زراعة الأعضاء.. إلى أين؟
تظل المملكة رائدة في توجهاتها الاستراتيجية، وإن كانت في قطاع الصحة، وعندما تقوم بعمل ما، يجب أن يكون مدروساً بدقة، قائماً على أسس علمية، قادراً على الاستمرارية والنجاح، بل وتطوير نفسه، مدفوعاً بزخم من الدعم الحكومي، وعندما أقول إن هناك دعماً حكومياً سعودياً، فيجب أن تعرف أن الدعم في إطاره المالي المؤسسي، سيكون مصحوباً بدعم شعبي، وزخم إنساني غير مسبوق، إضافة إلى الدعم الإعلامي الكبير، ومنظومة الدعم هذه تضمن النجاح، في حال وجود "إدارة قوية" ذات رؤية إبداعية في العمل، تتناسب مع قيمته ودوره الاجتماعي الكبير في المملكة، هنا أقصد قيمة العمل، وليس من يديره الذين نكن لهم بلا شك كل التقدير.
لقد نبتت فكرة تأسس "المركز السعودي لزراعة الأعضاء" بمبادرة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- حينما كان أميراً لمنطقة الرياض لتطوير برامج زراعة الأعضاء الوطنية، سنة 1402هـ، فقد كانت فكرة استراتيجية وما زالت، تكشف مدى الوعي لدى أبناء المملكة المسؤولين "المعجونين" بحب هذا الوطن وأبنائه.
لا ينكر منصف ما يقوم به المركز من جهود وخدمات، خاصة بالتبرع بالأعضاء وزراعتها في المملكة، من أدواره المهمة التوعية والتعليم لنشر ثقافة التبرع بالأعضاء ورفع الجانب الوقائي من الإصابة بأمراض القصور العضوي النهائي لأفراد المجتمع والممارسين الصحيين في القطاعات الصحية، وحسب بياناته، كما يؤكد المركز أنه نجح في رفع مستوى التوعية المجتمعية بأهمية التبرع بالأعضاء من خلال حملات إعلامية وبرامج تعليمية متنوعة!
ولكن المتابع للمركز، وحالات الانتظار التي تمتد لسنوات، يجعلنا نسائل المركز، لماذا تزايدت قوائم الانتظار؟ نعم، هناك 20 ألف حالة غسيل كلوي، فيما ينتظر الزراعة منهم على قوائم الانتظار من 70-80 ٪. أتفهم أن عمليات التبرع بالأعضاء معقدة وصعبة، وتحتاج كثيراً من الجهود؛ خاصة برامج التوعية المجتمعية، فأين دور المركز وبرامجه المحفزة والجاذبة لفكرة التبرع وقيمته الإنسانية الرائعة؟ فليس النجاح أن تتزايد نسب إجراء عمليات الزرع أو التبرع، لأن عمليات الزرع والتبرع تخضع لتزايد الحالات المحتاجة والمنتظرة، فيجب أن تتناسب نسبة الزيادة مع ارتفاع معدلات الإصابة، فلا يعقل أن نجد مرضى بفشل كلوي في قوائم الانتظار تصل إلى خمسة أعوام، وأكثر.. نتمنى أن يطيل الله في أعمارهم ويصل القطار إلى محطته الأخيرة بسلام، مع أننا في واقع الأمر ننتظر الكثير من هذا المركز الوطني.
وعلى الجانب الآخر من مسيرة النجاح في المملكة، نجد مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الذي نجح في إجراء أكثر من 5000 عملية زراعة كلى بنجاح منذ إنشاء برنامج زراعة الأعضاء في العام 1981م، ليصبح من أهم المراكز الصحية الرائدة حول العالم، حيث أجرى أكثر من 3000 عملية زراعة منذ عام 2010م.
إن من أهم ما يقوم به مستشفى الملك فيصل التخصصي التفكير المستمر والإبداع، للقضاء على قوائم الانتظار وعلى قائمة الزراعة من المتبرعين المتوفين دماغيًا، بتسهيل تبادل المتبرعين الذين لا تتطابق دماؤهم أو أنسجتهم مع المتبرع له، وبذلك أصبح مستشفى الملك فيصل التخصصي رائدًا في زراعة التبرع التبادلي مقارنة بأي مركز صحي آخر في العالم.
ما زلنا في حاجة ماسة لنشر ثقافة التبرع؛ ليتم إنقاذ حياة أفراد، ومجتمع يحيط بهم، ونقتدي بخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -يحفظهم الله- حيث قاما بالتسجيل في برنامج التبرع بالأعضاء التابع للمركز السعودي للتبرع بالأعضاء، في مبادرة رائعة، تشجيعًا من القيادة للمواطنين والمقيمين على التسجيل في برنامج التبرع بالأعضاء، لإنقاذ حياة بشر ينتظرون بفارغ الصبر في طابور طويل، أن يحصلوا على فرصة في الحياة.
وأقترح لماذا لا يتم ضم "المركز السعودي لزراعة الأعضاء" إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بإمكاناته ومكانته وخبراته، ويصبح لدينا كيان عالمي كبير قادر على تحمل المسؤولية، والتعاطي مع المستجدات وزيادة حالات الإصابة، مع وضع خطط مستقبلية لاستيعاب كل الحالات، على الأقل يتم اختصار قوائم الانتظار.
مشاركة الخبر: زراعة الأعضاء.. إلى أين؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي