التركة المفخخة

يحتاج التاريخ وقتاً طويلاً لإطلاق أحكامه النهائية، وقول كلمته الأخيرة، لكن في بعض الأحيان تكون الملابسات والمعطيات على الأرض من الوضوح بحيث لا يحتاج الحكم على مرحلة ما لمزيد من الوقت، وقد أنهى عماد عون عهده بأسوأ طريقة ممكنة، مخلفاً لبنان في أكلح مراحل تاريخه، بلد يعيش على حافة الهاوية اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، بلد بات حصول مواطنيه على أموالهم المودعة في البنوك يتطلب عملية سطو مسلح، بلد يعيش في الظلام جُل يومه بسبب ترشيد الكهرباء، وتعاني مؤسساته التعليمية والصحية وخلافها حالة قريبة من الشلل التام، بلد يحدث فيه تفجير يدمر ثلث بيروت ويبقى المتورط حراً طليقاً، أما علاقاته بمحيطه فتمر بأسوأ عهودها، فيما علاقته مع إيران تتوثق حد ذوبان الهوية اللبنانية المستقلة في مشروع الملالي.

تركة عون الماثلة أمام أعين الجميع أثبتت أن «العهد القوي» المزعوم لم يكن إلا عهد الانهيار اللبناني الكبير، وليس ثمة مبالغة في وصف وضع لبنان الحالي بأنه لا يقل سوءاً عن زمن الحرب الأهلية، ففي فترة الحرب كانت الأدوار الإقليمية والدولية ماثلة في لبنان، وكانت المساومات بين الوكلاء الخارجيين تبقي الباب مشرعاً للوصول إلى تفاهمات وتوليد حلول لأي أزمة أو صراع، فيما يعيش لبنان الحالي تحت السيطرة الكاملة لإيران ووكيله «حزب الله»، وتحت هيمنة السلاح الطائفي، ووسط حالة سأم إقليمية ودولية من المحاولات الحثيثة لانتشال لبنان من الهاوية التي يمضي إليها بخطى حثيثة.

يترك عون لبنان ليس للفراغ فحسب، بل على أرض مفخخة بانهيار الدولة، والارتطام بالقاع، لذا تبدو مبالغته اللافتة في الاحتفاء باتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بوصفه إنجازه الوحيد رغم أنه لم يكن له أي دور فيه، فالتفاهم الأميركي - الإيراني كان خلف تحقيق هذا التفاهم، في آية على المدى الذي ذهب إليه لبنان في فقدان قراره ومصيره.

قاتل عون جُل عمره للوصول إلى رئاسة لبنان، انقلب على أصدقائه وصافح خصومه، تلاعب بالدستور، حارب اتفاقية الطائف التي صانت دماء اللبنانيين؛ لتحقيق غايته النرجسية هذه، ولم يكن يعلم أن تحقيق حلمه بقصر بعبدا سيكون وبالاً عليه، إذ يخرج منه وقد خلد اسمه في صفحات لبنان السوداء.

مشاركة الخبر: التركة المفخخة على وسائل التواصل من نيوز فور مي