المدينة التي كنتَ تريدها
أعرِفُ أنَّك كنتَ تحلُمُ بمدينةٍ جميلةٍ تَعُجُّ بالحبِّ والحياةِ، مدينةٍ تتعايشُ فيها الأرواحُ بسلامٍ وتتعانقُ فيها القصائدُ.. مدينةٍ مُشرِقةٍ، مليئةٍ بالألوانِ والذكرياتِ المتشابكةِ؛ لكنَّك لم تكن تعلمُ أنني لستُ إلَّا مدينةً بائسةً، لم يَبقَ منها سوى أنقاضِ نفسي التي كانت، حيثُ رائحةِ الحزنِ والموتِ تَزْكُمُ أرجاءَها.
أشعرُ بخيبتِك عندما لم تجِدِ البهجةَ التي كنتَ تبحثُ عنها، عندما واجهتَ الخرابَ الذي خلَّفته سنواتٌ من الحروبِ والصراعاتِ التي تركتْ في روحي جروحًا عميقةً؛ حروبٍ صامتةٍ أشغلتِ الروحَ، حرائقَ من المشاعرِ المتضاربةِ، لا غالبَ فيها ولا مغلوبَ، فقط حُطامٌ يتزايدُ يومًا بعد يومٍ.. وميادينَ لم ينتصرْ فيها أحدٌ، لكنها كانت كافيةً لتُخلِّفَ هذا الدمارَ المستمرَّ.
كلُّ شيءٍ في هذه المدينةِ يَحملُ طابعَ النهاياتِ؛ لا شيءَ ينبضُ بالحياة، بقايا لما كان يمكن أن يكون، لما ابتدأتُه يومًا جميلًا وانتهى إلى بؤسٍ ورمادٍ.
ربما توقعتَ أن تجِدَني مدينةً جميلةً بأزقَّتِها ونوافذِها البَهِيَّةِ، مدينةً تحملُ في تفاصيلِها حنينَ الماضي وبهجةَ الحياةِ؛ لكنَّك ويا للخيبةِ، وجدتَ نفسَك تَسيرُ بين أنقاضِ مدينةٍ مهجورةٍ، لا حياةَ فيها إلَّا بعضُ ذكرياتٍ وبعضُ ماضٍ يُقاومُ النسيانَ.
أعرِفُ أنه كان من الصعبِ عليكَ أن ترى ذلك، أن تشعرَ بثقلِ هذا الخرابِ، ربما لأنكَ كنتَ تأمُلُ بشيءٍ مختلفٍ، أكثرَ إشراقًا وأقلَّ غيابًا.. ربما كنتَ تأمُلُ أن تجِدَ بين هذه الجدرانِ شيئًا من الطمأنينةِ، لكنكَ وجدتها مدينةً تتوشَّحُ سوادَ الفقدِ، مدينةً لم تتركْ لها الأقدارُ فرصةً لتزدهرَ.
أنا نفسي لم أكن أملكُ القوةَ لأُخبِرَكَ منذ البدايةِ؛ تمنيتُ لو كنتُ ما تتمنى، لكنَّ الحقيقةَ كانت أنني لم أكن سوى هذا الخرابِ؛ الذي لم يعد صالحًا للحياةِ.. كنتُ أتمنى أن أكونَ مَلاذًا آمنًا لك، لكن بدلاً من ذلك، وجدتَني أَجذِبُكَ نحو ما كنتَ تخشاهُ.
أشعرُ بالأسى لأنني لم أستطعْ أن أكونَ ما كنتَ تحلُمُ به، الفارِسَ، الحصانَ الأبيضَ، الوردةَ الحمراءَ، أو حتى أن أتظاهرَ بأنني شيءٌ آخرُ، جميلٌ تنتظرهُ.
هذه هي الحقيقةُ الآن، وهذه هي الحال الآن؛ ربما في وقتٍ آخرَ، في مكانٍ آخرَ، كان يمكن أن أكونَ تلك المدينةَ الجميلةَ التي حلِمتَ بها.. بيد أن كل ما أملكُه الآن هو هذه الروحُ التي تُحاولُ جاهدةً أن تجدَ طريقَها.
قد يكون القَدَرُ أليمًا، ولكنَّها الحقيقةُ التي لن ألومَكَ على مُغادَرَتِها؛ وسأتفهمُ إذا ما قررتَ الرَحيلَ؛ لأنني أعرِفُ أنَّ هذا ليس ما كنتَ تبحثُ عنه.
أنا فقط أريدُ أن أقولَ إنني أتمنى لو تأتيني الفرصةُ مرةً أخرى حيثُ يمكنُ أن أعدكَ في وقتٍ آخرَ، في مكانٍ آخرَ، بأن نكونَ المدينةَ التي حلِمنا بها.
مشاركة الخبر: المدينة التي كنتَ تريدها على وسائل التواصل من نيوز فور مي