فجر جديد للاقتصاد الياباني
شهد هذا الأسبوع حدثاً مهماً، وهو انتخاب شيجيرو إيشيبا، رئيساً للوزراء في اليابان، وبكل تأكيد، لا ينبغي لأحد أن يظن أن الرجل سوف يستمتع بشهر عسل طويل بصفته زعيماً لثالث أكبر اقتصاد عالمي، ذلك أن قائمة المهام الشاقة التي تنتظره تلزمه بالعمل على كافة الملفات بشكل فوري، ودون إبطاء، إذ يتعين على إيشيبا تضييق الفجوة بين الأثرياء، وغالبية الأسر، بالنظر إلى أن نصيب المواطن الياباني من الناتج المحلي الإجمالي لبلاده لا يتجاوز 33 ألف دولار سنوياً، وهذا لا يمثل تغييراً يذكر عن أوائل تسعينيات القرن الماضي، وهذا الرقم أيضاً، أقل بنحو 2.6 مرة من نصيب المواطن الأميركي، ويرجع ذلك جزئياً إلى ضعف الين.
يضع إيشيبا، الاقتصاد على رأس أولوياته، ومن الواضح أنه سيتبع نفس النهج الذي اتبعته إدارة رئيس الوزراء السابق فوميو كيشيدا، وعلى وجه الخصوص، يخطط رئيس الوزراء للتركيز على دعم الطلب المحلي المتأثر بالتضخم، والسؤال الفوري الذي يواجهه إيشيبا هو ما الذي يجب فعله بدعم الكهرباء والغاز والوقود الذي من المقرر أن ينتهي قريبًا، كما تركز سياسته الاقتصادية على تنشيط المدن الصغيرة، وتجديد صناعات الزراعة وصيد الأسماك والغابات والخدمات من أجل خلق فرص عمل في الريف، وفيما يتصل بالطاقة، يسعى إيشيبا إلى استغلال الإمكانات الكاملة للطاقة المتجددة، وهو ليس معارضاً للطاقة النووية، ولكنه يريد خفض نسبتها في مزيج الطاقة، ومن المتوقع أن يتبع إيشيبا إلى حد كبير سياسة كيشيدا في الاستفادة من الطاقة النووية من أجل التحول عن الوقود الأحفوري في اليابان، ورغم أنه ذكر "صفر نووي" عندما أطلق حملته في أغسطس، إلا أنه أكد أن بلاده لابد أن تمضي قدماً في تشغيل مرافق الطاقة النووية الضرورية.
الآن، يتعين على رئيس الوزراء الجديد، تهيئة المجتمع للتكيف مع عودة التضخم، وإذا كان صعود الأسعار هدفاً سعت إليه الحكومات اليابانية طيلة خمسة وعشرين عاماً، فإن الأسر اليابانية قد لا تتكيف مع موجة ارتفاع الأسعار، بالإضافة لذلك، يتعين على حكومة إيشيبا التصدي لتحدي آخر في الخطوط الأمامية، وهو تحقيق التوازن بين الانضباط المالي والشيخوخة السريعة، وإذا كانت الحكومات اليابانية السابقة قد أصدرت جبالاً من الديون حتى تجاوزت أكثر من 250 % من الناتج المحلي الإجمالي، في ظل أسعار فائدة صفرية وتيسير كمي هائل، فإن الأمور اختلفت الآن في ظل سياسة البنك المركزي الياباني، وبالتالي، بجب ابتكار طريقة جديدة لخفض الديون دون انهيار الاقتصاد، وهذا الأمر ليس سهلاً إذا وضعنا في الاعتبار حجم الضائقة المالية التي تعانيها المدن اليابانية متوسطة الحجم بسبب قلة الإيرادات السياحية، وضعف الاستثمارات الأجنبية.
التحديات الخارجية جزء آخر من الصعوبات التي سوف يواجهها إيشيبا، المهووس بالتكنولوجيا، وفي مقدمة هذه التحديات احتمالية عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وما يفرضه ذلك من ضرورة التعامل مع الحروب التجارية المقبلة، التي ينتوي ترمب إشعالها، مما يجعل الاقتصاد الياباني عرضة بشكل ملحوظ للصدمات الخارجية، بالإضافة إلى تحديات أخرى مثل تباطؤ الصين، وعدم الاستقرار الجيوسياسي في الشرق الأوسط وأوروبا، ولهذا، يجب على رئيس الوزراء الجديد أن يبني لبلاد قوة اقتصادية قادرة على تحمل كافة الأخطار التجارية سواءً الداخلية أو الخارجية، وهذه مهمة شاقة تقع على عاتق رجل اليابان الأول، وعلى ما يظهر لنا، فإن إيشيبا لن يهدر أية لحظة في سبيل استعادة الصورة الذهنية الإيجابية عن اليابان.
مشاركة الخبر: فجر جديد للاقتصاد الياباني على وسائل التواصل من نيوز فور مي