هل تساعد النشأة في أسرة كبيرة على تطور شخصية الفرد بطريقة مختلفة؟
تختلف الأوضاع المنزلية لدى الأسر الكبيرة عن غيرها، إذ غالبًا ما تكون صاخبة طوال الوقت، ويتشاجر فيها الأشقاء على دخول الحمام أولًا أو الجلوس في المقعد القريب من النافذة أو الحصول على القطعة الأخيرة من الكعك، لذا قد يشعر الأشخاص الناشئون في أسرة كبيرة بأن لديهم حكايات لا تُحصى عن مغامرات ونزاعات ونكات خاصةً مع أشقائهم.
وراء كل هذا الصخب والفوضى، تؤثر الديناميكية المعقدة للأسرة الكبيرة أيضًا في النمو والتطور بدرجة ملحوظة. تقول المعالجة النفسية سابرينا رومانوف: «تؤثر النشأة ضمن أسرة كبيرة في تطورنا، لأن الأسرة تمثل المجموعة الأولى والأساسية التي ننتمي إليها، وتتحدد طريقة تعاملنا مع جميع المجموعات التي نواجهها في المستقبل بالدور الذي كنا نؤديه في عائلتنا والقوانين التي كانت تسري عليها».
بدءًا من تشكيل سمات الشخصية إلى التأثير في المهارات الاجتماعية، قد تترك ديناميكيات الأسرة الكبيرة بصمةً دائمة، لكن ما الفوائد والتحديات التي تنجم عن النشأة في أسرة كبيرة؟
تمثل الحياة في أسرة كبيرة تجربةً تأسيسية، إذ يتعلم الأطفال المشاركة والتعاون والتنافس وبناء مهارات الحياة الضرورية.
مع ذلك لا يخلو الأمر من عيوب، مثل الإهمال وعدم الحصول على الاهتمام الكافي من الأبوين. يمكن التغلب على هذه التحديات بالتواصل الصريح، وتخصيص وقت لكل فرد على حدة، وممارسة أنشطة وتقاليد خاصة بالأسرة، واتباع قوانين وروتين ثابت.
سمات الأطفال في الأسر الكبيرة
مع أن طبيعة الأطفال تختلف من طفل إلى آخر، فإن بعض الخصال تسود بين معظم أطفال الأسر الكبيرة، مثل:
مهارات تواصل ممتازة: إذ غالبًا ما يتعلم أطفال الأسر الكبيرة تطوير مهارات تواصلهم منذ وقت مبكر بسبب تعاملهم مع أفراد من فئات عمرية مختلفة في أسرتهم. مهارات اجتماعية قوية: عندما تكون الأسرة كبيرة، يرى الأطفال المزيد من الأشخاص في مختلف مراحل الحياة، ما يحثهم على تعلم كيفية التصرف في علاقاتهم مع الأفراد الآخرين في عائلتهم وتطوير مهاراتهم الاجتماعية. التعاون: تفرض الأسرة الكبيرة على أفرادها التعاون معًا لتحقيق غاية مشتركة، مثل تحضير العشاء أو تخطيط حفلات أعياد الميلاد أو مشاركة الحمام، ليتمكن الجميع من الوصول إلى المدرسة أو العمل في الموعد. حل النزاعات: يتعلم الأطفال في الأسرة الكبيرة المشاركة والتضحية والتفاوض مع أشقائهم من أجل الموارد أو الوقت أو المساحة، ما يساعدهم على تطوير مهارات قوية في حل النزاعات. الاعتماد على النفس: عندما لا يتمكن الأبوان من توزيع الوقت والاهتمام الكافي بين أفراد الأسرة، يتعلم الأطفال الاعتماد على أنفسهم أكثر. القدرة على التكيف: قد يتعلم الأطفال المرونة والتكيف عندما يعيشون في بيئة ديناميكية تحتوي على شخصيات وتفضيلات وجداول متنوعة. الحس بالمسؤولية: يبدأ الأطفال في الأسرة الكبيرة بالمساهمة في المهام المنزلية عادةً منذ سن مبكرة، ما يعزز حسهم بالمسؤولية. الصبر: يضطر أطفال الأسرة الكبيرة غالبًا إلى انتظار دورهم، ما يساعدهم على تعلم أن الرضا الفوري ليس ممكنًا دائمًا. المهارة: يتعلم الأطفال الناشئون في أسرة كبيرة التكيف مع الموارد المحدودة، سواء كانت الموارد مالية أو عاطفية، ورغم النقص الذي قد يشعرون به في هذه النواحي، فإن لديهم دهاء ومهارة، إذ يعوضون ذلك النقص بطريقة تساعدهم على النجاح. المرونة: يطور أطفال الأسرة الكبيرة قدرةً على التحمل ومهارةً عالية في التعامل مع التوتر والتكيف مع الفشل. المرح: توفر الأسرة الكبيرة عادةً أجواء حيوية مرحة، ما يعزز حس الفكاهة لدى الأطفال وحبهم للتسلية. الدعم: يحظى أفراد الأسر الكبيرة غالبًا بعلاقات دائمة عميقة ويشعرون بإحساس قوي من الدعم والانتماء. المنافسة: ترسخ النشأة مع العديد من الأشقاء حسًا بالمنافسة بينهم.مع زيادة عدد أفراد الأسرة، قد يصعب الوصول المباشر إلى الأبوين، من ثم يضطر الأبناء إلى تعلم الاستقلالية والصبر والقيادة والتعاون مع الآخرين.
كيف تؤثر الأسرة الكبيرة في تطور الشخصية؟
تختلف تجربة النشوء في أسرة كبيرة من شخص إلى آخر، وهي تعتمد على عدة عوامل مثل قدرة الأبوين العاطفية، ووجود الأجداد أو الأقارب الآخرين، والفجوة العمرية بين الأشقاء، وإتاحة المساعدة أو الدعم.
يرجع الأمر في الحقيقة إلى مدى تمكن الأطفال من تكوين هوية آمنة مرتبطة بالأمان الذي يوفره أساس أبوي قوي. إذ يعزز ذلك شعورهم بالذات وقدرتهم على إيجاد الدعم والحميمية مع الآخرين.
إذا افتقر الأطفال إلى الأمان الأبوي في نشأتهم ولم يحصلوا على الاهتمام الكافي بين أشقائهم، قد يهتز أساس الثقة والترابط الذي يحتاجون إليه لتكوين شعور قوي بالذات.
تتمثل المشكلة غالبًا في أن الموارد لدى آباء الأسر الكبيرة محدودة، فقد يشعرون أنهم لا يملكون ما يكفي من المال أو الغذاء أو الاهتمام أو الدعم العاطفي لكل طفل على حدة.
بينت البحوث بالفعل أن حجم الأسرة عادةً يتناسب عكسيًا مع الموارد التي يستثمرها الآباء في كل طفل، ما يترك أثرًا سلبيًا في تعليمه ونموه وتطوره.
نتيجةً لذلك، قد يندفع الطفل إلى لفت انتباه والديه، إما سلبيًا بالتصرفات المتهورة، أو إيجابيًا بأن يصبح طالبًا مثاليًا، لكن قد يتكيف الأطفال أيضًا بطرق أخرى، مثل كبت احتياجاتهم وتقليص رغباتهم، ذلك أسهل من تحمل الألم الناجم عن عدم تلبيتها.
يُعد الإهمال من أكثر التأثيرات السلبية شيوعًا للنشأة في أسرة كبيرة، إذ تصعب تلبية احتياجات جميع أفراد الأسرة في الوقت ذاته. من ثم قد يعتقد الأطفال أنهم ليسوا جديرين بالاهتمام وتلبية احتياجاتهم، بدلًا من إدراك عدم قدرة والديهم على ذلك.
نصائح عملية لتربية الأطفال في أسرة كبيرة
قد تكون تربية الأطفال في أسرة كبيرة أمرًا ممتعًا وصعبًا في الوقت ذاته، ينصح الخبراء باتباع الاستراتيجيات التالية لرعاية الأسر الكبيرة:
اتباع روتين يومي ثابت للوجبات وموعد النوم والمهام المنزلية والواجبات الدراسية، لمنح أفراد الأسرة شعورًا بالنظام والاستقرار. مشاركة تقويم الأسرة لمتابعة أنشطة جميع الأفراد ومواعيدهم وعدم تفويت شيء. تكليف كل طفل بالمهام المنزلية الملائمة لعمره، لتعليمه المسؤولية والاكتفاء الذاتي. تخصيص وقت لكل فرد من الأسرة على حدة، حتى يشعروا بالاهتمام والدعم. تخطيط أنشطة عائلية روتينية، مثل سهرة الأفلام وأيام الألعاب والنزهات والعطلات، لتعزيز الروابط بين الأفراد. تقدير التقاليد الثقافية والعائلية لتكوين ذكريات مشتركة بين أفراد الأسرة ومنحهم الشعور بالاستمرارية، إذ أظهرت الدراسات أن الحفاظ على التقاليد العائلية ومشاركة الحكايات بين الأجيال يساعد على ترسيخ الهوية الثقافية ويخلق شعورًا بالانتماء. الاحتفال بالمناسبات المميزة، مثل الاحتفال بإنجازات كل فرد من الأسرة على حدة، حتى يشعر بالتميز والتقدير. عقد اجتماعات عائلية بانتظام لمناقشة الخطط ومواجهة المشكلات واتخاذ القرارات على نحو جماعي، حتى يجد كل فرد فرصةً للإدلاء برأيه. خلق بيئة آمنة للحوارات الصريحة، حتى يتشجع كل الأفراد بالتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بصراحة، وينبغي تعليم الأطفال مشاركة أفكارهم ومشكلاتهم بصراحة واحترام. وضع قوانين ثابتة وواضحة، تنطبق عواقب مخالفتها على الجميع. تشجيع الأطفال على الاكتفاء الذاتي، بحثّهم على تلبية بعض احتياجاتهم بأنفسهم، مثل ارتداء الملابس أو إعداد الوجبات البسيطة. المرونة والاستعداد لتعديل الخطط والروتين حسب الحاجة، وإدراك أن المرونة مهمة لتلبية احتياجات الجميع. تحفيز اتباع العادات الصحية، مثل الأكل الصحي وممارسة الرياضة بانتظام والحصول على قسط كافٍ من النوم لتحسين صحتهم النفسية والجسدية. التشجيع على التعاون، بمشاركة الأسرة بالكامل في بعض الأنشطة، مثل الاعتناء بالحديقة والطهي والتطوع، ليتولد الشعور بالوحدة وروح الفريق. تأكيد الدعم وأهمية مساندة أفراد الأسرة لبعضهم في الأوقات الجيدة والسيئة.قد تحتضن الأسرة الكبيرة بيئة راعية ويمثل أفرادها مثل الآباء والأشقاء شبكة دعم قوية، ولكن يُشترط أن تكون حدودها مرنة بما يكفي ليعيش كل شخص الحياة التي يريدها حقًا.
سبل التكيف للأشخاص الناشئين في أسر كبيرة
ما يلي بعض الاستراتيجيات لمساعدة الأشخاص الناشئين في أسرة كبيرة على التكيف:
التفكر في جميع النواحي الإيجابية والسلبية للنشوء في أسرة كبيرة. تقبل أي مشاعر تجاه الأمر، وأنه لا بأس من الشعور بالانزعاج والحب في الوقت ذاته. وضع حدود صحية مع أفراد الأسرة إن لزم الأمر من أجل فرض الذات. التواصل مع الأبوين والأشقاء بصراحة ومشاركتهم المشاعر والمخاوف. استكشاف الهوايات دون ارتباط بالأسرة، مثل الانضمام إلى ناد رياضي. الموازنة بين الاهتمامات، بترتيب المهام حسب الأولوية وإدارة الوقت بين مسؤوليات الأسرة والأنشطة الشخصية. التركيز على الاهتمام بالذات، من الناحية النفسية والجسدية والعاطفية. محاولة إيجاد مساحة شخصية، مثل زاوية للقراءة أو مكان لقضاء بعض الوقت على انفراد.اقرأ أيضًا:
في الدول النامية الأسرة الأكبر من حيث عدد الأفراد هي الأسرة الأفقر
دور الآباء في تطور الصحة العقلية لأطفالهم
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: أكرم محيي الدين
المصدر
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة انا اصدق العلم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من انا اصدق العلم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
مشاركة الخبر: هل تساعد النشأة في أسرة كبيرة على تطور شخصية الفرد بطريقة مختلفة؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي