قيس ومعركة صندوق النقد والاستنجاد بالعجزة

قيس ومعركة صندوق النقد والاستنجاد بالعجزة

تم نشره منذُ 9 شهر،بتاريخ: 06-06-2023 م الساعة 08:50:05 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-1674087.html في : اخبار سياسية    بواسطة المصدر : العربي الجديد

تعثّرت المفاوضات الجارية بين حكومة قيس سعيد وصندوق النقد الدولي، والتي تستهدف اقتراض البلاد ملياري دولار، ووصلت المحادثات إلى طريق مسدود بسبب عدم التزام تونس الصارم بتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه في وقت سابق مع الصندوق، ومنه خفض الدعم عن بعض السلع والخدمات الأساسية، مثل الوقود والخبز والكهرباء، وتقليص أجور موظفي القطاع العام، وتطبيق برنامج إصلاح لإعادة هيكلة أكثر من 100 شركة مملوكة للدولة ومثقلة بالديون، وبيع بنوك وشركات كبرى تابعة للدولة.

وبدلاً من أن يبحث سعيد عن أسباب ذلك التعثر، ويحاول إقناع المؤسسة المالية بضرورة الإسراع في ضخ سيولة نقدية لإنقاذ البلاد من تعثر مالي وشيك وأزمة مالية ونقدية شرسة وأحوال معيشية غاية في السوء، أو يطرح بدائل عملية لإنقاذ الموقف المأزوم، راح يطرق 4 أبواب لن تؤدي كلها إلى شيء ذي جدوى.

الأول هو الاستنجاد ببعض الدول الأوروبية العاجزة مالياً حتى عن مساندة نفسها، وتحديداً فرنسا وإيطاليا، فقد سارع الرئيس التونسي للاتصال بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، لإبلاغه معارضته الشروط التي فرضها صندوق النقد على بلده مقابل منحه ملياري دولار، واصفاً تلك الشروط بأنها بمثابة عود ثقاب يشتعل إلى جانب مواد شديدة الانفجار.

واللافت أن هذا الاستنجاد بماكرون جاء في الوقت الذي تعاني فيه فرنسا من أزمة مالية حادة، بسبب تداعيات التضخم، والحرب الأوكرانية، وأزمة الطاقة، وقبلها أزمة كورونا، والاحتجاجات الواسعة، والإضرابات العمالية والنقابية، والمقاطعة الواسعة لمنتجاتها عالمياً على خلفية الإساءة للنبي عليه الصلاة والسلام.

أيضاً أجرى قيس سعيد اتصالاً برئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني التي تعيش بلادها أزمة مالية حادة، وانكماشاً وركوداً في الأسواق، وتضخماً قياسياً، وزيادة الدين العام لمعدلات غير مسبوقة، وارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء.

كما تعصف بالاقتصاد الإيطالي، ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا وفرنسا، أزمات عدة بسبب الغلاء، وضعف النمو الاقتصادي، وتزايد الإنفاق العام، فضلاً عن زيادة شيخوخة السكان.

والأخطر ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي بنسبة 159.4%، ما يعد المعدل الأعلى على الإطلاق في إيطاليا والأعلى في الاتحاد الأوروبي بعد اليونان.

وبدلاً من أن تعلن ميلوني عقب المكالمة عن تقديم دعم مالي سخي لتونس، أو تكشف عن محاولتها إقناع الجزائر وغيرها بتقديم دعم نقدي لتونس، ومساعدتها على الخروج من الأزمة المالية والسياسية المعقدة التي تعاني منها منذ سنوات، أعلنت عن قبول دعوة سعيد لزيارة تونس قريباً لبحث ملفات عدة منها وقف الهجرة غير الشرعية لأوروبا.

الباب الثاني الذي طرقه الرئيس التونسي في مواجهة الأزمة مع صندوق النقد هو الخروج بمقترح يقضي بزيادة الضرائب على الأغنياء وزيادة الرسوم والأعباء المالية على المواطن والتي تتضمن زيادة في الأسعار، والتأكيد على أن هذه الخطوة يمكن أن تكون بديلاً للإصلاحات الاجتماعية الصعبة.

أما الباب الثالث فهو تخويف قيس سعيد الجميع من مخاطر الاستجابة لإملاءات صندوق النقد، وإعادة تذكير العالم بالأحداث الدامية التي سقط خلالها مئات الشهداء في تونس يوم 3 يناير/ كانون الثاني 1984 حين جرى رفع الدعم عن الحبوب ومشتقاتها في عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة.

وتذكير التونسيين بأعمال الشغب وقتها التي أسفرت عن مقتل 100 شخص، بسبب الارتفاع الحاد لسعر الخبز، في أعقاب خطة تقشف اقترحها صندوق النقد لتونس على حكومة بورقيبة قبل ما يقرب من 4 عقود.

أما الباب الرابع فهو استخدام الرئيس التونسي اللغة الحماسية في مهاجمة صندوق النقد، وتأكيده رفض سياسة الخضوع "للإملاءات" التي يحاول فرضها على حكومته، والحديث المتواصل عن رهان السيادة الوطنية، وضرورة "التعويل على أنفسنا" لتجاوز الأزمات المالية والاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، والتأكيد على أن بلاده "ليست للبيع"، وهي كلمات لا تصمد لحظات أمام غلاء فاحش ونقص سلع ضرورية في الأسواق مثل الخبز والوقود، وقبلها لا تصمد أمام ضغوط الدائنين الدوليين الذين يفرضون شروطهم ويسعون لضمان استرداد أموالهم.

وربما يلوح قيس لاحقاً بإمكانية لجوء تونس إلى المعسكر الآسيوي، خاصة روسيا والصين، نكاية في الصندوق الذي تسيطر الولايات المتحدة على دوائر صناعة القرار به.

ببساطة، قيس سعيد يخشى من البركان الذي قد تسببه خطة صندوق النقد الدولي التقشفية من تأليب الرأي العام عليه، وإثارة حنق الشارع الغاضب أصلاً.

لكن في النهاية سيستجيب لكل إملاءات وشروط الصندوق بما فيها خفض قيمة العملة، وبيع أصول الدولة، وخفض الدعم الموجه لسلع رئيسية، ربما يكون رغيف الخبز والبنزين على رأسها.

ولن تجدي الكلمات الحماسة والتخديرية التي يطلقها الرجل من وقت لآخر نفعاً، وبسبب فشله الذريع في إدارة الملف الاقتصادي قد تدخل البلاد نفق التعثر المظلم الذي قلما خرجت منه الدول التي تستنجد بالدائنين الدوليين، وتجربة الأرجنتين خير دليل.

الأزمة التونسية مرشحة للتفاقم طالما أن قيس سعيد مستمر على رأس السلطة، يعمق استبداده، ويجعل أولوياته القضاء على المعارضة والإسلام السياسي وسجن المخالفين له في الرأي والتوجه، وليس خدمة المواطن، ومحاولة إنقاذ البلاد من الإفلاس، والحيلولة دون حدوث تعثر محتمل في سداد الديون السيادية.

مشاركة الخبر: قيس ومعركة صندوق النقد والاستنجاد بالعجزة على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

محمد سليم شوشة يكتب شاكر عبد الحميد رحلة طويلة من التحديث الثقافي

محمد سليم شوشة يكتب شاكر عبد الحميد رحلة طويلة من التحديث الثقافي

منذُ 25 دقائق

يمثل الدكتور شاكر عبد الحميد حالة خاصة بين النقاد والمثقفين العرب ذلك لأنه كان ينطلق من رؤية خاصة وثابتة في التعامل مع...

تعرف على آخر موعد للتقدم لمسابقة المواهب الأدبية فى دورتها السابعة

تعرف على آخر موعد للتقدم لمسابقة المواهب الأدبية فى دورتها السابعة

منذُ 25 دقائق

أعلنت الإدارة المركزية للشئون الأدبية والمسابقات بالأمانة العامة للمجلس الأعلى للثقافة عن الدورة السابعة من مسابقة...

أطعمة يجب تناولها لتجنب مشاكل القلب والأوعية الدموية

أطعمة يجب تناولها لتجنب مشاكل القلب والأوعية الدموية

منذُ 25 دقائق

الحفاظ علي صحة القلب يعد من الأمور التي يسعي لتحقيها جميع مرضاه ويقدم التقرير المنشور عبر موقع hindustantimes نصيحة أنه يجب...

جددي منزلك قبل العيد 8 طرق بسيطة لتجديد غرفة المعيشة

جددي منزلك قبل العيد 8 طرق بسيطة لتجديد غرفة المعيشة

منذُ 26 دقائق

هناك طرق عديدة لتحديث غرفة المعيشة الخاصة بك قبل عيد الفطر اعتمادا على ما تفضيلنه وأسلوبك الخاص والمبلغ الذي ترغبين في...

وزير الدفاع الكندي يشكو فراغ مخزون الذخيرة بسبب مساعدة أوكرانيا
وزير الدفاع الكندي يشكو فراغ مخزون الذخيرة بسبب مساعدة أوكرانيا
منذُ 31 دقائق

أجاب وزير الدفاع الكندي بيل بلير عندما سئل عن إرسال المزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا بأن أوتاوا أفرغت مخازنها من...

روسيا هجوم كروكوس يوقظ الإسلاموفوبيا
روسيا هجوم كروكوس يوقظ الإسلاموفوبيا
منذُ 41 دقائق

تختلف الأجواء الرمضانية التي يعيشها مسلمو روسيا خلال العام الجاري عن أي وقت مضى وبات الحزن يخيم على تجمعاتهم بعد الهجوم...

widgets إقراء أيضاً من العربي الجديد

إنجازات العرب المشاركين في كأس آسيا 2023 خلال النسخ السابقة
وزير الأمن الإسرائيلي هذا التصعيد في عملياتنا ضد حزب الله هو فقط درجة واحدة من أصل 10 درجات
ماذا بعد الاستهداف في الأردن
جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفنا ليلا منشأة عسكرية تابعة لـحزب الله في طيرحرفا وبنى تحتية في اللبونة جنوبي لبنان