ترسيخ السلام والتعاون

أُثير بعض الجدل حول الخطاب الأخير للسيد جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، الذي ألقاه أمام الطلاب في كلية أوروبا. لقد تم إخراج جزء مما قاله من سياقه وإضفاء طابع معين عليه في وسائل الإعلام. لكن بعض المقارنات المغلوطة مع أحلك الفترات التي تمر بها أوروبا تخطت الحد المقبول كما ورد في المقال المُشار إليه. تحدث الممثل الأعلى في خطابه عن التحول الكبير الذي يمر به العالم، بما في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، والذي يتعين علينا أن نضعه في اعتبارنا في أنشطتنا اليومية. حيث استخدم كلمات "الحديقة و"الغابة" كاستعارة للإشارة إلى هؤلاء الذين ينتهكون سيادة القانون والقواعد الدولية الراسخة منذ زمن طويل.

لقد عادت الحرب إلى أوروبا كأكبر تهديد للأمن الأوروبي منذ عقود. تتعرض رؤيتنا للعالم، والتي تحكمها القواعد متعددة الأطراف، إلى التهديد. ونحن نبذل قصارى جهدنا للدفاع عنها. القوة لا ولم ولن تعلو على الحق، تلك هي رسالتنا واضحة. إننا نواجه بشكل متزايد عالماً من سياسات القوة يسمح بتسليح علاقات الاعتماد المتبادلة كالطاقة والمعلومات. تلك هي "الغابة" التي لا نقبلها، وعلينا في الاتحاد الأوروبي أن نوائم ردودنا ومواقفنا وفقاً لذلك باعتبارنا طرفاً جيوسياسياً فاعلاً. لسنا وحدنا في هذا الأمر، فالغالبية العظمى من الدول التي صوتت لصالح القرار رقم ES 11/1 أدانت أيضاً قرار الضم غير القانوني للأراضي التابعة لدولة أوكرانيا المستقلة ذات السيادة. وهذا يظهر أن هناك العديد حول العالم الذين يرغبون في الحفاظ على النظام السلمي ويرفضون قانون الأقوى الذي يقوض القواعد الدولية المتفق عليها.

وفيما يتعلق "بالحديقة" فقد تحدث الممثل الأعلى دائماً ضد نهج "أوروبا المنعزلة" وعمل بقوة على تطوير العلاقات مع مناطق أخرى من العالم. وكثيراً ما نادى منذ تولي مهامه بتغيير وجهة النظر إلى الاتحاد الأوروبي من الخارج. وعمل بقوة على تعزيز العلاقات مع باقي المناطق في العالم، وبالأخص أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا ومنطقة الخليج مؤخراً (راجع الاستراتيجية الجديدة للشراكة مع الخليج الصادرة في مايو الماضي). يميز مزيج الحريات السياسية والرفاه الاقتصادي والترابط الاجتماعي أوروبا كمكان يطيب العيش فيه ويرغب الكثيرون في الحياة فيه. محظوظون هم الشباب الأوروبيون الذين يعيشون في قارة توفر لهم تلك المزايا. ولكننا كأوروبيين، علينا أن نُلزم أنفسنا أكثر مع بقية العالم ونواصل تعزيز الحرية والديموقراطية معاً، واللتين تتعرضان للتهديدات هذه الأيام. علينا أن نظل متواصلين وألا نعزل أنفسنا.

لطالما دعم الاتحاد الأوروبي هؤلاء الذين يعانون ويلات الحروب والصراعات. ونحن نرحب الآن باللاجئين من أوكرانيا مثلما واصلنا تقديم المأوى والمساعدات للسوريين والأفغان واليمنيين والإريتريين الذين فروا من مناطق الصراع. يعد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء به أكبر مقدم للمساعدات التنموية حول العالم مع سجل حافل من الدعم لكافة الشعوب المستضعفة، بغض النظر عن الدين أو الجنسية أو العرق أو اللون. على مدار عقود طويلة، عمل الاتحاد الأوروبي على ترسيخ السلام والتعاون بين الأطراف المتحاربة في السابق، وإظهار الالتزام المشترك بالقواعد والقوانين متعددة الأطراف. "وحدتنا في تنوعنا" ليس مجرد شعار ولكنه خارطة طريق لنا. لطالما كان الإدماج ضرورياً لتطور الاتحاد الأوروبي ومجتمعنا الأوروبي ككل. فأوروبا تتمتع بتنوع ثقافي غني وتحتفي بعلاقاتها الثقافية وتضم اُناس من مختلف الثقافات والجنسيات معاً.

يعارض الاتحاد الأوروبي بشدة أي شكل من أشكال الازدراء أو العنصرية تجاه أي شخص. وقد أخبر السيد بوريل في خطابه الشباب الأوروبيين ألا يحاصروا أنفسهم في عالم من الراحة النسبية، وألا يحموا أنفسهم عبر بناء الجدران بينهم وبين الآخرين، بل عبر الانخراط بشكل أكبر مع بقية العالم، بروح منفتحة، وأن نقبله كما هو.

مشاركة الخبر: ترسيخ السلام والتعاون على وسائل التواصل من نيوز فور مي