انتهاء التعداد السكاني في العراق... انعكاسات مجتمعية مرتقبة
حرصت الهيئة العليا للتعداد العام للسكان والمساكن في العراق على تأكيد النجاح الذي رافق عملية التعداد السكاني التي انتهت، وسط توقعات إيجابية بأن تساهم نتائجه في حلحلة مشاكل عدة في البلاد
انتهت عملية التعداد السكاني في العراق الذي أُجري على وقع تأهب أمني كبير، وحظر شامل على التجول، في خطوة طال انتظارها وتهدف إلى توفير بيانات دقيقة عن السكان، عدا عن مساهمته في تحسين التخطيط الاقتصادي والخدمات العامة، وتوزيع الموارد بشكل أكثر عدالة بين محافظات البلاد، الأمر الذي من المفترض أن تكون له نتائج مجتمعية واضحة، وسط دعوات إلى الاستفادة من بياناته لبناء الخطط المستقبلية.
وكان من المقرر أن يكون التعداد السكاني لمدة يومين فقط، لكن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وجه فرق التعداد العاملة على تنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن في عموم العراق، باستكمال عملية التعداد حتى يوم أول من أمس الجمعة، ما يعني أن التعداد استمر لنحو 72 ساعة.
ووفقاً للهيئة العليا للتعداد العام للسكان والمساكن، فإن النتائج ستعلن الأسبوع الحالي. وذكرت الهيئة في بيان أنها "تعلن انتهاء المرحلة الثانية من التعداد السكاني، وهي مرحلة سجل الأسرة التي استغرقت ثلاثة أيام"، مبينة أن "ما تحقق في هذه المرحلة يعد إنجازاً كبيراً للعراق والعراقيين، في ضوء ضخامة العمل والتحديات الكبيرة، إذ وصلت نسبة التغطية للأفراد والأسر والمباني سقوفاً عالية جداً قاربت الـ 100%، وهي أعلى نسبة تُسجَّل في تاريخ التعدادات العراقية، وعلى مستوى دول المنطقة، وكان للجهود الاستثنائية التي بذلتها الفرق الميدانية الدور البارز بتحقيق هذا النجاح الكبير للمشروع".
وأشادت الهيئة بـ"مستوى الاستجابة العالية للمواطنين، التي كان لها أبلغ الأثر في الوصول الى الأهداف، فضلاً عن دور الأجهزة الأمنية في توفير بيئة آمنة وهادئة للباحثين الميدانيين لإنجاز مهامهم"، مشيرة إلى أن "إجراء ونجاح مشروع التعداد السكاني يؤكد إيفاء الحكومة بالتزامتها، إذ سيكون لنتائج ومخرجات هذا التعداد الأثر الفعال في توجيه مسارات التنمية نحو أهدافها الصحيحة، وبالتالي تحسين مستوى الخدمات وتحقيق النمو الاقتصادي المنشود".
التعداد السكاني كان واحداً من الملفات الجدلية والعالقة في العراق جرّاء الخلافات السياسية من جهة، ونوعية الأسئلة التي كانت قد تضمنتها النسخ الأولى من استمارات التعداد، والتي شملت أسئلة عن المذهب والطائفة، وهو ما قوبل بحملات رفض من قبل الحركات الوطنية والمدنية والصحافيين والنشطاء في البلاد. وأجري التعداد أخيراً، وهو الأول من نوعه منذ عام 1997.
في هذا السياق، يقول عضو البرلمان العراقي، عامر الفايز، إن "التعداد السكاني نجح في العراق، وهو انتصار عراقي مهم لأنه سيحدد شكل الإدارة التنظيمية والاقتصادية والمالية في البلاد بشكلٍ أكثر عدالة من السابق، بالإضافة إلى كونه قاعدة بيانات جديدة نفهم من خلالها الوضع الحقيقي لحالات الفقر والبطالة والحاجة للخدمات". ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن "أعضاء مجلس النواب راقبوا عملية إجراء التعداد السكاني، وظهر لنا مدى التعاون عالي المستوى بين المواطنين والعدادين من جهة، ودوائر ومؤسسات الدولة في ما بينها من جهة ثانية".
إلى ذلك، كشفت إحصائيات صادرة عن وزارة داخلية إقليم كردستان، شمالي العراق، تسجيل أكثر من مليون نازح ولاجئ في الإقليم، وفقاً للتعداد السكاني. وبحسب هيئة الإحصاء في الإقليم، فإن النازحين واللاجئين يشكلون نسبة 15% من سكان الإقليم بإجمالي 1,022,293 شخصاً، مع العلم أن منظمات حقوقية عراقية أكدت في وقتٍ سابق أن عدد النازحين العراقيين يفوق المليون نازح، منهم 400 ألف نازح ممنوعون من العودة مباشرةً من قبل الفصائل المسلحة إلى جرف الصخر والعويسات ومناطق تكريت والمقدادية وغيرها.
من جهتها، أشارت عضو فريق التعداد السكاني في جانب الرصافة من العاصمة بغداد، لينا أشرف، إلى أن "التعداد لم يشهد إخفاقات كبيرة أو كارثية، بل بعض الأخطاء واردة الحصول والطبيعية، وهو بسبب تعقد بعض نقط البحث خلال التعداد"، موضحة لـ"العربي الجديد"، أن "التعداد لم يشهد عمليات تزوير بالأرقام أو أعداد السكان في بعض المناطق، لكن حدث أن بعض المناطق لم تكن متعاونة، في حين أن عدداً من العوائل العراقية غادرت إلى خارج العراق لغرض السياحة لأنها غير مكترثة بالتعداد، في حين أن عوائل أخرى كانت تتسابق من أجل التسجيل في التعداد، وبصراحة هذا أمر طبيعي في العراق".
وتلفت أشرف إلى أن "التعداد يعتمد على الهويات المسجلة، والبطاقات الوطنية والتموينية. بالتالي، فإن التلاعب بالأرقام غير ممكن، لكن صدرت بعض التعليقات من السياسيين بسبب خشيتهم حدوث أي مشاكل في المناطق المتنازع عليها ما بين أربيل وبغداد"، مضيفاً أن "التعداد السكاني ساهم في توفير قاعدة بيانات عن العراقيين، وكشف عن وجود معمرين في العراق، مثل المرأة العراقية التي زاد عمرها على المائة عام، وهي من مواليد عام 1900، لتكون أكبر معمرة في العراق".
من جهته، يؤكد الباحث في الشأن المجتمعي، غسان علي المهداوي، أن التعداد ستكون له أهمية مجتمعية وانعكاسات واضحة على المجتمع في حال تمكّن الحكومة من استغلال بياناته بالشكل الصحيح، مبيناً لـ "العربي الجديد" أن "نتائج التعداد ستقيّم الوضع السكاني بشكل عام، والتغييرات الديمغرافية، والبطالة والفقر وتصنيف الفئات العمرية والمستوى التعليمي، ونسب المتسربين من المدارس، والدخل العائلي وغير ذلك".
ويوضح أن "تلك البيانات ستعتمد لاحقاً في جميع الوزارات، بل ستكون قاعدة أساسية تترتب على أساسها الخطط التنموية التي تتضمن جزئيات كثيرة، من بينها الحاجة للأيدي العاملة واستغلال العاطلين في ذلك"، مبيناً أن "النتائج غير مجدية إلا إن بنيت الخطط المستقبلية في ضوئها. وحينها، سيكون هناك انعكاسات مجتمعية كبيرة جداً من خلال التخلص من البطالة وتوزيع العاطلين على الوزارات والمشاريع، ومعرفة أسباب التسرب من المدارس ومعالجتها، وبناء البرامج الاقتصادية والسياسية بحسب تلك البيانات، وهذا سينتج منه استقرار مجتمعي والتخلص من الكثير من الظواهر غير المقبولة التي تفشت في المجتمع وأثرت فيه سلباً".
ويشدد على أنه "يجب أن نلمس من الحكومة تحركاً لبناء خططها ومعالجاتها بحسب معطيات التعداد، وإلا فلا جدوى منه بمعرفة الأرقام فقط. وبعد التعداد ننتظر المعالجات الحكومية".
وفرضت السلطات العراقية، في تمام الساعة 12 من منتصف ليل الثلاثاء بالتوقيت المحلي، حظراً على التجول في جميع محافظات البلاد، وأُغلِقَت الحواجز الأمنية ومداخل المدن ومخارجها كافة لمنع التنقل، ورافق التعداد أيضاً حالة الإنذار (ج) للوحدات الأمنية والعسكرية العراقية.
وكان آخر تعداد سكاني قد أجري عام 1997، استُثنيت منه محافظات إقليم كردستان - العراق الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، لأنها كانت خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام العراقي في ذلك الوقت. وأظهر التعداد حينها أن عدد السكان يبلغ 22 مليون نسمة. ويُجرى التعداد السكاني في العراق مرة واحدة كل عشر سنوات، وكان من المفترض أن يُجرى عام 2007، لكنه تأجل إلى عام 2009 بسبب الظروف الأمنية، ثم تأجل عشر سنوات بسبب المشاكل الأمنية وظهور تنظيم "داعش". وفي 2019، أُرجئ مُجدداً بسبب خلافات سياسية تخصّ المناطق المتنازع عليها وعدم وجود تخصيصات مالية، وجائحة كورونا.
مشاركة الخبر: انتهاء التعداد السكاني في العراق... انعكاسات مجتمعية مرتقبة على وسائل التواصل من نيوز فور مي