غموض ووضوح وتناقض
العالم يتفرج على أميركا وفي الذهن علامات استفهام كثيرة تحاول فهم الغموض وما يتولد عنه من تناقض واضح يتعمد الوضوح أحياناً لدرجة الغموض الباعث على الشك! هل فهمتم شيئاً؟ هكذا هي أميركا، بلد واضح وغامض في الوقت نفسه!
في موضوع الانتخابات الرئاسية، كان الخطاب الإعلامي الأميركي يتوقع فوز ترمب على بايدن خاصة بعد الأداء الضعيف لبايدن في المناظرة ثم تعزز هذا التوقع بعد محاولة اغتيال ترمب، انسحب بايدن –كما كان متوقعاً– فجاءت الفرصة لنائبة الرئيس كامالا هاريس لتنافس ترمب في الوصول لمقعد الرئاسة. هنا فرصة لإثارة إعلامية تبدع فيها القنوات الأميركية انطلاقاً من كونها في حالة الفوز ستكون أول امرأة تصل إلى هذا المنصب في أميركا، يضاف إلى ذلك أنها من أصول غير أميركية. إثارة إعلامية بدأت قبل ترشيح نائبة الرئيس بشكل رسمي من قبل الحزب الديموقراطي، المتابع للخطاب الإعلامي سوف يعتقد أن مهمة ترمب أصبحت صعبة وربما يتوقع خسارته، من خارج أميركا يطل سؤال، هل يفوز الأكفأ في الانتخابات أم من يجمع أكبر قدر من الدعم المادي أم من يمتلك مهارات الخطابة، أم من يحاط بهالة إعلامية لأسباب قد لا تكون ذات علاقة بالكفاءة؟
ما علاقة الغموض والوضوح بهذا الموضوع؟ الوضوح في إعلام حر يتحدث بحرية في كل شيء إلا انتقاد سلوك إسرائيل، وهذا مبدأ ثابت يلتزم به المتنافسون على الرئاسة غير قادرين على الالتزام بالقيم التي يزعمون أنها قيم أميركية مثل: الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، قيم تسمح لقائد إبادة الفلسطينيين نتنياهو بمخاطبة الكونغرس رغم قرارات المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة، وقرارات محكمة العدل الدولية ومضمونها عدم قانونية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. هنا تظهر قمة التناقض، دعم أميركا لإسرائيل وضوح ثابت لا يتغير بتغير الرؤساء، لو قال مسؤول أميركي أنه يؤيد قيام دولة فلسطينية حرة مستقلة، هنا سيقال، لا تصدقوا.. إنه الذكاء الاصطناعي! قمة التناقض أن تفتخر بالحرية وتدعم الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح وبالفيتو، رسبت أميركا في فلسطين في اختبار الحرية والعدالة وأكدت تناقضها في مبدأ حل الدولتين، ورسبت في العراق في اختبار المصداقية، رسوب يصنف داخل أميركا -بمعيار الأنانية- في خانة الإنجازات.
الغموض يطرق باب الإشاعات ويردد نظرية المؤامرة في قضايا داخلية وخارجية يتبادل فيها السياسيون الاتهامات حول قضايا يعتبرها المراقبون قضايا أميركية متفق عليها مثل: غزو العراق وأفغانستان، الخطاب السياسي يرفع مبدأ الدفاع عن الأمن القومي الأميركي القادم من أقصى بقاع الأرض ومن دول لا تملك القدرة على أن تكون خطراً على أحد، الخطاب الإعلامي الأميركي خطاب قوي مؤثر داخل وخارج أميركا وتنافسه في التأثير أفلام هوليود، قوة صلبة وقوة ناعمة تنتشران في خارطة العالم لا يعرف المتلقي الفرق بين الحقيقي وبين الهوليودي، ملفات واتهامات ومحاكمات ومناظرات تخرج عن القضايا الجوهرية لتدخل في أمور شخصية يفترض أن يكون تأثيرها محدوداً في المجتمع الأميركي في اختيار القيادة لكنها أحياناً تكون أقوى تأثيراً من القضايا الجوهرية.
مشاركة الخبر: غموض ووضوح وتناقض على وسائل التواصل من نيوز فور مي