في يومها العالمي.. ماذا بقي للفلسفة كي تبحث فيه؟
دأبت منظمة الأمم المتحدة على ال عن سنوات عالمية لموضوع معيّن؛ مثل السنة الدولية للفيزياء عام 2005، والسنة الدولية للكيمياء عام 2011... إلخ. ويتم اختيار السنة وفق حدث متعلّق بالموضوع المُحتفى به؛ فاختيار السنة الدولية للفيزياء عام 2005 على سبيل المثال، جاء تقديراً للذكرى المئوية لعام 1905، وهو العام الذي نشر فيه عالم الفيزياء المعروف، ألبرت آينشتاين، أوراقه العلمية الأربع التي أحدثت تطويراً ملحوظاً في الفيزياء الحديثة.
ولا يقتصر احتفال المنظمة على العلم، بل يتعدّى ذلك إلى مواضيع حياتية أخرى؛ فهناك السنة الدولية للطفل، والسنة الدولية للمرأة، وثالثة للشباب، وهكذا...
كذلك، هناك يوم عالمي لموضوع معيّن يتم الاحتفاء به؛ على سبيل المثال؛ أُقرّ يوم 18 ديسمبر/كانون الأوّل على أنه اليوم العالمي للغة العربية.
ومَنْ يتصفح موقع المنظمة الدولية على الإنترنت سيجد تقويماً بكلّ سنينها الدولية وأيامها العالمية.
من المواضيع المُحتفى بها كانت الفلسفة؛ فقد أعلنت منظمة اليونسكو اليوم العالمي للفلسفة (World Philosophy Day)، ويُحتفل به كلّ ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وقد احتُفل به لأوّل مرّة في 21 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2002.
ولأنّ الفلسفة أداة جيّدة للتساؤل، دعونا نسأل: ماذا بقي منها؟ أو بالأصح، ماذا بقي للفلسفة كي تبحث فيه، في زمان الانفجار المعرفي الذي نعيشه؟
يقول عالم الفيزياء الراحل، ستيفن هوكينج: "لقد سحب العلمُ البساط من تحت قدمي الفلسفة، فلم يبقَ لها إلا أن تُفلسف العلم نفسه"!
فهل انتهى دور الفلسفة؟ لا أظن، فالفلسفة هي أداة للتساؤل والتفكير، فهل ينتهي التساؤل والتفكير؟!
في يومها العالمي نتذكر رجالاتها وعظماءها الذين أثروها منذ أرسطو وحتى الجابري، مروراً بمنْ وضعوا أسساً ومنعطفات حاسمة فيها، أمثال: فرانسيس بيكون وجيتفريد ليبنتز وجورج بول وبرتراند راسل وكارت جودل.
ولا ننسى في حضارتنا العربية الإسلامية ناقد الفلسفة الأكبر الإمام أبا حامد الغزالي وخصمه اللدود، فقيه قرطبة، ابن رشد الحفيد الأندلسي؛ هذا الأخير هو درة تاج الفلسفة في عصره، وآخر عناقيد الحضارة الإسلامية.
الفلسفة أداة للتساؤل والتفكير، فهل ينتهي التساؤل والتفكير؟!
في العصر الحديث لمع نجم أكثر من فيلسوف عربي حاول أن يقدّم فلسفة عربية. أقول حاول؛ لأنه لم يستطع أيّ مفكر عربي أن يتملّص من قبضة الغرب وفلسفته، فنحن أمة لم تعد تنتج إلّا النفط والشعارات!
الدكتور زكي نجيب محمود كان مروّجاً جيّداً للفلسفة الوضعية، في بداياته، ثم انقلب عليها بعد ذلك، ومثله الكاتب أنيس منصور كان مروّجاً للفلسفة الوجودية، وفي فلسفة العلوم سطع نجم الدكتور أحمد فؤاد باشا والدكتورة يمنى طريف الخولي.
مع دعوة الدكتور أحمد فؤاد باشا إلى "أسلمة" العلوم، يشاطره في ذلك الدكتور محمد عمارة، ربّما لمحاولة إضفاء السمة الحضارية على هذه الفلسفة!
بيد أنّ العلم اليوم علماني لا دخل للدين به، لكن الأسلمة عند الرجلين نابعة من اسم الحضارة الإسلامية وليس التدين.
وفي آخر الشوط جاء الدكتور محمد عابد الجابري مُحيياً للرشدية (نسبة لابن رشد الأندلسي)، ومنتقداً ابن خلدون، فيلسوف التاريخ المعروف، الذي يصفه الجابري، في مقالته "الخلدونية وما سكتت عنه"، أنّه تحدّث عن كلّ شيءٍ إلا المستقبل.
وأظن أنّ ذلك يتوافق مع العقلية العربية، التي لا وجود للمستقبل في تفكيرها؛ يلوح ذلك واضحاً في بنية اللغة العربية نفسها؛ إذ نجد تقسيم الأفعال فيها إلى ماضٍ ومضارع وأمر، وليس على غرار لغات أخرى لديها أفعال تعبّر عن المستقبل.
لم تدخل المستقبليات أو علم المستقبل ثقافتنا العربية، ليس بعد
قد يردّ المختصون باللغة العربية بقولهم: إنّ النُحاة العرب يرون أنّ الفعل المضارع يفيد الحال، أي الحاضر، والاستقبال. أقول: صحيح قالوا ذلك، لكن هذا لا يرقى إلى مصاف لغة تُخصّص فعلاً معيناً بذاته للحديث عن المستقبل.
ولأنّ اللغة أداة التفكير، لذا لم تدخل المستقبليات أو علم المستقبل ثقافتنا العربية على الرغم من محاولات عالم الأنثروبولوجي المصري الدكتور أحمد أبو زيد، وعالم الاجتماع المغربي الدكتور المهدي المنجرة، تأسيس هذا العلم.
ويظلّ السؤال سارياً: هل هناك فلسفة عربية؟
المفترض أنه هناك، لكن أين هي؟ ما ملامحها؟ أم نحن مجرّد مقلدين، بل مقلدون بائسون؟!
هناك إجابات قدّمها مفكر بحجم الدكتور أبو يعرب المرزوقي في كتابه "تجليات الفلسفة العربية"، وكتاب "آفاق فلسفية عربية معاصرة" الذي يتحاور فيه مع الدكتور طيب تيزيني، لكنها تحتاج مقالة أو مقالات مستقلة بذاتها لمناقشتها.
مشاركة الخبر: في يومها العالمي.. ماذا بقي للفلسفة كي تبحث فيه؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي