في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

تم نشره منذُ 1 سنة،بتاريخ: 10-12-2022 م الساعة 03:26:50 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-1507299.html في : اخبار سياسية    بواسطة المصدر : العربي الجديد

يواكب اليوم، 10 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2022، ذكرى مرور 74 عاما على صدور ال العالمي لحقوق الإنسان. .. رغم إشارات متكرّرة في ميثاق الأمم المتحدة عن ضرورة "تعزيز الاحترام العالمي لحقوق الإنسان ومراعاة الحريات الأساسية للجميع، من دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين"، إلا أن الميثاق لم يتضمّن حصرا لماهية الحقوق والحريات المطلوب تعزيز احترامها، ما حدا بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهو أحد الأجهزة الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة لتشكيل لجنة للاضطلاع بهذه المهمة، روعي فيها أن تضم شخصياتٍ تمثل مختلف الدوائر والنظم الحضارية في العالم. وبعد مداولاتٍ استمرت نحو عامين، تمكنت اللجنة من صياغة "ال" الشهير، والذي تبنته الجمعية العامة عام 1948 بأغلبية 48 صوتا، ولم يعترض عليه أحد، مع امتناع ثماني دول عن التصويت: الاتحاد السوفييتي، أوكرانيا، بيلاروسيا، تشيكوسلوفاكيا، يوغوسلافيا، بولندا، جنوب أفريقيا، السعودية. لذا اعتبرت الحقوق الواردة فيه بمثابة الحد الأدنى المتوافق عليه عالميا، ومنه تفرّعت كل الحقوق التي تضمنتها عشرات المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات الدولية التي تناولت مختلف جوانب حقوق الإنسان. والواقع أن هذا الملف، أي ملف حقوق الإنسان، يعدّ من أكثر ملفات المجتمع الدولي إثارة للخلافات، خصوصا ما يتعلق منها بادّعاء الدول الغربية أنها أصل هذه الحقوق ومهدها والمدافع الصلب، وربما الوحيد، عنها، وهو ادّعاء لا يمتّ للحقيقة بأي صلة، لسببين رئيسيين:

الأول: أن "حقوق الإنسان"، كما يعرفها المجتمع الدولي المعاصر، تراث إنساني عالمي تراكم على مر العصور، وبالتالي لا يحق لأي شعب بعينه، أو نظام سياسي بعينه، أو حضارة بعينها، ادّعاء احتكارها لنفسه، فهذا التراث هو، في حقيقة الأمر، حصيلة النضال الإنساني في مواجهة كافة أشكال القهر والظلم والعبودية والاستغلال والهيمنة، أينما ومتى وجدت. وهو لم يتشكّل فجأة أو دفعة واحدة، وإنما تشكّل عبر عملية تراكم تدريجية لنضال الإنسان في كل زمان ومكان من أجل الحرية والكرامة والمساواة، فمن المسلّم به أن "حقوق الإنسان" لم تظهر فجأة، ولم يخترعها شعب بعينه أو تفرزها حضارة بعينها، وإنما ظهرت عبر "موجاتٍ" ساهمت في تشكيلها كل شعوب العالم وحضاراته وثقافاته المختلفة، فهناك موجة الحقوق السياسية والمدنية، والتي تبلورت عبر مختلف أشكال النضال ضد قوى التسلط والاستبداد التي لم تخل منها أي بقعة. صحيح أن الثورات الليبرالية التي اندلعت في بعض الدول الغربية كانت هي الأسبق في تدوين هذه الحقوق في وثائق مكتوبة بصيغة عصرية، منها: الماغناكارتا، التي صدرت عن انتفاضة طبقة النبلاء في إنكلترا عام 1215. ووثيقة الحقوق التي صدرت عن الثورة الإنكليزية عام 1688. ووثيقة استقلال الولايات المتحدة الصادرة عام 1776. ووثيقة حقوق الإنسان والمواطن التي أصدرتها الجمعية التأسيسية الفرنسية بعد اندلاع ثورتها الكبرى عام 1789. وتتضمّن هذه الموجة من الحقوق: الحق في الحياة والسلامة الجسدية والأمن وحرية الرأي والكلمة والعقيدة، وحق تشكيل الأحزاب والنقابات والجماعات، وحق الترشّح والتصويت.. إلخ، غير أن ذلك لا يعني أن المجتمعات والشعوب غير الغربية لم تناضل بدورها من أجل التمتع بالحقوق ذاتها.

أصبحت قضية حقوق الإنسان جزءا من صراع أيديولوجي عالمي

وهناك موجة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: والتي تبلورت من خلال النضال ضد كل أشكال الاستغلال. صحيحٌ أن الثورات والحركات الاجتماعية ذات التوجه الاشتراكي، خصوصا الثورة البلشفية لعام 1917، والثورات التي حذت حذوها في أنحاء كثيرة من العالم، كانت هي الأسبق في بلورة هذا النوع من الحقوق، غير أن ذلك لا يعني أبدا أن الشعوب الأخرى، خصوصا الطبقات العمّالية فيها، لم تناضل من أجل الحصول على هذا النوع من الحقوق، والذي تمحور حول المطالب الخاصة بإشباع الاحتياجات الأساسية للإنسان، كالمأكل والملبس والرعاية الصحية والتعليم ... إلخ، وذلك من منطلق أنه بدون إشباع هذه الاحتياجات الأساسية والضرورية تصبح الحقوق السياسية والمدنية مجرّد شكل بلا مضمون.

وهناك موجة حقوق الشعوب: وفي مقدمتها الحق في تقرير المصير، وحق الشعوب في اختيار الأنظمة السياسية والاجتماعية التي تناسبها وتتواءم مع ثقافاتها وحضاراتها من دون تدخل أو فرض من قوى خارجية، وحقها في السيطرة على ثرواتها ومواردها الطبيعية..إلخ. صحيح أن ثورات التحرر الوطني وحركاتها في دول العالم الثالث كانت هي الأكثر إسهاما في بلورة هذه الموجة من الحقوق، من منطلق أنه لا معنى للحقوق الفردية، سواء أكانت سياسية ومدنية أو اقتصادية واجتماعية، إذا كانت الأوطان والشعوب نفسها محتلة ومستعمرة من دول وشعوب أخرى، غير أن ذلك لا يعني أن شعوب المجتمعات والدول غير المستعمرة لم تساهم في بلورة هذه الحقوق!

بدون إشباع الاحتياجات الأساسية والضرورية تصبح الحقوق السياسية والمدنية مجرّد شكل بلا مضمون

وهناك موجة حقوق التضامن أو الانتساب، التي أفرزها التقدّم العلمي والتكنولوجي الذي يسعى إلى تحويل الكون كله إلى قرية كبيرة واحدة متداخلة المصالح وموحّدة المصير. وتشمل هذه الموجة من الحقوق: الحق في بيئة نظيفة، وفي السلام والأمن، وفي التنمية، وفي نصيب عادل من ثمار التقدّم .. إلخ. وقد أسهم انطلاق منظمات المجتمع المدني العالمي وتطورها، خصوصا جماعات الخضر وأنصار السلام العالمي وغيرها من الجماعات المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، إسهاما كبيرا في بلورة هذه الموجة من الحقوق.

السبب الثاني: يتعلق بمدى احترام حقوق الإنسان في العالم، وبالأسباب التي أدّت إلى تحوّل هذه الحقوق من "شأن داخلي" تنظمه علاقة مباشرة بين حكومات الدول وشعوبها، إلى شأن دولي تتضمّنه وثائق وتحميه آليات دولية، حيث بدا واضحا أن ميثاق الأمم المتحدة الذي أبرم في نهاية الحرب العالمية الثانية شكل نقطة تحول فارقة في هذا الصدد. ولأن القانون الدولي هو القانون الذي يفرضه المنتصرون، فقد كان من الطبيعي أن تحمّل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية الدول المهزومة في هذه الحرب مسؤولية ما حدث فيها من دمار، وذلك من منطلق أن تنكّر الأنظمة الحاكمة في هذه الدول، أي النظام النازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا والعسكري في اليابان، للقيم الإنسانية الرفيعة هو ما تسبب في إشعال الحرب وأيضا في جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت خلالها، والتي مثلت المحرقة النازية خير شاهد عليها. من هنا، تضمين ميثاق الأمم المتحدة نصوصا كثيرة تؤكّد على "إيمان شعوب الأمم المتحدة بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامته وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية". ومن هنا أيضا حرص الجمعية العامة للأمم المتحدة على تشكيل لجنة لصياغة " عالمي لحقوق الإنسان"، توالت بعده آلاف الوثائق التي أخذت شكل ات أو مواثيق أو معاهدات دولية بحيث يمكن القول، من دون أي مبالغة، إن حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية تعد أكثر فترات التاريخ الإنساني "حديثا" عن حقوق الإنسان، لكن هل كانت حقا هي أكثرها احتراما لهذه الحقوق؟ ليس مؤكّدا.

"حقوق الإنسان"، كما يعرفها المجتمع الدولي المعاصر، تراث إنساني عالمي تراكم على مر العصور

أصبحت قضية حقوق الإنسان جزءا من صراع أيديولوجي عالمي، حيث راح المعسكر الغربي يتحدّث عن "الحقوق السياسية والمدنية"، وكأنها وحدها الحقوق الأولى بالاحترام، وراح المعسكر الاشتراكي يتحدّث عن "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، وكأنها وحدها الحقوق الأولى بالاحترام، وراحت دول العالم الثالث تتحدّث عن "حقوق الشعوب"، وكأنها وحدها الأصل الذي تتفرع عنه كل الحقوق الأخرى!!. ويلاحظ هنا أن النظام الدولي ثنائي القطبية لم يسمح بأي تطوير حقيقي في آليات الحماية العالمية لحقوق الإنسان، حيث راح كل معسكر يدافع عن مصالحه الخاصة، بصرف النظر عن الوسائل. ورغم أنه كان في وسع دول المعسكر الغربي أن تفاخر بنظمها السياسية والقانونية، باعتبارها النظم الأكثر تطويرا لآليات ضمانات حقوق الإنسان، إلا أن ذلك لم يحل دون تحالفها مع أعتى دول العالم الثالث ديكتاتورية (بينوشيه شيلي وشاه إيران على سبيل المثال). صحيحٌ أن انهيار المعسكر الاشتراكي وانتهاء الحرب الباردة فتحا بابا للأمل، غير أن هذا الأمل سرعان ما تحوّل إلى سراب في ظل تنامي الطموحات الإمبراطورية للولايات المتحدة، وتهميش دور القانون الدولي والمنظمات الدولية، خصوصا بعد وصول المحافظين الجدد إلى السلطة، فالولايات المتحدة، والتي تدّعي أنها أكثر الدول ديمقراطية واحتراما لحقوق الإنسان، هي نفسها التي أصبحت الأكثر انتهاكا له بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، بشنها حربا عدوانية على العراق، وممارسة التعذيب في سجون غوانتانامو وأبوغريب، وإنشاء سجون سرّية في أوروبا ودول العالم الثالث، وحماية إسرائيل التي تنتهك حقوق الفلسطينيين صباح مساء.

أليس غريبا، في سياق كهذا، أن يحتفل العالم بال العالمي لحقوق الإنسان في وقتٍ لا يستطيع المجتمع الدولي رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، بل ويتواطأ مع إسرائيل لتجويع ما يقرب من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، ثم يتفرج على نتنياهو، وهو يشكّل حكومة إسرائيلية، تضم في صفوفها وزراء يطالبون علنا بقتل الفلسطينيين أو طردهم، كي تصبح فلسطين من النهر إلى البحر يهودية خالصة لا مكان فيها للعرب.

لن يستطيع العالم أن يتحدّث عن حقوق الإنسان، بينما القوى المتحكّمة في شؤونه تنتهك هذه الحقوق كل يوم. ولأن احترام حقوق الإنسان لا يمكن أن يتحقّق إلا في نظام دولي ديمقراطي، فلا ضمان لهذه الحقوق إلا إذا نجح العالم في إقامة نظام دولي تشارك في صنع قراراته وتراقب تنفيذها جميع الدول، كبيرها وصغيرها، على قدم وساق، وذلك حلم ما زال بعيد المنال.

مشاركة الخبر: في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

غزة كيف أثرت موجة الحرارة الحالية على النازحين داخل الخيام

غزة كيف أثرت موجة الحرارة الحالية على النازحين داخل الخيام

منذُ 8 دقائق

رصدت عربي21 أحوال النازحين وكيف قضوا أيام موجة الحرارة الحالية المتوقع أن تنحسر الجمعة...

صفعتان لـبلطجي حارة الشرق الأوسط

صفعتان لـبلطجي حارة الشرق الأوسط

منذُ 8 دقائق

أثبتت الصفعة الفلسطينية لإسرائيل قبل مئتي يوم وأكدت الصفعة الإيرانية قبل عشرة أيام أن إسرائيل ليست قادرة على حماية من...

غضب حقوقي واسع في مصر بعد اعتقال ناشطات متضامنات مع غزة

غضب حقوقي واسع في مصر بعد اعتقال ناشطات متضامنات مع غزة

منذُ 8 دقائق

رغم رمزية المكان تجاهلت الحكومة المصرية أي انتقادات محتملة قد يتم توجيهها إليها على خلفية الاعتداء على سيدات يدافعن عن...

NYT ما أهداف مودي من تصريحاته المتطرفة ضد المسلمين في الهند

NYT ما أهداف مودي من تصريحاته المتطرفة ضد المسلمين في الهند

منذُ 8 دقائق

قالت نيويورك تايمز إن مودي بدأ يهاجم المسلمين علنا بشكل أكثر تطرفا وهو ما يشير إلى تحول في...

أزمة رعاة الاحتلال تثير جدلا هل يفقد الأهلي المصري دوره كناد للوطن
أزمة رعاة الاحتلال تثير جدلا هل يفقد الأهلي المصري دوره كناد للوطن
منذُ 8 دقائق

من بين رعاة النادي الأهلي المصري شركتي كوكاكولا وليبتون الأمريكيتين وهو ما دفع جماهير النادي إلى المطالبة بضرورة فسخ...

مع دخول العدوان يومه الـ202 شهداء وجرحى في قصف العدو الصهيوني المتواصل على قطاع غزة
مع دخول العدوان يومه الـ202 شهداء وجرحى في قصف العدو الصهيوني المتواصل...
منذُ 11 دقائق

استشهد عدد من المواطنين الفلسطينيين وأصيب آخرون بجروح مختلفة اليوم الخميس في عدوان العدو الصهيوني المتواصل على قطاع...

widgets إقراء أيضاً من العربي الجديد

غضب كويتي من مشروع طريق التنمية يهدد ميناء مبارك
سورية ارتفاع فاتورة العلاج والأدوية
أزمة مياه الري تحبط منتجي الحبوب في تونس
المغرب نحو مضاعفة تحلية مياه البحر لمواجة الجفاف والتغيرات المناخية