هاريس وليس ترامب
سيعرف العالم اسم الرئيس الأميركي الجديد بعد أقلّ من 24 ساعة. والمعتاد، مع كل انتخابات رئاسية أميركية، أن تضع دوائر القرار وأجهزة المعلومات في مختلف الدول، سيناريوهات مختلفة للتعامل مع الرئيس الذي سيسكن البيت الأبيض. بل تحصل هذه العملية حتى في حالة إعادة انتخاب الرئيس لولاية ثانية، إذ قد يُدخل تعديلاتٍ، ولو جزئية، على سياساته وتوجّهاته الخارجية بصفة خاصة. كذلك تراجع الدوائر الرسمية أيضاً الاستطلاعات وتدرس التوقعات المرئية، لترجيح فوز أيٍّ من المرشّحين للرئاسة الأميركية، لتكون الخطط المستقبلية والاستعدادات للتعاطي مع الرئيس الجديد أكثر واقعية وتوافقاً مع مؤشّرات تصويت الناخبين واتجاهاتهم نحو مختلف القضايا. وتذهب دول إلى أبعد من ذلك، فتعمل على توجيه أصوات الناخبين، والتأثير بمواقفهم من المرشّحين، لترجيح مرشح بعينه، تريد هذه الدولة أو تلك تسكينه في البيت الأبيض، لأن أفكاره وتوجهاته، وربما طبيعته الشخصية، تخدم مصالحها وأهدافها بشكل ما.
وفي الانتخابات الراهنة، توجد أسباب واضحة لترجيح كفّة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس. وتوجد دوافع أكثر وضوحاً وقوة، ليحرم الناخبون الأميركيون دونالد ترامب سكنى البيت الأبيض مرّة أخرى. فرغم شعبيّة ترامب وسط شرائح معينة من المجتمع الأميركي، وتماسكه في مواجهة ملاحقات قضائية متتالية، إلا أن حملته الانتخابية، في الأشهر الماضية، بما حفلت به من خطاب شعبوي ومنطق تجاري في النظر إلى الأمور، والتطرّف في مواقفه تجاه قضايا خلافية ومهمّة، مثل المهاجرين والإجهاض، كلها كانت بمثابة إشارات حمراء وجرس إنذار للناخب الأميركي التقليدي، وهو المكون الأساس والأكثر حضوراً في الانتخابات والعملية السياسية إجمالاً. كذلك، عانى ترامب، بشكل كبير، وهو يحاول تبنّي مواقف غامضة وعمومية، لاستمالة الناخبين المترددين، فهؤلاء بحاجةٍ دائماً إلى مواقف واضحة ووعود قاطعة تدفعهم إلى حسم قرارهم التصويتي. وإلى حدّ حاول ترامب فعل ذلك، لكنه، من حيث لا يدري، ذهب بتصريحاته في الاتجاه العكسي، ما ظهر بالفعل في استطلاعات الرأي التي كشفت ابتعاد هؤلاء الناخبين عنه، بدلاً من التفكير في اختياره.
في المقابل، لم تقم كامالا هاريس بحملة انتخابية مثالية، لكنها استفادت، إلى حد بعيد، من عوامل تلقائية مواتية. أولها بالطبع أنها امرأة ملوّنة، فهي سيدة وصلت إلى منصب نائب الرئيس، أي تملك خبرة عملية ناجحة في تولي مسؤوليات المناصب الفيدرالية ومهامها، على خلاف الجدل والمشكلات التي أوجدها ترامب خلال وجوده في البيت الأبيض سابقاً.
ولأنها من أصول غير أميركية وليست بيضاء، فإن حصولها على أصوات الأقليات وأصحاب الأصول الأجنبية يبدو شبه مؤكّد، خصوصاً في ظل التوجه الإقصائي الشرس الذي يتبنّاه ترامب تجاه المهاجرين.
أخيراً، وكالمعتاد، يلعب الاقتصاد والهموم الحياتية اليومية دوراً جوهرياً في القرار النهائي للناخب الأميركي التقليدي. وهو ما يجعل برنامج هاريس الانتخابي أكثر مقبولية وصدقية، مقارنة بترامب رجل الأعمال الرأسمالي النخبوي، فهي تركّز على خفض الأسعار وتسهيل حصول الأميركيين على المنازل والأدوية. بينما يقول ترامب إنه سيقلّص الإنفاق الحكومي، وسينهي تقليص إنتاج النفط. وحتى إن اتُّخذت هذه الخطوات بالفعل، سيظلّ انعكاسها عملياً على أوضاع المواطنين المعيشية، جزئياً وآجلاً غير عاجل.
لأداء هاريس وتحرّكاتها وحضورها العام خلال أزمة "كوفيد-19"، دور جوهري في إضفاء صدقية على الصورة التي حرصت على ترويجها في الحملة الانتخابية، بكونها شخصاً قادراً على حل المشكلات وإدارة الأزمات، وليس التسبب بها، مثل ترامب الذي ألمح إلى أن عدم فوزه يعني تزوير الانتخابات. لهذه الدواعي مجتمعة، الأرجح أن تصبح كامالا هاريس غداً رئيساً للولايات المتحدة.
مشاركة الخبر: هاريس وليس ترامب على وسائل التواصل من نيوز فور مي