في ذكرى استشهاد الدرة.. أطفال فلسطين بين رحى الرصاص والفقر
العالم - فلسطين
وبالتزامن مع الذكرى السنوية العشرين لارتقاء الشهيد الطفل محمد الدرة ، والذي استهدفه الاحتلال الإسرائيلي بنيرانه أمام مرأى ومسمع العالم في الثلاثين من سبتمر/ أيلول 2000 إبان انتفاضة الأقصى، ما زال الاحتلال يسير في مسلسل الاستهدافات اليومية للأطفال الفلسطينيين.
ويرى مراقبون أن الاحتلال الإسرائيلي يهدف من وراء الاستهداف المتعمد للأطفال إلى تشكيل جيل مشوّه لا يستطيع المطالبة بحقوقه، إضافة إلى محاولة ردع الفلسطينيين من خلال اعتقال أطفالهم وإصابتهم وإعاقتهم وقلتهم في كثير من الأحيان، مما يتسبب في تحطيم مستقبلهم وإنهاء حياتهم وهم في سن الطفولة.
استهداف منظّم
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن أعداد الأطفال الفلسطينيين المستهدفين سواء بالقتل أو الإصابة أو الاعتقال تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمّد في ذلك ضمن خطط احتلالية مدروسة لاستهداف الأجيال الفلسطينية المتعاقبة والتي يشكل الأطفال النواة الأولى لها.
وأشارت بيانات لـ "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" إلى أن عدد حالات الاعتقال في صفوف الأطفال "دون سن الثامنة عشر" بلغت خلال عام 2019 حوالي 889 طفلاً، في حين بلغ عدد الأسرى الأطفال في سجون الاحتلال الإسرائيلي حوالي مئتي طفل نهاية عام 2018.
كما أوضحت إحصائيات رسمية إلى أن أكثر من 28 طفلاً ارتقوا شهداء خلال العام المنصرم 2019، بينما كان عدد الأطفال الشهداء قرابة 57 شهيداً في عام 2018.
وبحسب الإحصائيات فإن الاحتلال يتعمّد في إصابة الأطفال بإصابات تؤدي إلى إعاقات مستديمة بحيث يشكل هؤلاء عبئا على أهلهم وعلى المؤسسات الرسمية والخيرية، حيث أشارت إحصائيات للمركز الفلسطيني للإحصاء إلى أن أكثر من 45000 طفلاً فلسطينياً يندرجون تحت مسمى الجرحى والمعاقين منذ عام 2000.
عوائل الشهداء تؤكد الصمود
في ذات السياق، قال جمال الدرة والد الشهيد محمد الدرة في تصريح خاص لمراسل وكالة القدس للأنباء (قدسنا) في غزة: إن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد بشكل واضح استهداف الأطفال من خلال الرصاص الحيّ مما يؤدي إلى بتر أطرافهم وإعاقتهم أو استشهادهم لأنه يعرف أن هؤلاء الأطفال هم جيل التحرير القادم الذي سيقارع الاحتلال لأخذ الحق منه.
وأكد الدرة تزامناً مع الذكرى العشرين لاستشهاد ابنه محمد، بأن مواجهة الاحتلال متواصلة وأن استهداف الأطفال في محاولة إنهاء مستقبلهم لن تنال من عزيمة الشعب الفلسطيني.
أما والد شهداء مجزرة عائلة الدلو والتي وقعت في العدوان الإسرائيلي 2014، فقد اعتبر أن الاستهداف الإسرائيلي لأبنائه الشهداء وزوجته وأحفاده هو بمثابة ابتلاء من الله عز وجل يستدعي الصبر والإرادة والتحدي لغطرسة هذا العدو.
وقال والد الشهداء جمال الدلو إن سياسة الاحتلال الإسرائيلي قائمة على القتل والدم وسرقة الأرض واستهداف الأطفال بشكل خاص من خلال ارتكاب المجازر الدامية، مؤكدا أن عوائل الشهداء الفلسطينيين ستبقى صابرة صامدة في وجه غطرسة الاحتلال.
وأضاف الدلو:" أن القصف الإسرائيلي المفاجئ للبيت خلّف 12 شهيداً كلهم من الأطفال باستثناء زوجته وزوجة ابنه وابنه"، مشيراً إلى أن الاحتلال لم يعط وقتا للعائلة لإخلاء البيت من ساكنيه قبل قصفه.
بدوره أكد زكريا بكر أحد وجهاء عائلة بكر الفلسطينية، أن نظرية الاحتلال الإسرائيلي بأن الكبار يموتون والصغار ينسون سقطت أمام صمود الأطفال الفلسطينيين الذين يتقدمون الصفوف لمواجهته على الحدود مع المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة.
وأضاف بكر أن الاحتلال استهدف بنيران مدافعه ورشاشاته أربعة أطفال من عائلته كان يلعبون كرة القدم على شاطئ بحر غزة في عدوان 2014، وأصابوا عددا آخر من الأطفال الذي شهدوا المجزرة وما زالوا يتلقون العلاج النفسي حتى يومنا هذا.
وأوضح بكر أن الاستهداف الإسرائيلي للأطفال يهدف إلى إنهاء الوجود الفلسطيني وتدمير مستقبلهم ومحاولة تزييف التاريخ من خلال قتل الجيل الصاعد وارتكاب المجازر بحقهم وقصف بيوتهم وهم يتواجدون فيها.
أمهات الشهداء يستذكرن أطفالهن
وقالت أم الشهيد الطفل حسام السرساوي: إن الاحتلال الإسرائيلي قام بقتل ابنها الطفل وهو لا ذنب له لأن سياسة الاحتلال قائمة على إعدام الأطفال الفلسطينيين بدم بارد، وتقوم باستهدافهم بالطائرات والرصاصات وقذائف المدافع.
أما أم الشهيد الطفل محمد الزق: كان محمد عمره 15 وكان يريد التسجيل في المعهد الأزهري ليدرس الشريعة والعقيدة الإسلامية قبل استشهاده، لكنه استشهد قبل أن يحقق حلمه بذلك وذهب إلى الجنة قبل أن يكمل نصيبه في الدنيا، مؤكدة أنها مؤمنة بقضاء الله وقدره وتحسبه شهيداً عند الله.
وأضافت أن ابنها استشهد في اجتياح القبة، حيث قامت الدبابات بالتقدم باتجاه الحي الذي يسكن فيه.
الاحتلال يتجاوز القوانين الدولية
من ناحيته قال مدير مركز مسارات لحقوق الإنسان، صلاح عبد العاطي: إن "إسرائيل" تتعمد استهداف الأطفال بدون أي ضوابط أو روادع حتى تجبر المجتمع الفلسطيني على الاستسلام لإرادته، وبالتالي توقع خسائر بالغة ولا تكترث بالمسؤولية عن هذه الجرائم أمام المجتمع الدولي وتستمر في ذلك بدون حساب سواء من خلال الحصار الذين يعيق قدرة ذويهم على ضمان حقوق الطفل، وهذا ما يرفع نسبة الأمراض وسوء التغذية، أو من خلال استهدافهم عبر العدوان الإسرائيلي، أو من خلال اعتقالهم عبر الحواجز في الضفة الغربية والقدس.
لافتاً إلى أن الاحتلال هو الجهة الوحيدة التي تشرع اعتقال الأطفال دون سن 14 عاما، موضحاً أن إسرائيل ما زالت تعتقل حوالي 400 طفل للتأثير على مستقبلهم.
تواطؤ القيادة السياسية مع العسكرية
بدوره قال المدير التنفيذي لمؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، علاء سكافي: أن السبب الرئيسي الذي يدفع دولة الاحتلال على قتل الأطفال الفلسطينيين هو عدم محاسبة ومساءلة قادتها السياسيين والعسكريين على جرائمها، وهي تهدف من وراء ذلك زرع الرعب والخوف في صفوف المواطنين الفلسطينيين ولقتل الروح المعنوية لديهم.
وتابع سكافي أن دولة الاحتلال تقوم بفرض عقوبات جماعية وتكاليف مالية كبيرة جدا لإخراج الأطفال الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وتقوم بتجاوز كل القوانين والاتفاقيات الدولية التي تضمن حمايتهم، كما تقوم باعتقالهم عبر الحواجز لأسباب لا تتجاوز إلقاء الحجارة.
وما بين الاستهداف الإسرائيلي المتواصل للطفولة الفلسطينية، ما زال الاحتلال يفرض حصاراً بريا وبحرياً وجوياً على قطاع غزة، مما ألقى بظلاله على حياة الأطفال الفلسطينيين الذين أصبحوا يواجهون مستقبلا مجهولا بفعل تفشي الفقر والبطالة وانعدام فرص العمل وانهيار الواقع.
وأشارت تقارير حقوقية إلى أن أطفال فلسطين يعانون من الحصار المفروض على القطاع ضمن مسلسل الاستهداف الإسرائيلي لهم، فهم يواجهون ظروف الحصار التي أدت إلى سوء تغذيتهم وضياع مستقبلهم بما أنهم جيل شباب المستقبل، حيث لا حل في الأفق في ظل استمرار الخطط الاحتلالية القائمة على استهداف الأجيال الفلسطينية المتعاقبة.
ويحيي الإيرانيون اليوم تحت عنوان التضامن مع الطفل الفلسطيني الذي يصادف ذكرى استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة علي يد قوات الاحتلال الاسرائيلي.
*وكالة القدس للانباء
مشاركة الخبر: في ذكرى استشهاد الدرة.. أطفال فلسطين بين رحى الرصاص والفقر على وسائل التواصل من نيوز فور مي