الدنمارك: ضغوط لاتخاذ موقف واضح بشأن أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت
تتعرّض الحكومة الدنماركية برئاسة ميتا فريدركسن لضغوط سياسية وإعلامية من أجل موقف واضح بشأن تنفيذها مذكرة الاعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت على أراضيها، وهي المذكرة الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية الخميس الماضي. صباح أمس الجمعة قدم الحزب اليساري، "إنهدسليستا" (اللائحة الموحدة)، مذكرة استجواب برلماني مستعجلة لوزير الخارجية لارس لوكا راسموسن لتوضيح الموقف من المذكرة، إذا ما هبطت طائرة نتنياهو في الدنمارك.
حزب "إنهدسليستا" وأحزاب أخرى يودون في استجواب مقرر الأربعاء القادم، إذا لم يصدر إلى حينه موقف واضح من المذكرة، تقديم الحكومة ضماناً أكيداً بأن البلد سيطبق الاعتقال. وتشكل مذكرة الجنائية الدولية دفعة قوية للأصوات المطالبة بفرض عقوبات ومقاطعة سياسية واقتصادية على تل أبيب. فمواقف حكومة فريدركسن خلال الحرب على غزة بقيت تراوح حول تشكيك وإنكار وجود دلائل على ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية. وسعت مؤخراً نحو تجريم بعض مفردات انتقاد الاحتلال بحجة "معاداة السامية".
ويبدو أن مسارعة اليسار، مسنوداً بمواقف أحزاب برلمانية أخرى وشهادات خبراء في القوانين الدولية وجرائم الحرب، ضغطت على وزير الخارجية راسموسن للخروج بموقف مساء أمس يقول فيه إن بلده "مؤيد قوي للمحكمة الجنائية الدولية وتدعم استقلالها". ونقل التلفزيون الدنماركي تأكيد راسموسن أن "الدنمارك وبصورة واضحة تمتثل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وإذا كانت هناك شبهات بارتكاب جرائم دولية، فيجب التحقيق فيها، ومحاكمتها إذا لزم الأمر".
بالطبع مثل هذا الموقف غير الواضح من تطبيق مذكرة الاعتقال على الأراضي الدنماركية، تنتقده الأحزاب ومواقف حقوقية وإعلامية نشرت، اليوم السبت، رفضاً قطعياً أن يفسّر الموقف الدنماركي وكأنه في صف رئيس حكومة المجر القومي المحافظ، فيكتور أوربان، في رفضه المذكرة ونيته دعوة نتنياهو زيارة بودابست.
مطالب بمراجعة السياسات والعلاقة مع إسرائيل
على ضوء مذكرة الاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية تعالت الأصوات المطالبة بإجراء "مراجعة شاملة لسياسات الدنمارك بشأن فلسطين وإسرائيل". وكان في بداية الشهر الحالي (نوفمبر) تقدم حزب راديكال فينسترا (يسار وسط) بمقترح تشريع يجعل من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية قانوناً مستقلاً يطبق أمام المحاكم الدنماركية. وقبل صدور مذكرة الجنائية الدولية رد وزير العدل الدنماركي، بيتر هاميلغورد (من يسار الوسط) على سؤال من البرلمانية زينا ستامب (من راديكال) حول كيفية تصرف وزارته إذا ما حطت طائرة نتنياهو في مطار كوبنهاغن معتبراً "الأمر افتراضي، لأنه لم يتم إصدار مذكرة اعتقال". والآن لم يعد السؤال افتراضياً، ما يدفع الأحزاب إلى المطالبة بتطبيق الاعتقال. بالطبع يحاول بعض أصدقاء الحركة الصهيونية الدنماركيين اعتبار أن توقيف نتنياهو لا يجوز "لأنه يتمتع بحصانة"، وهو أمر كشف خبراء قانون دولي أنه غير صحيح ولا يشمل الحصانة قرارات الجنائية الدولية.
وزير الخارجية الدنماركي تلقى انتقادات لأنه تحدث مع نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر، إذ أكد راسموسن أنه ناقش مع ساعر على وجه الخصوص مذكرة الاعتقال. وشدد راسموسن على أن "الوضع الإنساني كارثي في غزة، وهناك حاجة إلى وقف إطلاق النار وزيادة وصول المساعدات وضرورة إطلاق سراح الرهائن".
الحكومة الدنماركية تشعر بحرج وبأن حلقة المناورة تضيق عليها، وسط ارتفاع الأصوات السياسية والإعلامية المطالبة بوقف الاتصال والعلاقة مع تل أبيب. فهي بالأصل ملاحقة من منظمات عدة، بما فيها منظمة العفو الدولية وأوكسفام والتعاون بين الشعوب، لمشاركتها الاحتلال بجرائم الحرب من خلال مواصلة تزويدها طائرات أف 35 الأميركية بتقنيات وقطع هامة. وتطالب المتحدثة باسم الشؤون الخارجية في الحزب اليساري، إنهدسليستا، ترينا بيرتو ماك، بتجميد العلاقات ووقف التصدير إلى إسرائيل.
الضغوط تمتد إلى الصحافة
وامتدت الضغوط التي تتعرض لها الحكومة الدنماركية إلى الصحافة، التي تذهب نحو المطالبة بتنفيذ المذكرة على الأرض الدنماركية وبتجميد العلاقة بإسرائيل. على سبيل المثال جاءت افتتاحية صحيفة بوليتيكن بعنوان: "على الدنمارك تجميد علاقتها بإسرائيل حتى يستسلم نتنياهو أو تنتهي القضية (اتهامات الجنائية الدولية)". وذهبت صحيفة إنفورماسيون إلى افتتاحية بعنوان: "على الدنمارك الوقوف إلى الجانب الصحيح في النضال من أجل المحكمة الجنائية الدولية".ووجهت الصحيفة سؤالاً واضحاً لحكومة فريدركسن:"بعد مذكرات الاعتقال التاريخية: هل ستدافع عن النظام القانوني الدولي أم ستعمل على تقويضه دفاعاً عن نتنياهو وغالانت؟".
وجاءت تغطية الصحافة الدنماركية لمجريات الحرب على غزة ولبنان لتمس السردية الإسرائيلية التي طغت في تغطيات السنوات السابقة، وهو ما ساهم أيضاً في رأي عام مشكك بتلك السردية. وفي مرات كثيرة كانت تلك الصحافة تتناول من خلال خبراء ومتخصصين جرائم الحرب المرتكبة، واستخدام التجويع سلاحاً. وأدت بعض الصحف من خلال تحقيقات إلى إحراج الدنمارك بشأن "مخاطرتها في المشاركة بجرائم حرب إسرائيلية، من خلال تصدير مصنع تيرما العسكري تقنيات تساهم بقصف وقتل المدنيين في غزة"، بحسب خبراء تحدثوا لصحيفتي إنفورماسيون ودان ووتش.
عموماً، تتفق اليوم معظم وسائل الإعلام الدنماركية على القول إن "إسرائيل، وبسبب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية أمام المحاكم الدولية تتحول إلى قائمة الدول المنبوذة".
مشاركة الخبر: الدنمارك: ضغوط لاتخاذ موقف واضح بشأن أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت على وسائل التواصل من نيوز فور مي