القُصَّاص والإخباريون (التَّسمية)
استعملت تسمية «القصاص» و»الإخباريين» في كتب التراث عدّة استعمالات، دائرة بين المدح والذمّ، وقد يتداخل الاسمان مع أسماء أخرى. و»القصّاص» لفظ غلب إطلاقه على: من يعظ، ومن يذكّر، ومن يقصّ؛ و»القاصّ هو الذي يتبع القصّة الماضية بالحكاية عنها... وفي الغالب هو من يروي أخبار الماضين. وهذا لا يذم لنفسه، لأن في إيراد أخبار السالفين عبرة لمعتبر، وعظة لمزدجر، واقتداء بصواب لمتّبع، وقد قال الله عز وجل: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين)[يوسف:3]، وقال: (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم)[آل عمران:62]». فالقصص من أهم الألوان البيانية في القرآن الكريم؛ ما التُزم بقصص القرآن (وهذا ليس محل تبيين المقال).
ومن الألفاظ المداخلة حيناً: «المذكّر» و»الواعظ»، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: «قد صار اسم القاصّ عاماً للأحوال الثلاثة»، ومن الشواهد على هذا العموم المعنويّ قول أحمد بن حنبل رحمه الله: «يعجبني القصّاص؛ لأنهم يذكرون الميزان وعذاب القبر»؛ وهذا تذكير ووعظ لا قصُّ (عند التمييز). وهناك من فرّق بين المذكّر والقاصّ، كما جاء في قوت القلوب: «ومن الدليل على فضل هذا العلم على سائر العلوم؛ ما جاء في الأخبار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين، في فضل مجالس الذكر وفضل الذاكرين...، ولا يعنون بذلك القصّاص؛ لأنهم كانوا يرون القصص بدعة»؛ ففرّق هنا بين المذكّر والقاصّ، مما يدلّ على أنه تداخل شوّش المسمّى، مما دعاه للتمييز لغرض ما. وموجز التداخل والتمايز: إنّ لكل لفظ استعماله إن حدّد وفرّق عن غيره، وبحسب سياقه التاريخي. وبشكل عام فالألفاظ الثلاثة تطلق للدلالة على تلك الفئة التي تعظ وتقصّ وتذكّر، مالم يرد في السياق ما يفيد التخصيص.
أمّا الموضوع الذي يطرقه القاصّ فهو «القصص والأخبار الماضية» وعّرفت من جهتين، جهة تصنيفها ضمن موضوع أشمل، وجهة الوظيفة والطبيعة، وقد يتوسّع البعض ليجعلها تحت لفظ «الإسرائيليّات»: وهي قصص وأساطير من أهل الكتاب، وأطلقت في كتب التفسير والحديث على كل ما وضع من قصص وأباطيل؛ لأن أغلبها من مصدر إسرائيلي، وإن شملت غيرها من مصادر أُخر. ويمكن إجمال الدلالة للموضوع بـ «القصّ والإخبار»: «هو فن مخاطبة العامّة ووعظهم اعتماداً على القصّة، والمقصد من القصص –في الأصل- مقصد دينيّ طيب، إذ في إيراد القصّة موعظة وعبرة». ويُمكن أن يُعدّ القصّ/ السرد ضمن دائرة أدبيات الخطاب، وهو أقوى أنواع الخطابات الأدبية سلطة على المتلقي، وأقربها لصوقاً بالوعاظ، ولذلك كانوا يسمّون بالقُصّاص، إذ الخطاب الوعظي كثيراً ما يتكئ على القصص القديمة، من أجل شدّ الانتباه والتأثير في المتلقين، والسيطرة على عواطفهم، ومن ثمَّ توجيههم. هذه الوظائف القوية للقصة صنعت «الرمز-النجم» وهو القاصّ، لأنه مطلوب ومرغوب من قِبل الناس، ويتكاثر حوله الأتباع والمعجبين.
إذن، مما سلف ثمّة دلالتين، دلالة متعلقة بذات الفاعل «القاصّ»، ودلالة موضوعه المبثوث «القصص»؛ والثاني لتغليب لون من الخطاب أشاعوه وهو «الخطاب القصصي»، و»هذا متفق مع معنى القصّ لغة؛ إذ يعني الإخبار بالشيء، فيقال: قصّ عليه الرؤيا إذا أخبره بها، والقاصّ هو الذي يأتي بالقصّة على وجهها». وفي ذا جمع للدلالتين: القصّ والإخبار.
مشاركة الخبر: القُصَّاص والإخباريون (التَّسمية) على وسائل التواصل من نيوز فور مي