«أميركا والصين.. ولحظة الانفصال»
قدم الجمهوريون في الكونجرس الأميركي، الأسبوع الماضي، مشروع قانون يهدف إلى إنهاء العلاقات التجارية الطبيعية الدائمة مع الصين، وهو النظام الذي تم تطبيقه منذ عام 2000، وبموجبه يمنح الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، نفس المزايا التي يتمتع بها أعضاء منظمة التجارة العالمية، وذلك لتقليل احتمالية نشوب صراعات تجارية بين البلدين، وقد زعم مقدمو المشروع أن الوضع التجاري الممنوح لبكين أدى إلى اختلال غير عادل في العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، والواقع، أن التلويح بإلغاء هذه الاتفاقية يعد جزءاً من الخطابات العدائية التي يستخدمها بعض الساسة، مثل المرشح الرئاسي دونالد ترمب الذي أكد مراراً، أنه سيعمل على إنهاء الاتفاقية بالكامل، وهنا يصبح السؤال: ماذا سيحدث إذا فقدت الصين علاقاتها التجارية الطبيعية مع الولايات المتحدة؟
تحتفظ واشنطن بعلاقات تجارية وثيقة مع معظم الدول، وقد يؤدي إلغاء هذه العلاقة التجارية مع الصين إلى وضعها في نفس القائمة التي تضم دولاً معادية مثل روسيا وكوريا الشمالية وكوبا وبيلاروسيا، ويسعى مشروع القانون الجديد إلى فرض تعريفات جمركية على المنتجات الصينية على مدى خمس سنوات، حيث يزعم مؤيدوه أن هذا الإجراء سيوفر حماية للولايات المتحدة من السلوك الاقتصادي العدواني للصين، وسيعزز من مرونة سلاسل الإمدادات، ومع ذلك، يتجاهل هؤلاء أن إنهاء الوضع الراهن سيرفع التكاليف على المستهلكين الأميركيين، ويخفض الناتج المحلي الإجمالي، ويقلل من فرص العمل، ويوسع العجز التجاري الأميركي، مما يتعارض تمامًا مع أهداف المؤيدين، وقد تتفاقم الأوضاع سوءاً إذا ردت الصين على هذه الخطوات الانتقامية.
لا شك أن إلغاء الاتفاقية سيشكل حدثاً استثنائياً في تاريخ العلاقات التجارية، وسيضع الاقتصاد العالمي في مأزق، لأن إضافة المزيد من الرسوم الجمركية سيعمق مستويات عدم اليقين، ويضعف القدرة التنافسية للشركات الأميركية، بالإضافة إلى ذلك، فإن إنهاء الوضع الراهن سيزيل جميع الاستثناءات من تعريفات المادة 301 من قانون التجارة الأميركي، مما سيجعل الواردات الصينية تخضع لمعدلات تعريفة مماثلة لتلك المفروضة على الدول التي لا تربطها علاقات تجارية طبيعية مثل كوريا الشمالية وكوبا، وحتى في حال افترضنا أن الصين لن تتخذ أي ردود انتقامية، فإن هذا الإجراء سيؤدي إلى خسارة تراكمية قدرها 1.6 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي الأميركي على مدى خمس سنوات، مع فقدان حوالي 744 ألف وظيفة، وستكون قطاعات الزراعة والتصنيع والتعدين من بين الأكثر تضرراً.
بعيداً عن التداعيات السلبية على تجارة الولايات المتحدة والصين، فإن هذه الخطوة الأحادية الجانب تشكل ضربة موجعة لنظام التجارة متعددة الأطراف، أو العولمة التجارية، وبمجرد خروج المارد من القمقم، فقد يتبع أعضاء آخرون في منظمة التجارة العالمية نفس النهج كلياً أو جزئياً عبر فرض قيود جمركية جديدة ضد بعضهم البعض، إلا أنه يجب أن نلاحظ، أن الإلغاء يتطلب موافقة رئاسية، ففي عام 2022، ألغى البيت الأبيض، بدعم من الكونجرس، العلاقات التجارية الطبيعية مع روسيا وبيلاروسيا في أعقاب غزو موسكو لكييف، وإذا اعتقدنا أن تهديد بعض صناع القرار في واشنطن بإلغاء العلاقات التجارية الطبيعية مع الصين هو مجرد وسيلة للضغط، فإن الواقع يؤكد أيضاً أنهم يمارسون ضغطاً مماثلاً على المستهلكين الأميركيين.
مشاركة الخبر: «أميركا والصين.. ولحظة الانفصال» على وسائل التواصل من نيوز فور مي