​سيد قطب.. الرأي والرأي الآخر (1)

تمثل كتابات الأستاذ سيد قطب علامة بارزة في الفكر الإسلامي المعاصر. والحقيقة أن قطب رحمه الله تنازعت فيه مشارب شتى وكل حاول توظيف أطروحاته الفكرية لصالحه، ما بين الغلاة الذين اتخذوا من أطروحاته الفكرية قواعد فقهية وكفروا بها المجتمعات، والمعتدلين. لذا فمن الظلم البين أن تنسب أفكار سيد قطب أو يحمل تيار بعينه سيد قطب فكل التيارات على الساحة نهلت من سيد قطب. فالبعض تعامل مع أطروحات قطب كقضايا فقهية مع أنه ليس بفقيه، مثل مصطلح الجاهلية، والبعض تناولها كتوصيف لحالة فكرية.

فقطب ولا شك أنه كان له أثر ممتد حتى الآن سواء بالإيجاب أو السلب حسبما فهم من قرأ كتاباته. ويرجع ذلك إلى أفهام من قرأوا لقطب، فمنهم من تأول تلك الكتابات تأويلا فاسدا وحمل قطب ما لم يقصده وجنح وغالى في التكفير واستخدام القوة، وفي المقابل وعلى الطرف الآخر تناولها بعض أدعياء السلفية ممن ينسبون إلى المداخلة لدرجة أن حملوا قطب نظرية وحدة الوجود وحملوه أحكاما وتأويلات في غاية الشدة.

كما تناولها بعض العلمانيين من مفكرين وصحفيين وتصيدوا له الأخطاء لتوافق توجهاتهم الفكرية من تشويه للحركة الإسلامية، لكن المنصف والمتجرد لن يتلقى كلام قطب بهذه التأويلات المتعسفة. وقد تناول الدكتور كمال حبيب في إحدى كتاباته على موقع أصوات كتاب معالم في الطريق ومؤلفه سيد قطب باعتباره أحد الكتب المؤدية للعنف.

قطب أحدث حالة من الحراك في الفكر الإسلامي، وذلك عبر تلقيه خيوط تلك الأفكار من أبو الأعلى المودودي (خاصة من كتابه المصطلحات الأربعة) فعندما قرأ أبو الأعلى كتاب معالم في الطريق قال كأنني أنا من كتبت هذا الكتاب. وذكر د. حبيب أن قطب كان قنطرة العبور لأفكار المودودي.

وكان المستشار على البهنساوي أول من تناول أطروحات قطب بالنقد في كتاب "الحكم وقضية تكفير المسلم".

ثم في مطلع الألفية الجديدة تهافتت عليه بعد ذلك السلفية المدخلية عبر منظرهم الأبرز ربيع المدخلي في كتابه "منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله" وأصبح عدوهم اللدود ويختبرون الناس به.

ثم تناول الدكتور يوسف القرضاوي في أحد لقاءاته بعض آراء قطب بالنقد.

والحقيقة أن كتاب معالم في الطريق من أكثر الكتب إثارة للجدل على الساحة لأنه خلاصة وزبدة أفكاره، وقيل إنه الخيط الذي قاد عبد الناصر للوصول إلى تنظيم 65 والذي أعدم قطب على أثره.

تأثير الكتاب

يقول الدكتور جعفر شيخ إدريس في وصفه للكتاب: "الكتاب الذي لا نعرف في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة كتابا كان أكثر منه انتشارا، ولا أقوى تأثيرا، ولا أخطر نتائج، ولا أشد رعبا لأعداء الحركة الإسلامية".

وقد أحدثت أفكار قطب الأخيرة انشطارا داخل الإخوان في السجن الحربي عام 1965. ومع أن المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي أثنى على الكتاب، إلا أن فئة من الإخوان رأوا في فكر سيد قطب مناقضة لفكر حسن البنا.

يقول الدكتور عبد الله أبو عزّة:

"ومن خلال استعراضنا الموجز لآراء حسن البنا في القضايا نفسها التي تعرض لها سيد قطب في محاولته رسم منهاج العمل الإسلامي من خلال كتابه "معالم في الطريق"، يتبين لنا مدى الانقلاب الذي أحدثه الفكر القطبي في عقول كثيرين من الإخوان المسلمين، والذي حملنا على الاهتمام بآراء سيد قطب على هذا النحو هو أنها سيطرت على فكر جمهرة الإخوان المسلمين إلى ما بعد منتصف عقد السبعينيات".

ومع ذلك فإن عددا من الإخوان مفكرين وقادة وغيرهم، كانت لهم آراء على سيد قطب. وقد دافع عنه الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني بواقعة حدثه بها الشيخ محمد أبو زهرة، وهي أن سيد قطب كان يُرسل إليه ملازم "في ظلال القرآن" ليزداد اطمئنانا على الأحكام الفقهية التي يطرحها في الظلال.

كتب الشيخ الألباني مقدمة لاختصاره لكتاب "العلوّ للعلي العظيم" للإمام الذهبي، بيّن فيها أهمية الاهتمام بالدعوة لتصحيح عقائد الناس، وأن كثيرا من الدعاة يغفلون عن ذلك، ثم ذكر انتباه سيد قطب لهذه النقطة، ونقل كلاما له من كتاب "المعالم" ثم علق عليه بقوله: "من أجل ذلك كان لا بُدَّ للعاملين من أجل الدعوة الإسلامية أن يتعاوَنُوا جميعا على الخلاص من كل ما هو جاهلي مخالف للإسلام, ولا سبيل إلى ذلك إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة".

وهنا الألباني يثني على المعالم بل ويذكر لفظ الجاهلية. يقول الدكتور عبد الله عزام: ومن المعلوم كما بلغني من الثقات أن الشيخ الألباني كان يقول: إن خير من كتب عن التوحيد في هذا العصر هو سيد قطب، وكان ينصح بقراءة "معالم في الطريق" لأنه يرى أن الكتاب وضح التوحيد.

وهذا يدل على الثراء الفكري الذي يتمتع به قطب تماما كابن تيمية، فكل التيارات نهلت من ابن تيمية. فتيارات الغلو والتكفير ومواجهة السلطات استشهدت بآراء ابن تيمية، والمعتدلون استشهدوا بآراء ابن تيمية. فقضية العذر بالجهل وعدمه كلا الفريقين استشهد بابن تيمية في هذه القضية، فمن يعذر استدل بكلام ابن تيمية ومن لم يعذر استدل أيضا بكلامه.

قطب له حوالي 26 مؤلفا لم يرد فيها وصف المجتمعات بالكفر والرده. بل استخدم مصطلح الجاهلية الذي كان مثار جدل ويقصد به من خلال تتبع كتاباته الأوضاع التي تخالف التصور الإسلامي. وقد ورد في السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: "إنك أمرؤ فيك جاهلية".

وقد رد قطب هذه الشبهة وقال:

"إننا لم نُكفر الناس وهذا نقل مشوه إنما نحن نقول: إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة، وعدم تصور مدلولها الصحيح، والبعد عن الحياة الإسلامية، إلى حال تشبه حال المجتمعات في الجاهلية، وإنه من أجل هذا لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية.. فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس! [لماذا أعدموني]".

ودوما يذكر العقيدة والأخلاق قبل الشريعة والنظام، وكان يقول: "نحن دعاة لا قضاة". فهل يمكن بعد كل ذلك أن نقول إن قطب يُكفر المجتمعات الإسلامية؟!!

إن أول من كفّر عبد الناصر هي الدولة السعودية ونشرت جريدة عكاظ السعودية على صدر صفحتها الأولى وبالخط العريض "عبد الناصر كافر بالإجماع".. يتبع..

مشاركة الخبر: ​سيد قطب.. الرأي والرأي الآخر (1) على وسائل التواصل من نيوز فور مي