بمناسبة يوم البيئة العالمي.. من يحمي الأرض من آخر الزائرين ؟!
البئية .. هي الوسط الحيوي التي يعيش فيه الإنسان والكائنات الحية الأخرى في الكوكب الأرضي والسياق المادي الذي يحيط بالحياة من جميع الجهات. فكيف يمكن أن تكون حياة الكائنات بدون سلامتها وصحتها وعافيتها؟ ذلك هو السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان حينما يكون علينا التفكير في البيئة والإنسان؟ وهو سؤال مشترك يعني كل إنسان عاقل يعيش في هذا الكوكب الأرضي. فالأرض هي أم جميع الكائنات الحية، فمنها لا من غيرها ولدنا وفي رحمها تعيش ونتنفس ونتغدى وننمو ونزدهر ونموت وفي فضاءها نفكر ونخترع ونبدع أنها المكان؛ والمكان هو البعد الأساسي للكائن الحي.كون، كان، مكان ، كائن، كيان، كينونة، مكين، تمكين وغير ذلك من الأسماء والصفات التي تدل على المكان بوصفه كيانا مشخصا متعينا للعيان. فلا كيان بلا مكان وليس شخصا ذلك الذي لاينتمي إلى أي مكان. فالمكان هو الثابت الدائم الذي يمنح الإنسان كينونته الوجودية في هذا العالم. ولا كينونة خارج المكان، أنه الأرض أو السطح الذي يحتوي الأجسام كلها بوصفها كياناتا وكائناتا محسوسة ملموسة يمكن رؤيتها بالعين المجردة أو بالتلسكوبات الرقمية. فلا شيء خارج الأمكنة التي تحيط بالكائنات من جميع الجهات. الأمكنة هي لغة الكينونة الأصلية التي تقول كل شيء دون أن تتكلم! ط.
صمتها يدل عليها وصخبها يمنحها هويتها. لغة بصرية وسمعية زاخر بالمعاني الدلالات المفعمة والأسطح والأبعاد والامتدادات والنتوءات والانحدارات والفضاءات والألوان والضلالات بالأنوار والظلمات. أنها قاع كل شيء وأصل كل كيان من الكون ذاته إلى أصغر ذراته. للأمكنة سطوتها وسلطتها القاهرة التي يستحيل الهرب منها أو تجاوزها فكل ما تستطيعه الكائنات بإزائها هو التكيف معها بإعادة تأثيثها بالوسائل الممكنة. وهذا هو كل ما يستطيع بلوغه الإنسان في هندسة المكان وتسويسه بما يجعله قابلة للعيش والتمكين أما الحيوانات فهي تعيش المكان بطبيعته الأصلية وبغريزتها الفطرية.
الإنسان وحده عبر تاريخ الطويل الذي تمكن من منح المكان ملامحه الإنسانية بالفعل والنشاط والانفعال والبناء والتعمير والتنمية وبهذا المعنى يمكن القول أن الجغرافيا تحضر بصور شتى أما التاريخ فهو ذاكرة الزمان والمكان. لقد شكّل المكان منذ الكينونة الأولى وما زال يشكّل ويستمر محور الرهان الجيوبوليتيكي في صراع القوى الفاعلة على كوكب الأرض. وإذا كانت الأرض هي المكان الأمين لكينونة الإنسان فأن السؤال الذي حيّر العقل هو الإنسان ذاته؛ هل الإنسان هو ما يبدو للفلكي, كومة صغيرة من الكربون والماء غير النقي يزحف عاجزا على كوكب صغير لا اهمية له ؟ ام هو ما يظهر لهاملت؟ هل هو – ربما كلاهما معا؟ هل هناك طريق نبيل للعيش وأخر وضيع ام أن طرق العشي كلها عابثة فحسب؟ وإذا كانت هناك طريقة نبيلة للعيش فعلا ما تقوم؟ وكيف نحققها؟ هل ينبغي أن يكون الخير ابديا لكي يستحق أن يقيم, ام انه جدير بالسعي اليه, حتى لو كان الكون يتحرك بعناد نحو الموت؟.
نعم هو الإنسان، الكائن العاقل؛ آخر الزائرين الذي أحال الأرض إلى جحيم. هكذا لخص “برتراند رسل” المشكلة في كتابه “هل للإنسان مستقبل” 1969م إذ أوضح ” انه فيما يتعلق بالشروط الجسدية لايلوح ان ثمة سببا كافياً يمنع الحياة بما في ذلك الحياة الإنسانية أن الا تستمر ملايين السنين. وأن الخطر يأتي ليس من وسط الإنسان البيولوجي وإنما من ذاته واضاف.. لقد عاش الانسان في وضع يسوده الجهل والتوحش, فهل يستطيع الاستمرار في البقاء الآن بعد ان فقد درجة الجهل المفيدة؟) إن كان هناك ثمة خطر يهدد الإنسان في المستقبل, فهو نفس الخطر الذي واجهه الإنسان الذي بني في الماضي برج بابل, أي خطر بناء صرح توتاليتاري ثم أنتظار الخلاص بعد ذلك, فالالم رفيق درب دائم للإنسان في مواجهته مع ذاته ومواجهته مع الاخرين, والحياة هي غريزة تفكيك مثلما هي غريزة بناء. فماذا لو قرر سكان المعمورة العيش على نمط نهاية التاريخ والإنسان الذي بشر به الأمريكي فرانسيس فوكو ياما؟ كتب عالم البيئة الأمريكي الشهير جاك تستار” إن الكرة الارضية ستتفجر تحت وطأة التلوث, فيما إذا قررت الكائنات البشرية المتزايدة في آسيا وافريقيا إن تعيش في المستوى نفسه من الحياة التي يعيشها اليوم الامريكيون, ولكن بما انه ما منطق, غير منطق القوة العارية يستطيع أن يمنع آهل الجنوب من التطلع الى تقليد أهل الشمال في مستوى حياتهم فانه لا يبقى من حل أخر سوى ان يخفف اهل الشمال من مستوى حياتهم ويتنازلون طوعا عن أنانيتهم” ثمة من يطرح نظرية المليار الذهبي التي تنطلق من فرضية أن موارد الأرض لا تستطيع أن تلبي حاجات سوى مليار نسمة من البشر ليعيشوا بمستوى دخل مناظر لما هو عليه الحال في الدول الغنية.
وبالتالي فإن نمط الاستهلاك المفرط والرفاهية العالية التي يتمتع بها سكان الدول الغنية لا يمكن توفيرها لباقي سكان العالم بسبب محدودية الموارد على كوكب الأرض ومن ثم فان الحاجة إلى تقليص سكان الأرض باتت ملحة إذ يطرح أنصار هذه النظرية الجهنمية ضرورة تقليص سكان الأرض إلى مليار واحد فقط بدلا من سبعة مليار إنسان. إنه لن يكون هناك إلا ما يكفي لمليار إنسان من سكان الأرض، وهناك مصطلح آخر أقل انتشارًا يدعو إلى أن أولئك الذين ليسوا من بين أفضل ممثلي الإنسانية، “الدول المتخلفة”، يجب أن يعملوا على ضمان حياة مريحة للنخب التي تمثل “دول المليار الذهبي. وعلى عكس تلك النظرية الأنانية هناك وجهة نظر عقلانية ترى ان المشكلات الجديدة التي تواجه الانسان اليوم تتطلب فلسفة تقوم على اساس عريض.. فلسفة تضع في قلب اهتماماتها, بالاضافة الى الانسان الأرض أولًا والكائنات “الموجودة الاخرى الخارجية, والاهتمام بها لذاتها باعتبارها الارض والفضاء التي يعيش وسطها الانسان (الثروات الطبيعية والثورة الحيوانية والنباتية..الخ.
وفي الطرف الأخر يذهب تيار حماة الأرض أولا ومنهم جودي باربي إلى “أن الأرض ستقوم وتنتقم وتطاردنا من فوقها” تلك الرؤية التي صدمتني حينما قرأتها قبل عشرين عاما بدأت الآن اتفهم مقاصدها الجديرة بالقيمة والأهمية والاعتبار. وهي رؤية نابعة من قلق حقيقي على مصير الأرض التي هي أم الحياة كلها ولا يحق لا كائنا من كان العبث بها وتسخيرها لمصالحة العابرة المدمرة. رؤية جماعة الأرض أولا أكدت أن الإنسان هذا الزائر الغريب الأخير هو الذي يستحق الموت قبل أن يدمر الكوكب، الإنسان نفسه وليس المجتمع الحديث فقط هو الذي سينقرض بهدوء في النهاية, تدميره المحموم لبيئته, نهبه الكوكب الأرضي, كل ذلك سوف ينتهي, وسوف تتوقف الثرثرة الجوفاء عن الحضارة الكلمة الأخيرة هي كلمة د.هـ. لورانس الذي كتب يقول: (نظر “بيركن” إلى الأرض في المساء وهو يفكر: حسن إذا تم تدمير البشرية…إذا هلك جنسنا كما حدث لـ”سدوم” وبقي هذا المساء الجميل, بالأرض النيرة والأشجار الخضراء…. فأن ذلك يكفيني… فلتمض البشرية…. حان وقتها لم تعد الإنسانية تجسد ما لا يسبر غوره… الإنسانية كتابة ميتة…. دع الإنسانية تختفي بأسرع ما يمكن”.
الصورة من مؤتمر البيئة في جامعة السويسحينما تشرفت برئاسة الجلسة الثالثة في المؤتمر
مع الدكتورة ثريا بن حسينة من الأكاديمية التونسية العريقة.
The post بمناسبة يوم البيئة العالمي.. من يحمي الأرض من آخر الزائرين ؟! appeared first on بيس هورايزونس.
مشاركة الخبر: بمناسبة يوم البيئة العالمي.. من يحمي الأرض من آخر الزائرين ؟! على وسائل التواصل من نيوز فور مي