القـدس وصـراع الهـوية
الأسوار والمآذن والقباب.. حامية القدس
هجرة اليهود والعبث الديموغرافي
تمر البلدة القديمة في مدينة القدس بظروف غير مسبوقة في تاريخها، استباح فيها الاحتلال كل مكوناتها، وأحدث تغييرات كبيرة مست الحجر والبشر، وعلى الرغم من المدينة تراثاً حضارياً عالمياً، تجب حمايته فإن سلطات الاحتلال أمعنت في تغيير المشهد الحضاري والتاريخي للمدينة.
وقد ازدحمت الأشهر الأخيرة بالانتهاكات في مدينة القدس المحتلة، فكان على أرضها الشهداء والمعتقلون والهدم، واقتحام المسجد الأقصى، وقرى وأحياء عديدة.
في لقاء مع جريدة "الرياض"، قال الباحث المقدسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية راسم عبيدات: إن دولة الاحتلال من بعد معركة السابع من أكتوبر 2023، تريد أن تحسم سيادتها وسيطرتها على مدينة القدس، وتغيير وضعها الجغرافي والديموغرافي ومشهدها الكلي، عبر مخططات ومشاريع وبرامج متعددة واستراتيجيات من ضمنها السيطرة على ما فوق الأرض، من خلال الاستيطان ومصادرة الأراضي والعقارات، وهدم المنازل الفلسطينية العربية وسياسة الطرد والتهجير والتطهير العرقي، كما هو الحال في قرية سلوان وأحيائها الستة المهددة بالطرد والتهجير، البستان ووادي حلوة وبطن الهوي وواد ياصول وواد الربابة وعين حلوة، وحيي الشيخ جراح الغربي والشرقي، وعزل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني، وبما يمنع ذلك من تواصلها مع ذلك المحيط جغرافياً وديموغرافياً.
ولكي يحقق الاحتلال هذا الهدف، عمل على إقامة مشاريع استيطانية كبرى في المدينة (13) مشروعاً استيطانياً، تضم على الأقل 24000 وحدة استيطانية، منها ربط المشاريع والبؤر الاستيطانية في جنوب القدس مع بعضها بعض، وإقامة مشاريع استيطانية جديدة "جفعات همتوس" و"جفعات تحموتيس" وما يعرف بالقناة السفلى و"جفعات هشاكيد"، وتوسيع مستوطنة جيلو، وهذه المستوطنات المقامة على أراضي بيت صفافا وصور باهر وأم طوبا وشرفات والولجة وأراضي بيت جالا، هدفها تفكيك تلك القرى وتحويلها إلى كتل سكانية هلامية، وبما يعزلها عن جنوب الضفة الغربية محافظة بيت لحم، مدن بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور ومدينة الخليل.
عزل شمال القدس عن قلبها
وكذلك هناك مشروع استيطاني على أرض مطار القدس في شمال القدس، (9000) وحدة استيطانية، تعزل مدينة القدس على شمال الضفة الغربية، وفي شرق مدينة القدس، سيتم إقامة (3500) وحدة استيطانية، في المنطقة المسماة "معالية أدوميم" والتي تفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وتغلق البوابة الشرقية لمدينة القدس بشكل كلي، ولم يكتف الاحتلال بهذه المشاريع، بل عمل على إقامة مشاريع استيطانية استراتيجية في قلب مدينة القدس، مشروع وادي السيلكون في منطقة وادي الجوز، ما يعرف بالقرية التكنولوجية، والتي تستولي على ألفي دونم من أرضي المنطقة وتدمر 200 ورشة تجارية وصناعية عربية، وهناك مشروع عزل قرى شمال مدينة القدس عن قلبها، والمستهدف عمل طوق استيطاني يبدأ من السلسلة الغربية لمنطقة الشيخ جراح، ومن ثم المنطقة الشرقية للشيخ جراح وصولاً إلى منطقة وادي الجوز.
مشهد عربي إسلامي إلى يهودي مصطنع
ومشاريع ما يعرف بشرق المدينة والشارع الأمريكي، كل هذه المشاريع الاستيطانية، لها علاقة بتحويل سكان المدينة العرب إلى جزر متناثرة في محيط "إسرائيلي" واسع، وهذا لن يمكن الاحتلال من تحويل القدس إلى "عاصمة أبدية" لدولته، كما يريد، مع استمرار المشهد العربي الفلسطيني الطاغي فيها، والوجود السكاني الكبير للعرب فيها 38 % من مجموع سكان مدينة القدس، ولتحقيق ذلك عمل الاحتلال على توسيع مدينة القدس لكي تصبح 10 % من مساحة الضفة الغربية، بحيث يجري ضم مستوطنات جنوب غرب القدس إليها، من غوش عتصيون جنوب غرب الخليل، مروراً بمستوطنات جنوب بيت لحم، مجمع "افرات" الاستيطاني، إلى أراضي قرية الولجة المستولى عليها، وصولاً إلى مستوطنات القدس "بسجات زئيف" و"النفيه يعقوب" ومجمع بنيامين الاستيطاني، إلى مجمع مستوطنات "معالية ادوميم" شرق المدينة.
وعملية الضم والتوسيع تلك تضمن قلب الواقع الجغرافي والديموغرافي والمشهد الكلي في المدينة، من مشهد عربي إسلامي - مسيحي أصيل، إلى مشهد يهودي توراتي تلمودي مصطنع، وبنسبة سكانية 12 % عرب و88 % يهود.
هي سياسة استيطان وتهويد كاملة للمدينة، يراد منها حسم السيادة والسيطرة على المدينة بشكل نهائي.
50 حقيقة صادمة عن واقع التهويد
قالت مؤسسة القدس الدولية في إصدار لها بعنوان "50 حقيقة صادمة عن واقع التهويد في القدس": إن من بين هذه الإجراءات، توفير حزام أمني محيط بالقدس من كافة الجهات، والحفاظ على المواقع العسكرية المهمة في مرتفعات القدس ومناطقها الحساسة.
وأشارت إلى إيجاد طرق آمنة بين المستوطنات الإسرائيلية، وخلق تواصل بين أماكن وجود المستوطنين، وتحويل القدس إلى مدينة طاردة للمقدسيين، وجاذبة للمستوطنين.
وأكد التقرير مضي الاحتلال في تعزيز مكانة القدس كعاصمة لدولة الاحتلال والترويج لذلك، مع عزل المدينة عن المدن الفلسطينية الأخرى، وضرب مقوّمات صمود المجتمع المقدسي.
وتؤكد المؤسسة أن الاحتلال الإسرائيلي عمل منذ احتلال الشطر الغربي للقدس عام 1948 حتى اليوم، على تهويد المدينة المحتلة وأسرلتها، حيث تعرضت القدس خلال هذه السنوات لهجمة تهويديّة ضخمة، على الصعد الدينية والثقافية والديموغرافية، بالإضافة إلى محاولة تغيير هوية المكان، عبر رواية تاريخية مكذوبة، حاول الاحتلال إقحامها في خط المدينة التاريخي.
استهداف الوجود العربي
جنباً إلى جنب إجراءاتها التهويدية، عملت إسرائيل على وضع الإنسان العربي في حالة غير آمنة، على مختلف المستويات الاقتصادية والعمرانية والجسمانية.
لقد فرضت على الناس ضرائب لا تتناسب مستوياتها مع مستويات دخلهم، وضيقت عليهم اقتصادياً من أجل أن يلتحقوا بسوق العمل الإسرائيلي، وذلك لرفع مستوى اعتمادهم في لقمة الخبز على المحتل، وربط مستقبل أولادهم الاقتصادي بإسرائيل. وعملت على منعهم من ترميم بيوتهم، ووضعت قواعد صارمة لعملية العمران سواء كان بإضافة غرف إلى مساكن قائمة، أو بناء مساكن جديدة.
ولم تتوان عن هدم بيوتهم، سواء كانت مرخصة أو بدون ترخيص، من بلدية القدس التي تنفذ سياسة الاحتلال. ولاحقت الناس أيضاً لأسباب سياسية وأمنية، فاعتقلت كثيرين إدارياً وأمنياً، وشددت من إجراءات التفتيش وبث أجواء الرعب والإرهاب.
قانون الغائب
وفي سياق سياستها لتهويد معالم المدينة، أكدت حكومة نتنياهو أنها تبنت قراراً للشروع مجدداً في تطبيق قانون أملاك الغائبين، ليشمل الممتلكات المحجوزة في القدس الشرقية المحتلة.
ويمكن القول: إن تطبيق قانون أملاك الغائبين قد أدى إلى سيطرة إسرائيل على القسم الأكبر من الأراضي الفلسطينية، التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين، الذين هاجروا إلى خارج فلسطين إثر نكبة عام 1948، وكذلك الغائبون الحاضرون، وهم اللاجئون المحليون الذين يقيمون داخل الخط الأخضر، في قرى ومدن غير قراهم ومدنهم الأصلية، حيث يمنح القانون المذكور الوصي الإسرائيلي على أملاك الغائب "الحق" في الاستيلاء عليها وإدارتها والسيطرة على الأرض التي يملكها أشخاص يعرَّفون بـ"غائبين".
و"الغائب" حسب دراسات مختلفة، هو أي فلسطيني هُجر إلى خارج فلسطين في الفترة من 29 نوفمبر 1947 إلى 18 مايو 1948 عن تلك الأقسام من فلسطين، التي أقيمت عليها دولة الاحتلال.
وفي آخر الأمر، حولت الأراضي الفلسطينية التي اُستولي عليها وفقاً لهذا القانون بعد العام 1948 من الوصي، إلى سلطة التطوير الإسرائيلية، أو الصندوق الوطني اليهودي، واستخدمت لتوطين اليهود فقط.
قلعة القدس التي بنيت خلال العهد الأيوبي باب القطانين أحد أبواب المسجد الأقصى (أطلس معالم الأقصى) يهود عند حائط البراق للاحتفاء بيوم «ذكرى خراب المعبد» المزعوممشاركة الخبر: القـدس وصـراع الهـوية على وسائل التواصل من نيوز فور مي