفض فرص الإصابة إلى 10 %.
الفكـــرة الأولية للمشـــروب الغازي بدأت عام 1767، بمعــــرفة الكيميائي الإنجليزي (جوزيف بريستيلي)، بعد أن نجح في تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى غاز سائل، ومن ثم زاد عليه الماء والليمون وقام ببيعه على الناس، وحقق المشروب انتشاراً واسعاً، في ذلك الوقت، لدرجة أن مدينة لندن البريطانيـة وحــــدها، احتـــــوت على خمسين مصنعــــاً لإنتــــاجه، والتصور بأنه يساعد في هضم الطعام، بفعل كثرة التجشؤ التي يحدثها ليس دقيقاً، لأنه في الواقع الطبي، يربك العملية الهضمية بالكامل ويطيل مدتها، ولا يمكن إنزيمات المعدة من العمل بكفاءتها المعتادة.
الأكيـــد أن المشــــروبات الغازية ليست آمنة على الإطــــلاق، وكـــل المختصين متفقون على هذه المسألة، والأطباء السعوديون يمنعونها عن المرأة الحامل، وعن الأطفال وبعض المرضى، ووزارة التعليم لا تسمح ببيعها في مدارس التعليم العام، ولا يوجد مستشفى في العالم يقدمها ضمن قوائم طعامه، ولن يغير في الحقائق السابقة، ما قالته هيئة الغذاء والدواء السعودية، التي يجب عليها أن تراجع نفسها، ليس بالمنع وإنما بإيجاد حلول لخفض الاستهلاك، كإصدار بطاقة ذكية تنظم استهلاكها لكل مواطن ومقيم، وبمعدل عبوة واحدة في اليوم، ولمن أعمارهم فوق 18 عاماً، أو فرض ضريبة عليها، ترفع أسعارها إلى سقف يمنع الإفراط فيها، والأنسب الاتفاق عليها بالتشاور مع وزارتي الصحة والتجارة في المملكة.
مشاركة الخبر: هيئة الغذاء تغرد خارج السرب على وسائل التواصل من نيوز فور مي