قصص زياد خدّاش
تظهر في المجموعة القصصية "الجراح تدلّ علينا" للفلسطيني زياد خدّاش (دار المتوسّط، ميلانو، 2023) براعة اختزال العالم القصصي في صفحات قليلة، وأحيانا في صفحة واحدة، كما في القصة الأولى "رجال غرباء" التي تصف تساؤل طفلة إسرائيلية أمام جدّتها، حين ترى أشخاصا يشيرون إلى بيتهم "لماذا يقف الناس دائما أمام بيتنا وصور فوتوغرافية في أيديهم"، ما يوحي بالفلسطيني المنهوب بيته قبل أرضه. يصعُب فصل حياة زياد خدّاش عن قصصه، ليس فقط لأنها تنطلق من فلسطين كما حياته، وتحديدا من رام الله، حيث يعيش ويعمل مدرّسا، إنما لأن حياته وتفكيره مبثوثان في كثير من قصصه، سواء باسمه الحقيقي أم بذكر مناسباتٍ شاهد عليها أو مشارك فيها، مثل قصّة "الحقيبة ليست لي"، حين كان عائدا من إسطنبول إلى رام الله "بعد مشاركتي في مهرجان المسرح المدرسي الدولي"، ثم يبدأ المتخيّل في استثمار الواقعي والحقيقي، حين يكتشف أنه حمل حقيبةً، تشبه، من الخارج، حقيبته وعليها خطّ يده، ولكن كل محتوياتها نسائية، قصة فانتازية استنبتها زياد من حادثة واقعية أو على الأقلّ من حادثة تشبهه.
تشبه بعض القصص القريبة من ذات المؤلف خبرا خاصا أو موقفا حدث له في بحرالحياة. لذلك، أصبح هذا من طبيعة القصة القصيرة عموما، التنويع. وقد سار على هذا النهج القاص الأرجنتيني بورخيس الذي يعجب به زياد خدّاش، كما توحي بذلك عبارة "معبودي بورخيس" ضمن إحدى قصص هذه المجموعة، بورخيس الذي يستخدم أسلوبا متحرّرا في الكتابة يسمح له، أحيانا، بأن يوجد شخصيا واسما في بعض قصصه، بل إنه يستخدم أساليب المقالة والنزهة في قصص أخرى. هذا الأسلوب الحر واضحٌ في الصبغة التجريبية في قصص زياد، وفي هذه المجموعة تحديدا، حيث لا فاصل بين القصة والحياة من مشاهدات ومواقف. وبذلك تأخذ قصصه أشكالا وألوانا شتّى، هي ألوان الحياة وأشكالها، ما جعلها أشبه بألبوم صور مكتوبة، زاد عددها في هذه المجموعة على الأربعين قصة قصيرة! ولكن، رغم عددها الوافر، تُقرأ بسلاسة نظرا إلى حيويتها وللغتها البليغة.
ستجد في هذه القصص الكثير من الطلبة وأجواء المدرسة والتدريس، قصصا قريبة من كاتبها، حد أنه يمكنها أن تؤرّخ تحرّكاته اليومية، عن الحياة في رام الله، رغم انفتاحها في قصص عديدة على عموم فلسطين، تاريخا وحاضرا، غير بعيد بعضها عن أحلام العودة واستعادة الأرض السليبة، جنبا إلى جنب مع تفاصيل عاطفية التقطها الكاتب بصنّارته القصصية، وبثّ فيها حوارات ديالوجية خارجية ومنولوجية داخلية.
في قصّة "وردة الواتس أب"، يتجلى الكاتب في استثمار تفصيلٍ بسيط يتعلق بإرسال موظف وردة صفراء إلى مديرة في العمل، ما تراه الزوجة علامة نفاق، بينما يرفض الزوج اعتباره كذلك، إنما هو علامة مجاملة، ليدخل في جدال نفسي، هو الذي كان يرفض كل أنواع النفاق في حياته، فكيف لزوجته بعد هذا العمر لم تفهمه، وليس غريبا أن يكون اسم شخصية هذه القصة زياد، كباقي قصص المجموعة.
قد تبدو بعض القصص ذات نهايات متوقّعة، ولكن ما يشفع لها أن الكاتب لا يفتعلها، فجميعها قصص متخيّلة، وإن انطلقت من الواقع والمعاش، وجميع الأشخاص فيها يحملون اسم زياد، والواقع بتفاصيله الفوتوغرافية يتجلى في طياتها. ربما هذا ما أراد الكاتب بثه في أذهان قرّائه، وهو ينتقل بين حقل شاسع من القصص، بعضها لا يزيد عن نصف صفحة، والآخر يتجاوز الثلاث صفحات. وكما قصص زياد خدّاش، عبر مجاميعه السابقة، تتسلّل حياته اليومية في رام الله، وذكرياته وطفولته، عبر القصص التي يمزج فيها المتخيّل بالواقعي، بل الواقعي هو الأرضية والمنطلق لصياغة قصصٍ، لم تكن سوى مرآة للحياة بامتداداتها الزمنية. أكثر ما يتجلّى كذلك في القصص الرفض الفلسطيني الشامل للوجود الإسرائيلي المحتلّ منذ الطفولة.
يكتب في قصة "لهاثي الصغير": "كانت تكبرني بعشرين عاما، كنتُ من مجانين السبعينيات، طفل حجارة شرسا، مهنتي مع أصحابي ليل نهار انتظار باصات اليهود في شارع الأمراء برام الله، وتحطيم زجاجاتها بالحجارة. كنتُ غارقا في حبّين، حبّ الوطن وحبّ بنت حلوة جدا. كنت أريد أن أكبر بسرعة، لأحبّها أكثر وأحرّر فلسطين".
مشاركة الخبر: قصص زياد خدّاش على وسائل التواصل من نيوز فور مي