القيادة في انعدام الجاذبية
"أن تعيش حياتك بلا ندم، أصعب من الذهاب إلى الفضاء!"، هذه الكلمات لرائد الفضاء الياباني نوجوتشي سوئيتشي والذي ذهب للفضاء الخارجي أكثر من مرة وقضى ما يزيد على 344 يوماً في حالة انعدام الجاذبية، في عام 2021م تم تكريمه بينما هو في محطة الفضاء الدولية كواحد من قائمة العباقرة على مستوى العالم "جينيس 100".
لرائد الفضاء نوجوتشي الكثير من المؤلفات والمساهمات الإعلامية، ومن الدروس التي شاركها هي أسرار النجاح القيادية المستلهمة من بيئة العمل الصعبة في محطة الفضاء الدولية في حالة انعدام الجاذبية الأرضية، وهي:
الهدف المشترك: في ذلك المكان الضيق نسبياً حيث تجد نفسك مضطراً لربط نفسك وتثبيتها جيداً كي تتمكن من النوم، لا شك أن الضغوط النفسية والتوتر يرتفع لدى طاقم المحطة الفضائية، ناهيك عن اختلافاتهم الثقافية واللغوية والدينية. ورغم ذلك كله يستطيع الفريق أن يتعايش مع كل هذه التحديات إذا كان لديهم هدف واحد مشترك هو البقاء أحياء وإتمام المهمة بنجاح. ونفس الشيء ينطبق على المنظمات المختلفة والتي تدمرها الصراعات والنزاعات إذا تقدمت المصالح الشخصية الضيقة على مصلحة المنظمة العليا ورؤيتها الاستراتيجية.
لا تبحث عن الكمال: في محطة الفضاء الدولية من سابع المستحيلات أن يكون كل شيء كما تتمناه، فلست في فندق خمسة نجوم بل في مهمة في بيئة عمل غير اعتيادية، ومع ذلك لا بد أن تتفهم ذلك وتضحي بأشياء في سبيل أشياء أخرى أكثر أهمية وترتب الأولويات. ونفس الأمر في بيئات العمل الاعتيادية والتي لن تخلو من التحديات والمنغصات، فلا يوجد مكان عمل مثالي ومدير مثالي وزملاء مثاليين في الوقت نفسه، فبدلاً من تضييع الوقت والأعصاب في التذمر والشكوى فلا بد من تفهم ذلك والتركيز على النقاط الإيجابية مع السعي لحل المشكلات وتحسين الوضع وفق المستطاع.
احترم خبرات ومعرفة أعضاء فريقك: رغم فترة التدريب والإعداد الطويلة فلا يستطيع رائد الفضاء أن يكون ملماً بكل شيء، بل ستكون هنالك مجالات تميز وخبرة وتخصص لدى كل رائد فضاء في المحطة، وعند مواجهة التحديات المختلفة فلا بد من احترام التخصص والاستماع إلى الآخرين وتقدير خبراتهم. والأمر نفسه في بيئات العمل التي ستفشل مع المديرين المستبدين بآرائهم والذين يهمشون أفكار بقية أعضاء فريقهم ومساهماتهم مما يضيع الكثير من الفرص على المنظمة.
في الواقع، ما يشد في تجربة رائد الفضاء نوجوتشي ليس القيادة في حالة انعدام الجاذبية الأرضية في الفضاء الخارجي، بل هي القيادة في حالة انعدام الجاذبية والاهتمام وزخم الأضواء والإعلام، وهي حالة قد تصيب الكثير من المسؤولين بعد مغادرة المنصب أو اللاعبين والفنانين بعد الاعتزال.
يروي أ. نوجوتشي عن حالته بأنه بعد العودة من الفضاء، قضى نحو 10 سنوات في أيام عصيبة وصعبة، كان يلوم نفسه ويقارنها بالآخرين، عاش الإحباط، وعدم الرغبة في العمل، والاضطرابات في النوم واليقظة وفقد بوصلة حياته وأصبحت روحه معلقة في الهواء، كان هناك أيضًا فجوة كبيرة بين تجربته المشرقة في الفضاء وواقعه الذي صار يعيشه.
ويضيف السيد نوجوتشي أنه خلال تلك الأوقات الطويلة والصعبة، أدرك أنه من أجل أن يعيش الناس حياة سعيدة، فيجب عليهم:
ألا يسمحوا للآخرين بتحديد قيمتهم.
أن يبنوا هويتهم الخاصة بأنفسهم.
وباختصار، كل إنسان معرّض لحالة انعدام الجاذبية، بمعنى زوال المنصب والشهرة، والبعض القليل معرض لحالة انعدام الجاذبية في الفضاء الخارجي، وأياً كان الوضع فالقائد يحتاج لقوة الشخصية والصلابة النفسية ليقود الآخرين في الظروف الصعبة، وفي الوقت نفسه ليقود نفسه ويحميها من الانهزام أمام التوتر والضغوط النفسية. ومن أهم أسرار النجاح هي قوة العلاقة مع الله عز وجل والجاذبية نحو النية الطيبة لتقديم الخير والاستمتاع بنفع الآخرين وصناعة الأثر الإيجابي والذي يبقى حتى بعد الرحيل عن هذه الحياة الفانية…
مشاركة الخبر: القيادة في انعدام الجاذبية على وسائل التواصل من نيوز فور مي