صالونات شعبية... مهاجرات أفريقيات يصنعن الجمال في المغرب
تقدم مئات المهاجرات الأفريقيات في المغرب خدمات تركيب رموش وأظافر اصطناعية وخدمات تجميل أخرى للنساء، وهن معروفات ببراعتهن في تسريحة "الراستا" وتضفير الشعر المجعّد.
تقضي المهاجرة السنغالية ماتي يومها على رصيف محاذٍ لحديقة عمومية في الحي الحسني بمدينة الدار البيضاء المغربية، وهي واحدة من مئات المهاجرات الأفريقيات اللواتي حوّلن المكان إلى صالونات تجميل مفتوحة تنبض بالحياة، بعد تلاشي حلم الهجرة نحو الضفة الأوروبية.
تقول ماتي لـ "العربي الجديد"، إنها تعمل في مهنة تركيب الرموش والأظافر منذ سنوات بعد اكتساب الخبرة والتجربة الكافية. تتوقف لتناقش زبونتها حول مقاس الرموش الذي ترغب فيه، وتعرض عليها علبة لتختار منها ما يناسبها، ثم سرعان ما تمسك ملقطاً استعداداً لبدء العمل. بمهارة وخفّة، ترفع الرمش الاصطناعي من العلبة، وتغمر جزأه الأسفل في قليل من الغراء، وتحمله باتجاه العين، تُكرّر هذه العملية عدة مرات إلى أن تنتهي من إنجاز المهمة.
تستذكر ماتي التي تعيش في المغرب منذ أربع سنوات، الرحلة القاسية التي عانتها للوصول: "تركت عائلتي في العاصمة دكار، بحثاً عن حياة أفضل، لكن التحدي كان كبيراً، والاندماج في المجتمع لم يكن سهلاً، وبعد عناء وجدت لنفسي موطئ قدم هنا، وكسبت صداقات منحتني القوة والأمل في الاستمرار".
لم تخف زبونة ماتي إعجابها بالرموش الجديدة التي منحت عينيها مظهراً جذاباً، لا تحتاج معه إلى استعمال الماسكارا يومياً، إضافة إلى أنها تزيد ثقتها بنفسها، خاصة أنها مدعوة إلى مناسبة عائلية. تقول: "ماتي محترفة في تركيب الرموش، وخدماتها أفضل من الصالونات، كما أن الثمن في المتناول، ويتراوح بين 50 إلى 100 درهم (5 إلى 10 دولارات)".
لا تُبدي السيدة أي حرج في الجلوس بالشارع أمام أعين المارة لتركيب الرموش، وتعتبر حديث الأطباء عن مخاطر استخدام الرموش الاصطناعية وأضرارها، سواء في ما يتعلق بالتهابات العين أو ردود الفعل التحسسية، أمراً مبالغاً فيه.
إلى جانب ماتي، تصطف مهاجرات أفريقيات فوق كراسي بلاستيكية، وأمامهن طاولات صغيرة تضم مستحضرات تجميل، و"كتالوغات" شعر مستعار، وعلب رموش وأظافر اصطناعية، تتعقب عيونهن المارات علهن يظفرن بزبونة، يعرضن خدماتهن التجميلية بكلمات تمتزج فيها الفرنسية باللهجة المغربية.
تقول المهاجرة أميناتا القادمة من ساحل العاج: "في البداية، لم أكن أتصور أن أعمل في هذا الفضاء المفتوح، لكني وجدت في مجال التجميل فرصة جيدة لتحقيق دخل يومي. واجهت عدة مشكلات منذ وصولي، وتدريجياً أدركت أن حلم الهجرة الذي كان يراودني أضحى صعب المنال. لم يكن هدفي البقاء، بل كان المغرب نقطة عبور نحو أوروبا. تعرضت للتهميش والعنف اللفظي بسبب لون بشرتي، إضافة إلى العديد من السلوكات التمييزية من بعض الباعة في السوق، وصعوبات الحصول على مكان للاستقرار نظراً إلى وضعي غير القانوني. بمرور الوقت بدأت أتأقلم مع الواقع، كما أنني تعرفت على نماذج إيجابية، فليس الجميع بقلب أسود، وأتمنى أن أستطيع تحسين أوضاعي".
مهاجرة تعرف نفسها باسم أروى مشهورة بإتقانها تسريحة "راستا" بسوق باب مراكش في قلب المدينة العتيقة بالدار البيضاء، تجول عيناها المكان لاستقطاب الفتيات والنساء وهي تردد بلهجة مغربية: "أجي (تعالي) أختي، أجي زوينة (جميلة)، راستا". تقول: "كنت أعمل في تصفيف الراستا منذ سنوات في بلدي، وعندما جئت إلى هنا قررت أن أواصل. لم يكن الإقبال في البداية كبيراً، لكنه تحول تدريجياً إلى موضة، وأصبح لدي زبونات دائمات".
تضيف: "تبدأ المرحلة الأولى بمعاينة شعر الزبونة، وتقديم تشكيلة من الاختيارات التي قد تناسبها، والاتفاق معها على السعر الذي قد يزيد أو ينقص بحسب المطلوب، هل الشعر اصطناعي أم الاكتفاء بالشعر الأصلي، وتتراوح كلفة هذه التسريحة بين 100 إلى 250 درهماً (10 إلى 25 دولاراً). ما أجنيه أنفقه على تكاليف العيش".
كانت المغربية نادية في انتظار دورها للحصول على تسريحة "راستا"، وتقول: "من بين الأسباب التي شجعتني على ذلك أنها تمنحني إطلالة مميزة تشبه المشاهير، كما أنها تمثل حلاً مثالياً للشعر المجعد، خاصة خلال فصل الصيف، وتوفر عناء استعمال المجفف".
وتعيش آلاف المهاجرات الأفريقيات في المغرب، بعد أن وصل العديد منهن في رحلات تهريب غير قانونية شاقة بهدف الانطلاق نحو أوروبا، بحثاً عن حياة أفضل، ثم اختارت كثيرات منهن الاستقرار في المغرب، خاصة بعد الاستفادة من قانون "تسوية الوضعية القانونية للأجانب" بعد عام 2014.
استطاعت الأربعينية آوا القادمة من السنغال، بعد سنوات في المغرب تسوية وضعها القانوني، والعمل في "سوق السنغال"، الذي بات مقصداً في مدينة الدار البيضاء، ويجسد اندماج الثقافة الأفريقية بالنسيج الاجتماعي المغربي. تقول لـ "العربي الجديد": "بعد تسوية وضعي القانوني شعرت بنوع من الارتياح، وتلاشت فكرة الهجرة إلى أوروبا. أعمل هنا مع شريكتي الغينية وسط فضاء نشعر بالانتماء إليه، فيه بضاعتنا وملابسنا وأصدقاؤنا، ولا أشعر بأي عنصرية أو تمييز. أقدم خدمات التجميل مثل تصفيف الشعر والراستا والعناية بالأظافر، وأطمح في المستقبل إلى أن أفتتح صالوناً كبيراً".
ويقول الباحث في علم الاجتماع، مصطفى تاج، لـ "العربي الجديد": "يشهد المغرب منذ سنوات توافد آلاف المهاجرين والمهاجرات من أفريقيا جنوب الصحراء، ومنهم من اختار الإقامة بشكل مرحلي باعتباره محطة عبور نحو أوروبا نظراً إلى الموقع الجغرافي وسهولة التعايش والتقارب الإنساني، وهناك فئة اختارت أن تستقر بشكل نهائي، وتبحث عن فرص للاندماج في مهن حرة. واقع الحال فرض على المهاجرات من الفئة الأولى البحث عن أنشطة مدرة للدخل، ولعل هذا ما يجسد حضورهن في مهن كالحلاقة والتجميل والخياطة، خاصة في المناطق والأسواق الشعبية، حيث يكون الطلب على خدماتهن أكبر".
ويضيف: "سعى المغرب إلى تحسين سياساته واستراتيجياته لإدماج المهاجرين في المجتمع، من خلال تسهيل الحصول على الإقامة القانونية، والولوج إلى خدمات الصحة والتعليم والعمل، إضافة إلى عدد من المبادرات الاجتماعية والتعليمية لتشجيعهم على بدء مشاريع صغيرة، ما يساهم في تعزيز إدماجهم. هناك أيضاً الحرية الدينية التي يتمتع بها المهاجرون الأفارقة، والحديث عن العنصرية أو الكراهية ضدهم يظل مجرد حالات معزولة".
وبحسب الإحصائيات الرسمية، سُوِّيَت أوضاع أكثر من 50 ألف مهاجر، معظمهم ينحدرون من دول أفريقيا جنوب الصحراء بين عامي 2014 و2016، وفي 2023، سُوِّيَت أوضاع 2300 مهاجر بهدف تمكينهم من حقوقهم وتسهيل اندماجهم في سوق العمل.
مشاركة الخبر: صالونات شعبية... مهاجرات أفريقيات يصنعن الجمال في المغرب على وسائل التواصل من نيوز فور مي